المواجهة الاسرائيلية – الحوثيّة: أين الطائرات الحربية الاسرائيلية والاقمار الاصطناعية والقبّة الحديدية؟
من الواضح أن ما حصل منذ أيام بين الحوثيين واسرائيل تخطى الخطوط الحمر، ودفع المنطقة إلى منسوب عالٍ من التوتّر، ولا بد من الاعتراف بأن توجيه الحوثيين مسيّرة محمّلة بالمتفجّرات نحو تل أبيب، وقد انفجرت بالفعل في أحد المباني هناك، كانت خطوة جريئة، إلا أنه كان من الطبيعي ألا تمر بسلام لدى القيادة الاسرائيلية التي ردّت بضربة نوعيّة استهدفت فيها المنشآت النفطيّة في ميناء الحديدة الاستراتيجي في اليمن.
لا شك في أن اسرائيل كانت تنتظر مبرراً لتوجيه ضربة إلى الحوثيين الذين تمادوا منذ 7 تشرين الأول الفائت في إرسال صواريخ ومسيّرات إلى إيلات وغيرها، إسناداً للفسطينيين في قطاع غزة، علماً أن “الإسناد” هو كلمة السرّ الايرانية التي زوّدت بها كل ميليشياتها في المنطقة مثل “حزب الله” والحشد الشعبي العراقي والحوثيين والحرس الثوري الايراني. لكن بموضوعية، كان الحوثيون الأكثر ازعاجاً لاسرائيل والمجتمع الدولي نظراً إلى موقعهم الاستراتيجي المطلّ على البحر الأحمر وباب المندب وقدرتهم على تعطيل حركة السفن والتجارة العالمية.
كل ذلك يحصل، والمفاوضات الايرانية-الأميركية مستمرة، لذلك يعتبر المناهضون لمحور الممانعة أن النشاط العسكري لهذه الميليشيات لا علاقة له بالصراع بين “حماس” واسرائيل في غزة، إنما يرتبط بالمفاوضات، بحيث يشكّل النشاط العسكري ورقة ضغط إيرانية على الادارة الأميركية والمجتمع الدولي.
وعلى الرغم من التأثيرات السلبية لأعمال الحوثيين العسكرية على اسرائيل، حاولت إدارة الرئيس جو بايدن منع تل أبيب من ضرب الحوثيين مباشرة، لكن ما حصل في الأسبوع الفائت، تجاوز كل الخطوط الحمر، فلم تستطع الادارة الأميركية منع حكومة بنيامين نتنياهو من معاقبة الحوثيين بضربة نوعيّة كانت لها تداعياتها، موجّهة رسالة إلى إيران وكل ميليشياتها، أنها لن تتهاون مع أي محاولات أخرى سواء من “حزب الله” أو الحوثيين.
ولفت الباحث في شؤون الارهاب بيار جبور إلى أن صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الاسرائيلية نشرت مقابلة مع أحد الجنرالات الاسرائيليين يعتبر فيها الضربة الحوثية لتل أبيب 7 تشرين الأول جوياً، بمعنى أنها كشفت ضعفاً في الدفاع الجوي الاسرائيلي، متسائلاً أين الطائرات الحربية الاسرائيلية والاقمار الاصطناعية والقبّة الحديدية، وكيف لمسيّرة “صماد 3” مطوّرة أن تتخطى 2000 كيلومتر من دون أن يتم اسقاطها؟
واللافت أن الردّ الاسرائيلي كان متوقعاً بهذا الحجم، وفق جبور، “إلا أنه لم يكن متوقعاً على ميناء الحديدة بل على صعدة التي تتضمن مقر قيادة الحوثيين”، مشيراً إلى أن “اسرائيل قد تكون اختارت الحديدة لأنه المعبر والمرفأ الاقتصادي للحوثيين، يصدّرون منه النفط، ويتلقّون الأسلحة والذخائر من ايران عبره، لذلك يُمكن اعتبار الضربة نوعيّة، إذ شلّت قدراتهم، وهذا يتزامن مع زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة في 24 تموز الجاري ليلقي خطاباً في الكونغرس، وبالتالي هو يحتاج إلى حدث وإنجاز مهم يتحدّث عنه”.
