مجدل شمس وكاريش: أحداث وقعت بين الطرفين نحن لا نعرفها…كيف يتسبّب الحزب بالحرب؟
ظلّت كلّ الأطراف تؤكّد عدم إرادتها توسيع الحرب. بينما حذّر آخرون من حصول أخطاء أو تداعيات تؤدّي إلى التصعيد بدون قصد. نتنياهو يريد استمرار الحرب: فهل يكون صاروخ مجدل شمس هو الفرصة السانحة لدعاة الحرب لمضاعفة العنف؟
صارت الكتابة في الشأن الوطني أو الشأن الفلسطيني مثل الدعس على الألغام من جانب من لا يعلم خرائطها. وبالمناسبة قال الإسرائيليون قبل مدّة، للتخويف بالطبع، إنّهم أزالوا الألغام من الجولان لجهة لبنان، كأنّهم يستعدّون للهجوم. وما منع ذلك وزيراً سابقاً للحزب من القول إنّه إذا كان الأمر أمر مصير الوطن فهم لن يستشيروا أحداً!
وكان المتوقّع غير ذلك، أي أن يُستشار المواطنون عندما يكون الأمر مصيرياً. وفي حدود ما قاله الحزب من أنّه لا يشنّ هذه الهجومات إلا لدعم غزة: فلماذا صار ذلك فجأةً شأناً يتعلّق بمصائر لبنان الذي يستأثرون بقراره.
نحن نكرّر مع الآخرين منذ شهورٍ وشهور أنّ الحرب لن تتوسّع، وهو ما يقوله زعيم الحزب تقريباً مستثنياً الحالة التي يتوسّع فيها الإسرائيليون في شنّ الحرب. وما يقوله الحزب ونقوله يستند أيضاً إلى إصرار الأميركيين، الذين نعتقد أنّهم يمونون على إسرائيل، على أنّ الحرب لن تتوسّع، وأنّ وقف إطلاق النار سيعلن قريباً!
لماذا نتحدّث عن الحرب وعن غياب الدّولة؟
لأنّنا فوجئنا ببيان صدر عن الحكومة، التي استيقظت فجأةً على وقع حدث مجدل شمس قائلةً إنّها تستنكر الهجمات على المدنيين (لأنّه مخالف للقانون الدولي وللإنسانية!). وتدعو إلى وقف الحرب على كلّ الجبهات! وتصوّري وتصوّر آخرين أنّه لو كانت الحكومة مستيقظة وفاعلة لما حدثت حرب المشاغلة هذه.
ما يحدث اليوم بل ومنذ تسعة أشهرٍ ونيّف، حدث مثله عام 2006. وقتها شنّ الحزب هجوماً فأجابه الإسرائيليون بالحرب. وفي 7 تشرين الأول عام 2023 شنّت حماس من غزة هجوماً على مستوطنات غلاف غزة، فأجاب عليها الإسرائيليون باكتساح غزة وتهديمها وقتل عشرات الألوف. وأقبل الحزب منذ 8 تشرين على الاشتباك مع الصهاينة بحجّة دعم غزة. ما استمرّت الحرب طويلاً عام 2006 وما احتلّ الإسرائيليون غير 6 كيلومترات (!) لكنّ النصر الإلهيَّ تحقّق على الرغم من ذلك.
يومها كانت في لبنان حكومة قائمة عملت من أوّل يوم على الخروج من الحرب. وحضّرت للقرار الدولي رقم 1701 الذي أعاد الجيش إلى الجنوب ومعه القوات الدولية. وحدثت عمليات إعادة الإعمار بسرعةٍ قياسية بمساعدة الدول العربية والعالم. وما كان ذلك موقف حكومة تصريف الأعمال التي صمتت طويلاً بعد بدء حرب المساندة، ثمّ قال رئيسها قبل فترة: “المقاومة تقوم بواجبها (!) والحكومة تقوم بواجبها”.
