الحرب المقبلة مسألة توقيت لا أكثر: شمس المجدل طالعة والناس قاشعة!
يبرز الهجوم الأخير في مجدل شمس في هضبة الجولان، الذي أسفر عن مقتل 11 طفلاً ومراهقاً، الطبيعة الهشّة لقواعد الاشتباك بين إسرائيل والحزب، السائدة منذ 8 تشرين الأول 2023. ويؤكّد الهجوم أيضاً أنّ اشتعال حرب واسعة في الشرق الأوسط انطلاقاً من انفجار أشمل للجبهة اللبنانية الإسرائيلية، ليس أبعد من خطأ واحد كالخطأ الذي تنسبه إسرائيل إلى الحزب وينفيه الحزب نفياً قاطعاً.
تؤكّد معلومات منسوبة للمخابرات الأميركية مسؤولية الحزب عن الهجوم، وإن كانت تتحفّظ على النيّة الفعليّة للحزب من خلف الضربة وما إذا كان الاستهداف مقصوداً أم لا.
وتيرة تصاعد الاشتباكات المستمرّة بين إسرائيل والحزب منذ إعلان لبنان جبهة مساندة لفلسطين في إثر هجوم حماس في 7 تشرين الأول، تضغط بشدّة على قواعد التوازن الدقيق الذي يحاول كلا الجانبين الحفاظ عليه. ويدرك المعنيون بتفاصيل هذه الجبهة أنّ من الصعب لأيّ حرب بين لبنان وإسرائيل أن تظلّ في نطاق “حرب محدودة”، وأن لا تستدرج إيران نفسها إلى بؤرة الصراع.
قرار استراتيجيّ عند الطّرفين
يوضح تعمّد الحزب خفض انتشار قوّاته البرّية وامتناعه عن استخدام الصواريخ البعيدة المدى التي يملكها، وتجنّب إسرائيل في المقابل ضرب بيروت أو الضاحية الجنوبية أو استهداف قادة الصفّ الأوّل، وجود قرار استراتيجي عند الطرفين للحفاظ على الصراع عند مستوى يمكن التحكّم فيه. ومن غير المرجّح حتى الآن أن يكسر الهجوم على ملعب كرة القدم في مجدل شمس هذا القرار وإن كنّا أقرب من أيّ وقت مضى إلى عتبة صراع أوسع، عبّرت عنه حدّة التصريحات الصادرة عن كلّ من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
صمام الأمان الأميركيّ لا يعمل
لئن كانت الولايات المتحدة قد لعبت دوراً محورياً في محاولة تهدئة الوضع منذ 8 تشرين الأول، إمّا عبر الوساطات الدبلوماسية أو عبر العراضات العسكرية البحرية وغير البحرية وإمّا عبر التشدّد السياسي والدبلوماسي مع طرفي النزاع، فإنّ غرق واشنطن في المخاض الانتخابي الرئاسي بكلّ تحوّلاته الدرامية يفيد بأنّ صمام الأمان الأميركي لا يعمل بطاقته القصوى، وهو ما يفتح المجال أمام أخطاء في الحسابات أو اندفاعات غير محسوبة في شهوات الحسم.
وعليه تعدّ الأيّام المئة المقبلة، حتى موعد الانتخابات الأميركية، بالغة الخطورة، وحبلى باحتمالات الخطأ في الحسابات من الطرفين، بكلّ ما يعنيه ذلك من عواقب كبيرة قد تؤدّي إلى صراع أكبر.