للوهلة الأولى، يظنّ المراقبون أن واشنطن لن تسمح لاسرائيل بالذهاب بعيداً في مواجهة الحوثيين، لكن جبور أكّد أن “الأميركيين كانوا بحاجة إلى هذه الضربة، وقد استبقوا والبريطانيين ذلك بقصف أنحاء مختلفة من اليمن، وهم لا يُمانعون بضربات اسرائيلية من هذا النوع تحدّ من قدرات الحوثيين على استهداف السفن التجارية، حتى ولو كانت الولايات المتحدة منشغلة بالانتخابات الرئاسية، علماً أن ما يفعله الحوثيون في البحر الأحمر مبالغ به من الناحية الاعلامية، ويستخدمون البروباغندا أكثر من الأفعال المؤثّرة”.
مع ذلك، من المتوقّع أن تزداد الضربات الحوثيّة التي تستهدف اسرائيل وخصوصاً إذا اشتدت المواجهات مع “حزب الله”، وبذلك يطبّقون ما يُسمّى بـ”وحدة الساحات”.
لا يبدو أن الأمور ستنزلق إلى حرب شاملة، ورأى جبور أن “كل الأمور واردة في هذا المجال، إلا أن الضربات الموضعيّة القوية هي التي ستستمر فيها اسرائيل، أما الحرب الشاملة فتعني ضرب إيران، وأنا أعتقد أنها مؤجّلة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، لأنها تحتاج إلى تجهيز كبير وتحالفات واسعة، علماً أن الأميركيين أصبحوا مقتنعين على الرغم من المفاوضات الجارية بأن لا حلّ مع إيران إلا ضربها في العمق، وبايدن راهن كثيراً على إبعاد هذا الكابوس، لكن اليوم مع انتهاء عهده، أظن أن الرئيس المقبل سيكون دونالد ترامب وهو لن يتساهل بتاتاً مع إيران وحزب الله”.
أما نتنياهو فيسعى إلى هدف واحد هو الخروج منتصراً من الحرب، وأوضح جبور أن “المهم لديه أن يقف في الكنيست بعد أشهر ويقول انتصرنا بصرف النظر عن قوانين حقوق الإنسان والإبادة الجماعية للفلسطينيين، لذلك لن يتأخر مع كل تصعيد لمحور الممانعة من مضاعفة الرد والعنف والدمار والدماء، وهنا لا بد من أن ينتبه الحزب إلى هذه الناحية لأنه يعطي نتنياهو أسباباً لتدمير لبنان وهو يملك قدرات هائلة بالمقارنة مع قدرات الحزب المتواضعة، وبالتالي يجب الإسراع في تنفيذ القرارات الدولية حتى نجنّب لبنان حرباً مدمّرة”.
هل تستطيع اسرائيل عسكرياً وحدها مواجهة كل فصائل محور الممانعة؟ أجاب جبور: “اسرائيل ليست وحدها، وواهم من يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية ستتركها وحدها بل ان بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعمها، والضربات للحوثيين في اليمن تشهد تنسيقاً أميركياً-اسرائيلياً، إضافة إلى أن السفن العسكرية الأميركية والبريطانية تولت الدفاع عن اسرائيل عندما قصفتها إيران”.
أضاف: “ان ضعف جهوزية دفاع الجوّ الاسرائيلية، ستدفع الولايات المتحدة ودول الناتو الى مضاعفة جهودها لحماية تل أبيب، والتوقعات تشير إلى أن كل ضربة نوعيّة تصيب اسرائيل من محور الممانعة سيُردّ عليها بضربات مؤلمة رأينا نموذجاً منها في ميناء الحديدة في اليمن”.
جورج حايك- لبنان الكبير