الواجب مصطلح أخلاقي واسع. فما دام الحزب يقوم بواجبه (وهو لا يعني في هذا السياق غير القتال)، فماذا يعني قيام الحكومة بواجبها؟
إنّ الأحرى القول: لأنّ الحزب يقوم بالواجب، فلا داعي لقيام الحكومة بعمل أيّ شيء، لأنّها ما أثارت الحرب كما أنّها لا تستطيع التأثير في إخمادها! الآن انزعجتم من الاعتداء على المدنيين مع أنّه يحدث منذ شهورٍ وشهور، لقد كان الأفضل لو استمرّ صمتكم لأنّه أبلغ من الكلام. وأنتم لم ولن تحضروا حتى ولو أصدرتم هذا البيان العاجز. وعلى كلّ حال: الضرب في الميت حرام!
ماذا عن مسيّرة كاريش؟
تعالوا ننظر في المشهد وتطوّراته خلال الساعات المقبلة. فقد عاد الإسرائيليون للتهديد بالحرب الشاملة، بينما ينفي الحزب القيام بالهجوم على الملعب في بلدة مجدل شمس. إنّما هذا التطوّر سبقه تطوّر آخر غير معتاد أيضاً: إرسال مسيّرة باتجاه حقل كاريش للغاز في البحر المتوسط. وكلا الأمرين يخرج عن “قواعد الاشتباك” التي كان زعيم الحزب يتعهّد التزامها إن التزمها الطرف الآخر. لا بدّ أنّ هناك أحداثاً وقعت بين الطرفين ونحن لا نعرفها بحيث يسوِّغ الحزب الإغارة على كاريش وينفي عن نفسه القيام بحدث مجدل شمس!
كلّ الوقت يقول مسؤولون إسرائيليون، ومنهم أُناسٌ في الأجهزة الأمنيّة، إنّ نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب. ويوردون لذلك سببين:
– أنّه يخشى التعرّض لمتاعب قضائية.
– وأنّ اليمين المتطرّف المسيطر في حكومته يريد استمرار الحرب.
إنّها المرّة الأولى التي لا يبدو فيها نصف شعب إسرائيل مهتمّاً بمصائر أسراهم أو باستردادهم أحياء. ويبدو أنّها الواقعة المتفرّدة التي أخطأت حماس في توقّعها، لأنّها قاست ذلك على الحروب السابقة التي كان فيها اليهود يُظهرون اهتماماً منقطع النظير بأرواح وأجساد الأسرى ورجالات الجيش والأمن. فحتى الاجتياح البرّي لغزّة بدا مستبعداً، وأحد أسباب الاستبعاد الأسرى المئتان وأكثر.
أيّاً تكن أسباب نتنياهو لشنّ الحرب الفتّاكة، فإنّ واقعتَي كاريش ومجدل شمس تشكّلان فرصةً سانحة له لوقف التفاوض (سائر الوسطاء المفروض أنّهم يلتقون أو التقوا بروما لإتمام الصفقة)، ولقتل المزيد من الناس، وللهجوم العسكري الصاعق على الحزب وعلى غزة ولبنان.
ماذا سيكون موقف الأميركيّين؟
هناك من الإعلاميين الإسرائيليين من يقول: بل إنّ نتنياهو حصل على الضوء الأخضر من إدارة بايدن لتوجيه ضربة قويّة للحزب قبل وقف إطلاق النار وقبل واقعة مجدل شمس.
أكتب صبيحة الأحد. وقد تجاوز اليهود محرّمات السبت، والوسطاء يذهبون إلى روما ويغادرون، ومجلس الأمن يناقش التجديد للقوات الدولية التي ما استطاعت منع أيّ حرب، وحكومة ميقاتي منزعجة لأوّل مرّة لقتل المدنيين: فهل يكون حادث قتل الفتيان بمجدل شمس بدايةً لحربٍ جديدة تسبّب بها للمرة الثانية الطرف غير الإسرائيلي، في نظر الاستخبارات الإسرائيلية على الأقلّ؟!
رضوان السيد- اساس