أين وكيف سيكون الرد الاسرائيلي: هل يشكل هجوم تل أبيب ذريعة لنتنياهو للحرب الشاملة؟

الهجوم الذي أصاب قلب إسرائيل يعد إختراقاً للخط الأحمر

“إن الهجوم الذي أصاب قلب إسرائيل يعد إختراقاً للخط الأحمر، ومن يعمل على احتواء القصف على كريات شمونة وسديروت يتلقاه في تل أبيب”.. هكذا علق وزير الأمن القومي الاسرائيلي ايتمار بن غفير على الطائرة المسيرة التي أطلقت من اليمن وانفجرت في تل أبيب، فجر الجمعة، بعدما قطعت نحو 2000 كيلومتر، وسلكت مسارات جديدة لتضليل أنظمة الرصد التابعة للجيش، وتعتبر أخطر عملية عسكرية تتعرض لها إسرائيل منذ السابع من “أكتوبر”، بحيث أن هجوم “الحوثيين” نوعي ويضعها في مأزق، كما أنه يحمل دلالات استخبارية وعملياتية، إضافة إلى تأثيره في الحرب النفسية، والذي بدا واضحاً من خلال الرعب الذي عمّ المجتمع الاسرائيلي، إذ ان دخول المسيّرة أجواء إسرائيل ووصولها إلى قلب تل أبيب يعتبران حالة جديدة، بعدما سبق أن استهدف “الحوثيون” منطقتي إيلات وحيفا.

وأدخلت مسيرة “الحوثيين” التي هزت تل أبيب ومنطقة واسعة حولها القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل في أبحاث وتحليلات عميقة ومتواصلة حول سبل التعامل مع ارتفاع حدة احتمالات التصعيد، ولا سيما تجاه غزة ولبنان، وتصدرت إيران واليمن الأهداف المقبلة لاسرائيل في وقت وصل الاستعداد لهجوم على لبنان إلى مرحلة إعداد الخرائط والخطط وتسليمها إلى واشنطن للتنسيق وضمان زيادة عدد الجنود الأميركيين في المنطقة. فوسط تضارب البيانات العسكرية واتهامات من المعارضة للحكومة بالفشل في حماية إسرائيل، أجرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مشاورات هاتفية مع قادة أجهزة الأمن بشأن ملابسات استهداف المسيّرة اليمنية تل أبيب.

وبعد ساعات قليلة من سقوط المسيرة عقدت جلسة مشاورات وتقييم دعا إليها وزير الأمن يوآف غالانت قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، وتم البحث في خلفية سقوط المسيرة من دون الكشف عنها واعتراضها، وأكد المجتمعون حديث الجيش حول الخطأ الانساني بعدم اعتبارها هدفاً عدواً، وحديث الجيش هذا سرعان ما نفته حقائق جاء بعضها على لسان مسؤولين أمنيين اعتبروا المسيرة من النوع الدقيق والمتطور كالمسيرات التي يطلقها “حزب الله” في الشمال، والتي تتجاوز قدرة الرادارات الاسرائيلية على الكشف عنها بسبب مسارها منخفض الارتفاع.

وإتهم غالانت إيران بأنها الجهة التي تقف خلف إطلاق المسيرة ضمن تشجيع وكلائها في المنطقة وتسليحهم وتقديم الدعم لهم، وهدد طهران والحوثيين بالرد القاسي “وتصفية الحسابات مع كل من يضر بدولة إسرائيل أو يرسل الإرهاب ضدها”. وفور انتهاء جلسة تقييم غالانت أجرى نتنياهو جلسة تقييم سريعة تلتها اتصالات تشاورية مع مسؤولين أمنيين حول سبل الرد وكيفية التعامل مع مثل هذا الحدث، وأعلن على لسان مسؤول عسكري أن تل أبيب لا تسقط من حساباتها إمكان الرد على هذه المسيرة عبر هجوم داخل اليمن وتنفيذ خطة هجوم ضد الحوثيين.