قد يحفّز “تحرّر” بنيامين نتنياهو من ضوابط البيت الأبيض الضعيف والمشغول بالانتخابات، رئيس الحكومة على تصعيد دائرة الحرب بحثاً عن تسوية أكبر وأشمل تضمن أمن إسرائيل وفق قواعد وشروط جديدة. فإيران تسارع خطواتها النووية، وميليشياتها تزيد جرعات التجرّؤ على إسرائيل كما يشير استهداف الحوثي لتل أبيب بمسيّرة مفخّخة، والحزب يحتفظ لنفسه بأوراق قوة عسكرية مقلقة لها. قد يندفع نتنياهو باتّجاه فرض الحرب على الجميع، متجاوزاً التنسيق الدولي المعقّد الذي يفترض أن يستبق قراراً بهذا الحجم، ويلزم الشركاء الدوليين بإسقاط تردّدهم وتوحيد جهودهم لضمان استقرار أوسع وأكثر استدامة في الشرق الأوسط.
نظرة إيران إلى التّوتّر
على الجانب الآخر ترى إيران أنّ أيّ تصعيد في مواجهة إسرائيل سينطوي حتماً على زيادة الخسائر المدنية ورفع حدّة التناقض بين نتنياهو والجمهور العامّ، كما سيثقل كاهل الجيش الإسرائيلي المنهك أصلاً. وعليه قد ترى إيران أنّ الوقت ملائم لتسديد المزيد من اللكمات إلى إسرائيل ومن موقع الاقتدار وحسن استثمار المواقيت.
قد لا تكون حادثة مجدل شمس هي اللحظة التي ستنقل المنطقة من قواعد الاشتباك الراهنة إلى مرحلة الحرب المفتوحة، بيد أنّ ما شهدته هضبة الجولان هو مثال صارخ على مدى قربنا من صراع أوسع، قد يطيح بكلّ القرارات الاستراتيجية التي تتّخذها جميع الأطراف المعنيّة بالتوازن الدقيق الذي يجب الحفاظ عليه.
إذا ثبت أنّ الحزب يقف وراء حادثة مجدل شمس، فإنّ هذا الحادث سيسلّط الضوء أكثر في إسرائيل على أنّ الحزب يمثّل مشكلة قائمة بحدّ ذاتها تفرض ضرورة معالجتها بشكل مستقلّ عن استمرار أو توقّف الحرب في غزة أو عن أيّ ترتيبات متعلّقة بالوضع في فلسطين.
يترافق ذلك مع سردية آخذة في التوسّع ترتكز على أنّ امتلاك الحزب ترسانة كبيرة ومتنوّعة من الصواريخ الهجومية والدفاعية والأسلحة المتطوّرة على صعيد المسيّرات والدفاع الجوّي، يجعله تهديداً مباشراً للأمن الإسرائيلي. كما أنّ تفوّق قدرات الحزب العسكرية على تلك التي تمتلكها الفصائل الفلسطينية في غزة، تلزم إسرائيل بأن تعالج هذا التهديد بطرق تتجاوز الأطر التقليدية وعلى نحو مستقلّ عن ترتيبات الجبهات الأخرى.
في ظلّ تسارع وتيرة تطوير البرنامج النووي الإيراني واحتمال أن تضطرّ إسرائيل إلى التعامل معه، من المرجّح أن تستبق ذلك بخطوات تضعف الحزب أو تحيّده تماماً. وممّا يساعد على ذلك أنّه بات من شبه المحسوم في كلّ المقاربات الدولية أنّ الحزب هو ذراع إيران الأقوى في المنطقة، وجزء لا يتجزّأ من استراتيجيتها الإقليمية، بما يجعله شريكاً في لعبة تتجاوز الحدود اللبنانية والفلسطينية.
منذ اللحظات الأولى للحادثة بدا واضحاً أنّ إسرائيل تستثمر ما جرى للتأكيد على أنّ تهديد الحزب لها ليس أمراً عابراً يرتبط بظروف موضوعية محدّدة، بل هو تهديد دائم يتطلّب استراتيجيات دفاعية وهجومية فوريّة، قبل البحث في المتوسّط أو البعيد المدى، وهو ما يقرّبنا خطوات أكثر من الحرب المقبلة التي أكرّر أنّها مسألة توقيت لا أكثر.
نديم قطيش- اساس