“الجماعة الإسلامية” والمساندة بالدم: هل يتم التنسيق ميدانيًا مع حماس وحزب الله في جنوب لبنان؟

تعود الجماعة الإسلامية إلى الواجهة، مع اغتيال محمد جبارة، أحد قادتها البارزين والفاعلين في “قوات الفجر”، أمس الخميس، لترتفع حصيلة شهدائها منذ انخراطها في الحرب جنوبًا، في اليوم التالي لـ7 تشرين الأول، إلى نحو 18 شهيدًا، بينهم 7 مسعفين في جهاز الدفاع المدني التابع لجهاز الإغاثة والطوارئ العائد لها.

كان محمد جبارة يقود سيارته رباعية الدفع، في منطقة غزة في البقاع الغربي، حين أغارت عليها إسرائيل. مما فتح الأسئلة مجددًا حول الانكشاف الأمني والاستباحة الاستخباراتية لمختلف قيادات المقاومة، في حزب الله والفصائل الأخرى.

لم تكن وجهة جبارة معروفة. هذا الرجل الذي سيشيع بعد ظهر اليوم الجمعة، من مستشفى تعنايل وصولًا إلى مسقط رأسه في القرعون، لم يكن معروفًا أمام الرأي العام اللبناني، لا اسمًا ولا دورًا. لكن أوساط الجماعة، تصفه لـ”المدن” بأنه ليس مجرد قيادي عادي، وكان مسؤولًا للجماعة الإسلامية في البقاع، وله باع طويل بالعمل الجهادي منذ تأسيس قوات الفجر، عقب اجتياح إسرائيل للبنان في الثمانينات.

قوات الفجر
ولد محمد جبارة في القرعون سنة 1973، وترعرع منذ نشأته في صفوف الجماعة الإسلامية، وانخرط في جناحها العسكري مقاتلًا ثم قياديًا، إلى أن تنامى دوره انسجامًا مع تحولات الجماعة، وصار من أبرز مسؤوليها وقياداتها في البقاع.

قبل نحو عامين، داهم الجيش اللبناني منزل جبارة، وقبض عليه بسبب حيازته لأسلحة حربية، بفعل ما تصفه أوساط الجماعة بـ”الدسائس”، ثم أفرج عنه بعد تدخل الجماعة الإسلامية التي أثبتت أن هذا السلاح محصور بالعمل الجهادي ضد إسرائيل.
يقول نائب رئيس مكتب الجماعة الإسلامية في لبنان بسام حمود لـ”المدن”، بأن الجماعة الإسلامية طوال سنوات “الهدوء النسبي” عسكريًا بين إسرائيل ولبنان في الجنوب، كانت بمرحلة إعداد لقوات الفجر، لوجستيًا وعسكريًا وتقنيًا وبشريًا، “بسبب إدراكنا أن الصراع مع هذا الكيان سيشتعل مجددًا”.

ويتحدث عن ترسانة كبيرة لم يحدد حجمها، تمتلكها قوات الفجر، و”لديها من المقاتلين والسلاح والذخيرة ما يشفي صدور الأعداء”.

يتأسف حمود لتصاعد عمليات الاغتيال التي تطال قادة ومقاتلي حزب الله، وكذلك قوات الفجر التي لا تملك أساسًا قدرات حزب الله، “لكننا ندرك أن هذا الثمن سندفعه لا محالة، خصوصًا بفعل تفوق إسرائيل استخباراتيًا ولوجستيًا، وفي داتا الاتصالات ومساعدة دول غربية لها في تتبع حركة القياديين والمقاتلين”.

يؤكد حمود على مواصلة “قوات الفجر” القتال من جنوب لبنان ضد إسرائيل، طالما أن العدوان على غزة مستمر.

وقد نفذت قوات الفجر أول عملياتها العسكرية في 18 كانون الأول، حين وجّهت ضربات صاروخية ضد مواقع إسرائيلية، وحققت فيها إصابات مباشرة. ووضعت عملياتها حينها في إطار الرد على العدوان الذي طال أهل الجنوب من مدنيين وصحافيين، وقصف المنازل والمساجد وتدميرها.

دعم سني لبناني؟
ويربط كثيرون انخراط الجماعة الإسلامية بالقتال، بموقف شريحة من الساحة السنية في هذه الحرب، دعمًا لغزة أولًا، ولموقع حزب الله من الحرب ثانيًا. وهو ما يتجلى بطبيعة وحجم المشاركة في تشييع شهداء الجماعة، التي فقدت في العقدين الأخيرين، الكثير من تأثيرها ونفوذها السياسي، ولم تعد ممثلة في البرلمان، سوى بنائب واحد.
لكن الجماعة الإسلامية التي تواجه انقسامًا داخليًا وحتى سنيًا حول دورها في الحرب، لديها ارتباط عضوي وعميق مع حركة حماس. وسبق أن قال رئيس مكتبها السياسي علي أبو ياسين، بأن الجماعة تنسق ميدانيًا مع حماس وحزب الله في جنوب لبنان.

تحولات الجماعة
وفي مراجعة لأبرز محطات الجماعة الإسلامية عسكريًا، أطلقت “قوات الفجر” عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، ولعبت دورًا بارزًا حينها في صيدا والجنوب والقرى الحدودية. أما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، فقد دخلت الحياة السياسية اللبنانية بعدد من المقاعد البرلمانية عن بيروت وصيدا وطرابلس والشمال، ثم تحالفت مع قوى 14 آذار عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005.

لم تتمثل الجماعة في البرلمان من 2005 حتى 2009، بسبب عزوفها عن الانتخابات، إلى أن تحالفت مع تيار المستقبل، وفازت بمقعد في بيروت حصده نائبها الوحيد حاليًا عماد الحوت الذي فاز في الانتخابات الأخيرة في 2022.
اليوم، وبعد سنوات من توتر العلاقة بين حزب الله والجماعة الإسلامية عقب الحرب السورية سنة 2011، تستعيد موقعها إلى جانبه، تحالفاً واستشهادًا وقتالًا ضد إسرائيل. لكن ذلك، ما كان ليحدث وفق كثيرين، لو لم يفسح الحزب المجال أمام قوات الفجر، التي ساعدت بدورها في كسب نطاق أوسع من المشروعية والغطاء في الشارع السني الذي يدعم غزة ويناصرها.

مقالات ذات صلة