ترحيل “رئاسة الجمهورية” لحين إنتخاب مجلس نيابي جديد عام 2026!

بات الجميع في لبنان مقتنعاً بأن حرب غزة المعطوفة على حرب “المشاغلة” في جنوب لبنان ستطول، في ظل محاولات رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو الحثيثة (مواربة وتسويفاً) لإسقاط كل الوسائل المتداولة عبر القنوات الديبلوماسية للوصول إلى صيغة للتهدئة في القطاع، وتسفر عن وقف العمليات العسكرية بين إسرائيل و”حزب الله”. وهذا الواقع دفع ببعض الدول المعنية بالملف اللبناني، تحديداً فرنسا والفاتيكان الى تحريك ملف رئاسة الجمهورية، الذي لا يزال متعثراً منذ 31 تشرين الأول 2022، تاريخ نهاية ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون، ما إنعكس شللاً مطبقاً على المؤسسات الدستورية، فضلاً عن إنهيار عمل الوزارات والمؤسسات والادارت العامة.

والهدف المراد من تحريك الملف الرئاسي هو السعي الى ضخ الحياة في شرايين الدولة اللبنانية، التي باتت جسداً بلا روح، فضلاً عن مواكبة لبنان الرسمي للأحداث والتطورات، وليكون مشاركاً في المفاوضات الجارية، والمرشحة أن تجري لاحقاً بشأن الحلول التي ستطرح، وفي أضعف الإيمان أن تكون في لبنان سلطة في حال توسعت الحرب وتحولت إلى حرب شاملة. وينطلق الساعون الى تحريك الملف من طرح (يبدو مستحيلاً)، بفصل الاستحقاق الرئاسي عن حرب غزة و”ملحقها” جبهة الجنوب. من هنا كانت المبادرة الفاتيكانية التي حملها أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، والتي قيل انه حمل معه لائحة من خمسة مرشحين للرئاسة، من خارج الأسماء المتداولة، والتي ينطبق عليهم توصيف “توفيقيين”، أي لا يشكلون أي إستفزاز لأي من الفريقين المتصارعين على الرئاسة، وبالتالي يمكن أن يحظوا بموافقة جميع الأطراف. ويبدو أن المبعوث البابوي لم يتمكن خلال لقاءاته مع القيادات المسيحية من إقناعهم بالخروج من “شرنقة” إصطفافاتهم، والدخول في عملية توافقية بين الكتل المسيحية لتبني ترشيح واحد من الأسماء التي حملها معه. كذلك لم يتمكن بارولين خلال لقائه رئيس تيار “المردة”، مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية من ثنيه عن الخروج من السباق الرئاسي، خصوصاً وأن كل جلسات مجلس النواب لم تفضِ الى تأمين العدد المطلوب من أصوات النواب لتبوؤ الرئاسة الأولى.

على الصعيد الفرنسي، تسربت معلومات صحافية عن الاجتماع الذي عقد في باريس بين الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، بأن الجانب الفرنسي لم يفلح في إقناع الموفد الأميركي بتحريك الملف الرئاسي اللبناني، اذ أكد هوكشتاين أن هذا الملف وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، مرتبطان بصورة أساسية بالحرب الدائرة على جبهتي قطاع غزة وجنوب لبنان، ولا تحريك جدياً لهذا الملف قبل وضوح الصورة الحقيقية لمسار الحرب وإمكان اتجاهها إلى التهدئة وصولاً إلى وقف إطلاق النار.

أما داخلياً، فإن حراك نواب المعارضة الهادف الى إحداث خرق ما في جدار الأزمة الرئاسية، بقي في إطار الاتصالات السياسية من دون تحقيق أي خطوة متقدمة في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً مع عدم تجاوب الثنائي الشيعي مع مبادرتهم، بحجة إفتقادها “الحوار” الذي هو مطلب أساسي له، الأمر الذي يفسر سبب عدم تحديد موعد لممثلي المعارضة مع كتلتي الثنائي “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة”. وتبقى هذه الاتصالات في إطار الحراك السياسي من دون تحقيق أي خطوة متقدمة في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية.

والجدير ذكره في هذا الاطار، أن سفراء اللجنة الخماسية أطفأوا محركاتهم، بعدما وصلوا إلى قناعة بأن لا فائدة من إستمرار جولات المباحثات واللقاءات بشأن الموضوع الرئاسي ما لم يتم الاعلان عن وقف إطلاق النار في غزة، خصوصاً وأن “جبهة المشاغلة” زادت من الخلافات والتباعد بين طرفي النزاع، ما يصعّب من إمكان إنتخاب رئيس من خارج الاصطفافات ومن داخلها على حد سواء.

كل المعطيات السياسية تشير إلى أن إنجاز الإستحقاق الرئاسي مؤجل إلى حين، وأن كل التحركات تدور في حلقة مفرغة لشراء الوقت وتمريره، لأن لا الظروف الداخلية ولا الخارجية ناضجة، وهي تنتظر ما يمكن أن يحصل في الجنوب، في ظل الإخفاق في التوصل إلى هدنة في غزة، وما إذا كانت الأمور ستنزلق نحو حرب شاملة. وسط ذلك، وفي ظل تأخير الاستحقاق الرئاسي وتسويفه من فرقاء داخليين ودول خارجية، تخشى مصادر سياسية من أن إستمرار عملية تعطيل الاستحقاق الرئاسي، قد يؤدي إلى ترحيله لحين إنتخاب مجلس نيابي جديد عام 2026.

لبنان الكبير

مقالات ذات صلة