ضربة محددة بضوابط أميركية: بيروت “اللبنانية” خط أحمر لن تتجاوزه اسرائيل الآن!؟

انشغلت دوائر القرار الأميركية في الساعات الأخيرة التي سبقت قصف اسرائيل للضاحية الجنوبية واغتيال فؤاد شكر من داخل المربع الأمني لـ”حزب الله”، بلجم الرغبات الاسرائيلية في توجيه ضربة إلى العمق اللبناني أي العاصمة بيروت.

من الواضح أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يميل مع وزرائه إلى شنّ حرب واسعة على لبنان وربما كل محور الممانعة وجرّ الولايات المتحدة الأميركية إلى هذه المواجهة، لكن الادارة الأميركية لا تريد إقحام نفسها في الوقت الحاضر في مواجهة مع إيران، لألف سبب وسبب. لذلك، تحاول منع اسرائيل من المبادرة إلى ردود فعل استفزازية كبيرة لمحور الممانعة، وتركّز على أن تكون الضربات الاسرائيلية محدودة في الزمان والمكان.

وتكشف مصادر ديبلوماسية أميركية من الصفّ الثاني في إدارة الرئيس جو بايدن أن حجم الضربة الاسرائيلية التي وجّهت إلى الضاحية الجنوبية كان متّفقاً عليها مع الأميركيين، وخلافاً لما يروّج في وسائل الاعلام وعلى لسان بعض المحللين، هي لم تتجاوز الخطوط الحمر، بل تشبه عملية اغتيال مسؤول “حماس” صالح العاروري منذ أشهر، وتعتبر رداً موضوعياً على قصف “الحزب” للجولان وقتل أطفال أبرياء هناك.

واللافت أن مساعي الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لم تتوقّف قبل الضربة الاسرائيلية، وكان الهاجس الأساسي تجنّب قصف بيروت بالمعنى الواسع. وتشير المصادر الديبلوماسية بكلام أكثر وضوحاً إلى أن “هناك بيروتين لدى الأميركيين: الأولى بيروت اللبنانية أي العاصمة الادارية التي تجمع كل اللبنانيين من الطوائف كافة وهي تابعة للدولة اللبنانية من جهة، وضاحية بيروت الجنوبية التي تمثّل عاصمة الممانعة التابعة لحزب الله من جهة أخرى، لذلك لم تسمح الولايات المتحدة لاسرائيل بتجاوز الخطوط الحمر”، معتبرة أن “قصف بيروت أي البنية التحتية ومرافق الدولة والمدنيين، يعني استدراج محور الممانعة إلى حرب واسعة لا تريدها الولايات المتحدة الآن وربما تتجنبها إيران أيضاً”.

إذاً، الضربة الاسرائيلية كانت محددة بضوابط أميركية، واستهداف الضاحية الجنوبية يعتبره الأميركيون جزءاً مسموحاً به في هذا الصراع الدائر، وخصوصاً بالأسلوب الاسرائيلي الموجّه والدقيق لاغتيال مسؤولين لـ”الحزب”، مطلوبين أميركياً، من داخل مربّعه الأمني.

أما رد فعل “الحزب” فيبدو مربكاً، وخصوصاً أن اسرائيل وجّهت ضربة ثانية الى محوره، خلال 24 ساعة، اغتالت فيها أحد المسؤولين الأساسيين في “حماس” ومحور الممانعة اسماعيل هنيّة في قلب طهران وأمام مرأى النظام الايراني الذي يقود هذا المحور، وبالتالي أياً كان رد “الحزب” المنتظر ستطرح حوله علامات استفهام عديدة إذا كان بحجم الاستهداف الاسرائيلي أو أقل مستوى.

في المقابل، يلفت صحافي مخضرم مقرّب من “الحزب” الى أن جريمة مجدل شمس كانت الذريعة المطلوبة لهذا العدوان الذي تعرّضت له الضاحية الجنوبية، علماً أنه مُخطط له سلفاً، والتجييش الكبير الذي حصل بشأنه كان يُمهّد لما حصل، مشيراً إلى أن “التطمينات الغربية لبيروت بأن اسرائيل لن تستهدف بيروت أو الضاحية كانت تمويهاً أو سذاجة صدّقها ساسة لبنان”.

ويذهب الصحافي المخضرم أبعد من ذلك، مؤكداً أن الوصول إلى قيادي كبير في “الحزب” وفي قلب بيروت سابقة خطيرة بعد اغتيال القيادي الحمساوي العاروري في الضاحية أيضاً، وهي رسالة إلى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، ولذلك نلاحظ مثلاً أن صحيفة “يديعوت أحرونوت” تحدثت أمس عن بديل لنصر الله هو السيد هاشم صفي الدين الذي قالت انه “ليس ابن عم نصر الله فقط، بل هو الصهر المحبوب للزعيم الراحل لفيلق القدس قاسم سليماني”.

ويؤكّد الصحافي “الممانع” أن “الحزب” سيردّ على نحو موجّه بصرف النظر عن كل محاولات ثنيه عن ذلك، “لأن عدوان أمس خطير وفق ما سيتبيّن من معلومات لاحقة، لكنه على الأرجح لن يكسر قواعد الاشتباك كي لا يعطي نتنياهو ذريعة لتوسيع الحرب وتوريط الجميع”.

ويتساءل: “هل رفع اسرائيل التصعيد إلى هذا المستوى يهدف إلى توسيع الحرب بعدما حصل نتنياهو على دعم كبير في الكونغرس، أم سيفتح المجال لتسريع الوساطات؟”.

من الواضح أن معيار “الحزب” للخطوط الحمر يختلف عن المعايير الأميركية، فهو يعتبر الضاحية الجنوبية في قلب بيروت بل تمنحه المشروعية بقصف حيفا وتل أبيب وهنا مكمن الخطورة عبر الاختلاف في المعايير الذي قد يؤدي نتيجة خطأ ما إلى توسيع الحرب على الرغم من رفض بعض الأطراف لها، وكل ذلك يتوقّف اليوم على نوعيّة ردّ “الحزب” على اغتيال القيادي فؤاد شكر. علماً أن ثمة من يتحدث عن إمكان استهداف مراكز عسكرية اسرائيلية حسّاسة كمقر وزارة الدفاع في تل أبيب أو محطات توليد الكهرباء.

في المحصّلة، لن تجرؤ اسرائيل على ضرب بيروت ومرافقها ومؤسساتها وسكّانها طالما أن واشنطن تعتبرها من الخطوط الحمر، لكن على الحكومة اللبنانية أيضاً والمسؤولين الرسميين أن يتحمّلوا مسؤولياتهم ويعلنوا استقلاليتهم عن خيارات “الحزب”، فمواقف البعض منهم لا تخدم المصلحة اللبنانية، وقد تورّط بيروت في حرب لا تُحمد عقباها، فثمة شعور لدى عواصم القرار ولا سيما واشنطن أن هناك تواطؤاً بين هؤلاء المسؤولين مثل الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي و”الحزب” وتبادل أدوار، وبالتالي قد يؤدي ذلك، إذا استمر على هذا النحو، إلى توسيع اسرائيل مروحة اعتداءاتها وتخطي خط الدفاع الأميركي عن بيروت!

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة