خلط أوراق منتظر في الشرق الأوسط: مأزق لبنان.. كما بايدن… كما ترامب!
الشرق الأوسط على ساعة دونالد ترامب
كثيرون بدأوا يضبطون ساعاتهم في الشرق الأوسط على ساعة دونالد ترامب، ويتعاطون مع الأشهر الباقية من ولاية جو بايدن باعتبارها «مرحلة انتقالية» أو مرحلة «تقطيع وقت». فهل يحق للبنانيين انتظار ضوء جديد بانتقال البيت الأبيض من عهد إلى آخر؟
بالتأكيد، هناك خلط أوراق منتظر في الشرق الأوسط، إذا وصل ترامب إلى منصب الرئاسة مجدداً، وفق ما باتت تتوقّع الغالبية الساحقة من الخبراء. فمعروف نهج ترامب في التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط. وبديهي أن تتأثر هذه المنطقة بالمقايضات التي ستجرى بين الولايات المتحدة والقوى الدولية والإقليمية في مناطق أخرى. والأبرز، تلك المتوقعة بين ترامب وفلاديمير بوتين حول أوكرانيا وسائر أوروبا. وكذلك، تلك المتوقعة بين واشنطن وبكين حول تايوان وملفات أخرى في آسيا وأفريقيا.
نهج ترامب في الشرق الأوسط يمكن اختصاره بالآتي:
1 – تأمين مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية، خصوصاً في الخليج العربي، وتحجيم إيران ومنع تغلغلها إقليمياً.
2 – ضمان أمن إسرائيل وخلق حال تطبيعية شاملة بينها وبين الخليجيين، ما يشكل دعامة قوية لمصالح الولايات المتحدة على كامل الشرق الأوسط.
في ولايته الرئاسية الأولى، سعى ترامب إلى السير خطوات في هذين الاتجاهين. وقد تحقق منها الجزء المتعلق بالتطبيع، من خلال الاتفاقات الإبراهيمية، وبعض ما تضمنته «صفقة القرن» في التعاطي مع الملف الفلسطيني. وكانت المواجهة الأميركية مُلتهبة مع إيران وحلفائها في الإقليم. لكن المثير هو أنّ خَلفه بايدن لم يفعل شيئاً مختلفاً خلال سنوات حكمه الأربع. فلا هو عاد إلى اتفاق العام 2015 النووي مع طهران، ولا أوقف العقوبات ضد حلفائها في لبنان وسواه، ولا عاد عن قرار اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل. وفي الحرب على غزة، تلقت إسرائيل دعماً سياسياً وعسكرياً أميركياً مفتوحاً.
في 4 سنوات من ولايته السابقة، لم يكن أمام ترامب متسع من الوقت ليستكمل خطواته المخطط لها. لكن بايدن، من جهته، في سنوات حكمه الأربع، لم يجد متسعاً من الوقت ليفعل شيئاً في الشرق الأوسط، لا ليستكمل مسار ترامب ولا ليبدأ مساراً مختلفاً.
هذا يؤشر، في أي حال، إلى أن القرار الفعلي في الولايات المتحدة لا يعود أساساً إلى الرئيس، بل تصنعه مراكز القوة والتخطيط في الدولة الأميركية. وما يؤثر فيه رئيس الولايات المتحدة يبقى في الغالب جزئياً وظاهرياً ولا يمسّ العمق الاستراتيجي للسياسة الأميركية، في ما يعني أمن الولايات المتحدة ومصالحها الحيوية في الداخل وعبر العالم.
هذا يقود استطراداً إلى التفكير في ما يمكن أن يتحقق في لبنان خلال عهد ترامب. هل يمكن أن يشهد الملف اللبناني انعطافة جديدة بالانتقال من بايدن إلى ترامب؟ وهل يكون الانتقال – إذا حصل – إيجابياً أم سلبياً، أي نحو خروج لبنان من أزمته وقيام دولة قوية فاعلة وحال من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي أم يتجه إلى حالات جديدة من التوتر والتفجير؟
البعض يذكّر بأن مقاربة ترامب للعلاقة مع إيران و»حزب الله» في لبنان كانت صدامية وملتهبة. فهي تميزت بممارسة واشنطن لأقصى درجات التضييق على «الحزب»، وكذلك على الدولة اللبنانية واللبنانيين عموماً، في محاولة لدفع الجميع إلى الانتفاض على «الحزب» وإضعاف سلطته. لكن هذه المحاولات لم تؤتِ ثمارها.
وبعد ذلك، في عهد بايدن، جاءت الانتخابات النيابية في لبنان لتؤشّر إلى تبدّل معين في التمثيل داخل المجلس، لمصلحة قوى المعارضة وقوى أخرى ليست حليفة لـ»الحزب». لكن توجهات المجلس لم تتبدل، على رغم التبدل في المقاعد. ولم يتراجع الأميركيون عن سياسة العقوبات المفروضة على «حزب الله». ولكن إدارة بايدن رَعت اتفاق ترسيم للحدود البحرية، تمّ واقعياً بين إسرائيل و»حزب الله» في العام 2022، وكانت تستعد لرعاية اتفاق على ترسيم الحدود البرية، وتميزت هذه المرحلة بعلاقات ثقة بين «الحزب» والوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين. وعندما اندلعت بين الطرفين «حرب المساندة» في البقعة الحدودية، أرسلت هوكشتاين في وساطة لتطويق النيران، وضمنت عدم قيام إسرائيل بعمليات عسكرية في لبنان تتجاوز الرد الموضعي المحصور ببقعة الحدود. وهذا الضمان يرتكز إليه «حزب الله» لمواصلة قتاله في الجنوب، من دون الخشية من عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في لبنان.
يقول العديد من الخبراء إن المرحلة الفاصلة عن عودة ترامب قد تشهد تشجيعاً من جانب إيران لإبرام اتفاقات مع إسرائيل، يرعاها بايدن قبل رحيله. لكن بنيامين نتنياهو سيفعل العكس، وسيعطل أي اتفاق حتى عودة ترامب. ولكن، في النهاية، الخطوط العريضة لسياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان ستبقى نفسها، ولن يغير تبدّل الرؤساء فيها إلا أسلوب التعاطي بين مَرن ومتشدد. لكن الوقائع تبقى هي نفسها. فالقليل من الأمور تبدّل في لبنان، على رغم الانتقال من ترامب إلى بايدن. وكذلك، على الأرجح، لن يتبدل إلا القليل بالانتقال مجدداً من بايدن إلى ترامب.
طوني عيسى- الشرق الاوسط