علاقة دروز الـ 48 بالدولة الإسرائيلية… نقاش قديم لا ينفك يتجدد

تداولت أوساط صحافية مضمون رسائل كان قد أرسلها النائب اللبناني السابق، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إلى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف، على خلفية استقبال الأخير لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. تلك الزيارة استحوذت على اهتمام أبناء تلك الطائفة، كما الأوساط السياسية، لما لها من تفاعلات في وقت حرج تمر به المنطقة على خلفية اندلاع حرب غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وكان جنبلاط قد عبّر عن انزعاجه في رسالته الأولى لطريف من استقبال نتنياهو، معلناً أن الخطوة “تضر بالموحدين (الاسم الرسمي للدروز) جميعهم في فلسطين كما في لبنان وسائر الدول”، وأن “الشجاعة التي هي أيضاً من شيم أبناء الطائفة، والتي نعهدها بكم، كانت تقتضي عدم استقبال نتنياهو في ظل كل ارتكاباته، واتخاذ الموقف الصريح ضد ما يقوم به”.

شيخ العقل يرد

تلك الرسالة التي تداولتها بداية وسائل التواصل، هي الأولى من نوعها من حيث علانيتها، حيث أنه من المعروف تكتم القيمين على الطائفة الدرزية على أمورهم الخاصة، ولربما أنها المرة الأولى التي تخرج تبايناتهم إلى العلن، ورد عليها الشيخ طريف وقال “اطلعنا على رسالتكم التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكم كنا نتمنى أن يبقى التواصل بيننا بشكلٍ شخصي مثلما كان حتى اليوم”، مبدياً حرصه “على نقاء الطائفة وهويتها التوحيدية وتاريخها ومستقبلها، وفي الوقت نفسه احترام الدولة وقوانينها وحقوق مواطنيها وحق المواطنة فيها، حالنا حال سائر المواطنين العرب في إسرائيل، راجين أن يبقى دروز لبنان على العهد الثابت في الحفاظ على دولتهم ووطنهم، تماماً كما نرجو من دروز سوريا ومن الدروز في كل مكان، مهما صعبت الظروف. وبعد أن تتيسر الحال أمامكم بحل المشاكل الداخلية في لبنان باعتبارك أحد الزعماء والقادة البارزين، سنتحدث حول طرق مساعدتنا للإخوة الفلسطينيين من أجل نيل حقوقهم وبناء دولتهم وإحلال السلام العادل في المنطقة بأسرها”. وتابع الشيخ طريف “نحن في هذه البلاد نعيش بحرية واحترام، ولا نخاف ولا نهاب أي إنسان كان، ولا نتردد في اتخاذ أي موقف لمصلحة الطائفة. مواقفنا ومبادئنا الشريفة والواضحة معروفة للقريب والبعيد، ولن نرضى أن يزايد عليها أحد”.

وختم “في أعرافنا وكما تعودنا فإننا نستقبل ونحترم من يزورنا من أجل مصلحة الطائفة وحقوقها بغض النظر عن شخصه، فلا نبدل في عاداتنا التي هي أمانة يجب أن نحافظ عليها دائماً”.

الرد على الرد

ذلك الجواب استدعى رداً جديداً من جنبلاط اعتبر فيه أن “ما يجري في فلسطين المحتلة من عدوان تنفذه حكومة بنيامين نتنياهو إنما هو عدوان ضد الإنسانية جمعاء… ولذا وجب أن يكون الموقف واضحاً ضد هذا العدوان الذي يطالنا جميعاً”. وكان جنبلاط قد أشار في منشور له عبر منصة “إكس” حول مراسم دفن أحد الضباط الدروز في قرية بين جن في شمال إسرائيل في يونيو (حزيران) الماضي، قائلاً “أشعر بالخجل الشديد من هذه الصورة لدرجة أن الدروز من فلسطين يرفعون صور السلطان الأطرش وكمال جنبلاط خلف العلم الإسرائيلي الذي يغطي نعش جندي من جيش الدفاع الإسرائيلي”.

نتنياهو والشيخ

لكنها ليست المرة الأولى التي يسلَّط فيها الضوء على العلاقة التي تجمع موفق طريف بنتنياهو، ففي شهر مارس (آذار) 2020، فتحت صورة جمعتهما، النار على دور طائفة الموحدين الدروز في الأراضي الفلسطينية. ما أثار موجة انتقادات وردود من قبل متابعين ما بين مشكك ومصدق، ومدافع عن موقف طريف، بالتالي عن طائفة الموحدين الدروز. وبحسب الإعلام الإسرائيلي حينها، زار نتنياهو بيت شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في إسرائيل في قرية “جولس” في منطقة الجليل، يرافقه المرشح العربي (مرشح الأقليات في حزب الليكود حالياً) عضو الكنيست سابقاً، فَطين مُلّا.
ذلك النقاش القديم المتجدد يفتح الباب على العديد من الاستفسارات والتساؤلات التي لطالما دارت في الأوساط الدرزية، حول واقع الدروز في إسرائيل وبخاصة في ظل الحرب المندلعة في غزة، ذلك أن الوجود الدرزي هناك موضوع جدلي، يُفتح بين الحين والآخر وتبعاً للتطورات السياسية في الإقليم.

ما هو واقع الدروز في إسرائيل؟

يعيش اليوم في إسرائيل قرابة 143 ألف نسمة من الدروز، يشكلون نسبة 1.6 في المئة من سكان إسرائيل.

ويعتبر الدروز في إسرائيل أقلية دينية وعرقية مهمة، وشغل عدد منهم عضوية الكنيست، وتقلدوا مواقع حكومية ووزارية ودبلوماسية في الحكومات. ويعيش معظمهم في شمال البلاد، بخاصة في منطقة الجليل وجبال الكرمل، وهناك العديد من القرى والبلدات الدرزية المعروفة، مثل بيت جن، ودالية الكرمل، وعسفيا، ويركا، وجولس، والرامة، وحرفيش، والمغار، والبقيعة، وشفاعمر، ومجدل شمس، وغيرها. وعلى عكس معظم العرب في إسرائيل، يُجنَّد الدروز في الجيش، وتعتبر الخدمة العسكرية واجباً عليهم، مثلهم مثل اليهود، ويشغل العديد منهم مناصب عسكرية رفيعة، منهم على سبيل المثال، الجنرال الدرزي، غسان عليان، منسق شؤون الأراضي الفلسطينية في وزارة الأمن الإسرائيلية. وكان سبقه إلى هذا المنصب الجنرال الدرزي أيضاً، كميل أبو ركن، والعقيد أيوب كيوف الذي شغل في السابق منصب قائد وحدتي “شيلداغ” و”سييرت غولاني”، ويشغل اليوم منصب قائد لواء “منشيه” (لواء جنين).

ولكن ومع ذلك يحتفظ الدروز بخصوصيتهم الدينية والثقافية، حيث أن لديهم معتقداتهم الدينية الخاصة التي لا يشاركونها علناً، وتعتبر هوية الدروز متفردة ومتميزة. أضف إلى ذلك أنهم يشاركون بنشاط في الحياة السياسية والمدنية في إسرائيل، وهناك عدد من النواب الدروز الذين وصلوا إلى الكنيست الإسرائيلي، كذلك يشغلون مناصب في السلطات المحلية. وتاريخياً، كانت هناك علاقات مميزة بينهم وبين الدول العربية المجاورة التي تضم مجتمعات درزية، مثل لبنان وسوريا، حيث تربطهم أواصر قرابة ومصاهرة وروابط دم، ولا يمكن لهم إلا تقديم ولائهم لها. من هنا ما زالت العائلات الدرزية في القرى والبلدات اللبنانية والسورية والأردنية، تتواصل مع دروز الداخل الإسرائيلي.

التجنيد الإجباري

ترجح التقديرات الإسرائيلية أنه ومنذ قيام إسرائيل عام 1948 تطوع الدروز للخدمة في الجيش، ضمن كتيبة ضمت الدروز والبدو والشركس، تحقيقاً لما سُمي حينها بـ”حلف الدم”، الذي شرعنه ديفيد بن غوريون، أول رئيس حكومة إسرائيلية. وفي عام 1974 اتُخذ قرار بدمج وحدات الأقليات الدينية والعرقية في الجيش، وأنشأت هيئة الأركان كتيبة درزية أسموها “حيرف” (السيف) وهي قوة برية في عداد القوات النظامية. ويشغل الدروز مجموعة متنوعة من الأدوار والمناصب، في الوحدات القتالية مثل المشاة، والمدرعات، والمدفعية، ووحدات النخبة، ووحدات حرس الحدود التي تتعامل مع المهمات الأمنية على الحدود الإسرائيلية، بما في ذلك الحدود مع لبنان وسوريا، كذلك يترقون إلى مناصب قيادية في الجيش، بما في ذلك مناصب ضباط وقادة وحدات، ويخدمون في وحدات الاستخبارات العسكرية، حيث يلعبون دوراً مهماً في جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، ويعتبرون من بين الجنود الأكثر تميزاً في هذه الوحدات. إضافة إلى الوحدات القتالية، يخدم الدروز في وحدات الدعم اللوجيستي والإداري، ويقدمون الدعم العملياتي للقوات في الميدان. ومن بين الألوية المهمة التي يخدمون فيها، “لواء غولاني” ويضم النخبة في الجيش الإسرائيلي، ويُعتبر من بين الوحدات العسكرية الأكثر شهرة في إسرائيل.