كما أجرى رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي هو الآخر تقييماً للوضع وأمر بإجراء تحقيق استخباري وتكنولوجي لفهم الأداة والمنطقة التي أطلقت منها. وأفادت هيئة البث الاسرائيلية بأن مشاورات جرت خلال الساعات الماضية في إسرائيل بمشاركة المستوى السياسي، وتناولت الرد على الهجوم، مضيفة أن المستويين العسكري والأمني بحثا في توجيه “ضربة قوية” داخل الأراضي اليمنية، وهذا مطروح على الطاولة.

إذاً، يستعد الاسرائيليون للرد على استهداف “الحوثيين” تل أبيب بطائرة مسيرة الجمعة، وسط توقعات بأن يكون الرد انتقامياً وليس رادعاً فقط لتجنب تكرار الهجوم كما تفعل بريطانيا والولايات المتحدة. ويرجح محللون أن يكون الرد باستهداف قيادات حوثية، تماماً كما تقوم إسرائيل منذ فترة باستهداف قيادات من “حزب الله” رداً على الضربات التي يوجهها إلى مواقع إسرائيلية على الحدود.

يذكر أن “الحوثيين” أعلنوا خلال الأشهر الماضية عدة مرات استهداف مدينة إيلات ومينائها في إسرائيل، ضمن عمليات منفردة أو بالاشتراك مع فصائل عراقية، لكن هذه هي المرة الأولى التي يستهدفون فيها تل أبيب. ويعمل الحوثيون على تطوير قدراتهم في مجال الطائرات المسيّرة منذ العام 2014، حين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء. وتشمل ترسانتهم، المصنوعة من معدات أو مكونات إيرانية، طائرات الاستطلاع والقتال والطائرات المسيّرة، وبعضها له قدرات بعيدة المدى، وفقاً لخبراء الدفاع. ويقول الحوثيون إنهم يصنعون طائراتهم المسيّرة محلياً، على الرغم من أن المحللين يقولون إنها تحتوي على مكونات إيرانية مهربة.

وأعلن توربيورن سولتفيت من شركة استخبارات المخاطر “فيريسك مابلكروفت” أن “ليس هناك شك في أن قدرات التنظيم آخذة في التحسن”، مضيفاً: “ادعاء الحوثيين أنهم طوّروا طائرات مسيّرة يمكنها تفادي الدفاعات الصاروخية الاسرائيلية من المرجح أن يكون مجرد دعاية”. ووفقاً لفابيان هينز، خبير الصواريخ ومحلل الدفاع في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فان “هجمات الحوثيين بطائرات مسيّرة لا تشكل تهديداً إستراتيجياً لاسرائيل”، مؤكداً أن “الجغرافيا مهمة حقاً هنا، والمسافة بين اليمن وإسرائيل طويلة جداً، ولكي يشكل الحوثيون تهديداً فاعلاً، سيتعين عليهم نشر طائرات مسيّرة كبيرة جداً، وهو ما سيجعلها سهلة الاكتشاف بشكل أكبر، وسيكون من الصعب عليهم أيضاً التغلب على الدفاعات بسرب من الطائرات المسيّرة من هذا المدى البعيد”. ولم يستبعد هينز أن يكون الحوثيون قد حققوا ضربة حظ، قائلاً: “لست متأكدا من أنهم يستطيعون استخدام الطائرات المسيّرة لتشكيل تهديد إستراتيجي ضد إسرائيل”.

بعد تخطي “الحوثيين” الخطوط الحمر التي تضعها إسرائيل في إطار المواجهة المفتوحة مع إيران، وفي الوقت الذي تدرس فيه الحكومة الاسرائيلية وأجهزتها العسكرية والاستخباراتية كيفية الرد، حفاظاً على هيبتها العسكرية التي تعرضت للكثير من الاهتزاز جراء حربها على غزة بكل تداعياتها، تشخص الأنظار نحو “الكابينيت” الاسرائيلي لمعرفة أين وكيف سيكون الرد الاسرائيلي؟ وبالتالي هل تشكل عملية تل أبيب ذريعة لنتنياهو لشن الحرب الشاملة؟

لبنان الكبير

مقالات ذات صلة