“اندبندنت عربية” حاورت شخصيات درزية من “عرب 48” للاطلاع أكثر على مآلات الطائفة وما يحدث حقيقة على الأرض، وعن دور الدروز في إسرائيل وهل يعتبرون أنفسهم عرباً أو إسرائيليين؟ والصلاحيات المعطاة لهم، وهل يقبل كل الدروز التجنيد في الجيش؟ وما هي سلبيات وإيجابيات الجنسية الإسرائيلية؟ وكيف تحافظ الأقلية الدرزية على هويتها الثقافية في البيئة اليهودية؟

بين السياسيات الخارجية والداخلية

يقول زيدان عطشة، وهو دبلوماسي سابق، شغل منصب قنصل إسرائيل في الولايات المتحدة (1972- 1976)، وعضو الكنيست في دورة 1977 و1981 ودورة 1984- 1988، ويتحدر من بلدة عسفيا في جبل الكرمل قرب مدينة حيفا، إن “الدروز لا يستطيعون التأثير في سياسات إسرائيل الخارجية، ولكن لهم في الداخل تأثيراً نوعياً، حيث يتفاعلون مع الدولة، بما أنهم يتجندون في الخدمة الإجبارية مثلهم مثل اليهود، أي لثلاث سنوات. كما أنهم موجودون في كل الأجهزة الأمنية، علماً أن بقية الطوائف من مسلمين ومسيحيين وبدو، يلتحقون بالجيش ولكن طوعاً، وهذا يعني أنهم يتقاضون رواتب”.

ويعلق الشيخ عطشة على الاختلاط مع المجتمع الإسرائيلي، قائلاً إن “الزيجات التي تحصل بين أبناء الدروز واليهود، إلى الآن، غير مقبولة، ومن يقوم بذلك يُنبَذ من المجتمع الدرزي”.

وعن زيارة نتنياهو لدارة شيخ عقل الطائفة، اعتبر أن “نتنياهو يظن أنه يستطيع أن يصل إلى الجنة عن طريق زيارات مجاملة، هي أقرب إلى الخبث ولا تعني إلا المضيف”.

من جهته، قال الرئيس السابق للاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين، سامي مهنا، المقيم في البقيعة بالجليل، إنه “لا يمكن تصنيف العرب الدروز ولا حتى بقية فئات المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، كفئة واحدة على الصعيد الأيديولوجي السياسي”. وأضاف أن “الدروز في الكيان الإسرائيلي، بشكل خاص، هم أكثر الفئات من بين الأقلية العربية الفلسطينية الصامدة في أرضها، والتي تعرضت إلى مؤامرات استهدفت هويتهم الثقافية والوطنية والقومية، وذلك منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، ابتداءً بفصلهم في الدوائر الحكومية والسلطات المحلية، والمنهاج التعليمي وغيرها، وبلغت هذه المؤامرة أوجها في فرض قانون التجنيد الإلزامي في جيش الاحتلال الإسرائيلي في عام 1956، والتي استهدفت ولا تزال سلخهم عن مجتمعهم الفلسطيني وبالتالي عن محيطهم العربي العام”.

فرصة للعيش الكريم

وكان طريف، وخلال تشييع الضابط الدرزي جلاء إبراهيم الذي قُتل في معارك رفح، قد أكد أن “ولاء الدروز لإسرائيل مطلق”، واصفاً إبراهيم بـ “البطل وسليل عائلة عريقة صلتها بإسرائيل وثيقة”. من هنا تعتبر فئة من الدروز أن الدولة الإسرائيلية تؤمن لهم العيش الكريم لأسباب عدة، منها الخدمات الاجتماعية والاقتصادية، والرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، مما يسهم في تحسين مستوى معيشتهم. كما أعطتهم فرصة الاندماج والتمثيل السياسي، وبفرص المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، مما يعزز شعورهم بالانتماء والمشاركة في صناعة القرار. كما تعتبر تلك الفئة أن الدولة توفر لهم الأمن والاستقرار، وهو ما يتيح لهم فرصة بناء حياة مستقرة وآمنة مقارنةً ببعض المناطق الأخرى في الشرق الأوسط التي تعاني من اضطرابات ونزاعات. وتشهد قرى ومدن درزية عدة في إسرائيل تنمية اقتصادية وتطوراً في البنية التحتية، مما يوفر فرص عمل ويحسن من الأوضاع الاقتصادية للمجتمع الدرزي. يضاف ذلك إلى التمتع بالحقوق المدنية المتساوية تحت القانون الإسرائيلي، مما يضمن لهم حرية ممارسة حقوقهم وحرياتهم ضمن إطار القانون.

اندبندنت

مقالات ذات صلة