الصورة التي أنقذت ترامب: غنيمة سياسية كبيرة

ترامب لم يمت لكنه نجا مرتين: الأولى بحياته والثانية بحملته الانتخابية.

في حين تضج وسائل الاعلام بخبر محاولة اغتيال المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب في بنسلفانيا، بدت “الصوّر” التي تؤرخ اللحظة غنيمة سياسية كبيرة.

والى جانب صورٍ كثيرة انتشرت لترامب وهو يخرج من المنصة برفقة حرسه الشخصي، ستوّلد الصورة، التي التقطت بعدسة مصور “أسوشييتد برس”، لترامب وهو يحيي الجمهور رافعاً بقبضة يده للحشد فيما الدماء تسيل من أذنه مغطيةً وجهه، زمناً جديداً لترامب قد يساهم في تتويج فوزه بالانتخابات.

لم يخرج ترامب من المنصة مذعوراً، ارتدى حذاءه ثم عزم على التوقف قليلاً رغم أوامر الحرس بالتعجل في الإخلاء. أطّل برأسه بين أجساد الحرس التي أحاطته من كل ميل، ورفع قبضته الى العالم رغم تنامي احتمال قنصه مرة أخرى. هذا ليس مشهداً سينمائياً معداً ولا جزءاً من أفلام هوليوود بأدوارها السوريالية المبالغ فيها، وإن اعتبر مناهضون لسياسة ترامب بأنّ هذا الهجوم مفبرك، ومجرد حملة دعائية تخدم أجندته الانتخابية.

في هذه الصورة التي وضعت ثانيتين من الزمن قيد التجميد (بالمعنى الحرفي للثانية)، حيث لن يمكن بعد اليوم قراءة التاريخ الأميركي الحالي من دون التوقف عند دلالات هذه الصورة، أثبت ترامب للأميركيين أنّ نتائج اختبارات الصدق ليست موثوقة، فهو مستعد للموت من أجل أميركا ومن أجل الشعب الأميركي.

والحال أنه بعد هذه الصورة، التي تحولت الى “أيقونة”، لم يعد ترامب من يحتاج لأصوات الأميركيين فحسب للنجاح بالمقعد الرئاسي، وإنّما الأميركيون أنفسهم في حاجة الى رجل مستعد للموت من أجلهم، كما تشير التعليقات في منصات التواصل الاجتماعي.

ولا يمكن أن نقرأ الصورة المتداولة من دون التعقيب على العلم الأميركي الذي تربع على رأسها، فإذا كانت رمزية تمثال الحرية هي في تخليد ذكرى ولادة الولايات المتحدة، فإن صورة ترامب الشهيرة ستكون أشبه بتخليد معنى مفاده أنّ الولايات المتحدة مثل ترامب لا تقهر ولا تستسلم أمام كل محاولات تقويض قوتها ودحر عزيمتها من الداخل والخارج، على الأقل من المنظور الشعبوي للشعب الأميركي الذي يحمل نتائج الانتخابات على كفه.

أزالت قبضة ترامب العديد من العثرات أمامه في حملته الانتخابية، وهو صاحب المواقف المتطرفة والوعود التي لم تتحقق، لكنها أيضاً مهدت لعنف سيطال المكونات الأميركية، فالصورة التي ستستمر بالانتشار وإن تنبأت بالفوز، لا تشي أبداً بتجانس رأي المجتمع الأميركي حول مصير بلادهم.

ففي مقابل هذه الدماء الملطخة على وجه ترامب، والقبضة التي اختصرت رمزيتها بالتحدي والانتصار، سيسود العداء للفريق الذي يُعتقد بأنّه مهد بمواقفه العدائية لهذا الاغتيال، ويمكن بقراءة سريعة للصحف الأميركية وحسابات الأميركيين في وسائل التواصل الاجتماعي أن نلحظ أنّ أصابع الاتهام موجهه الى الديمقراطيين الذين رددوا العبارة الشهيرة على لسان بايدن: “ترامب عدو الديمقراطية”.

ففي مقابل الديمقراطية الأميركية التي تقوم على الحرية، تنقل هذه الصورة حقيقة الواقع الأميركي الذي سيظل تغييره قائماً على الدم. فالتقابل الذي تطرحه الصورة، ويمكننا أن نستبق كيفية تأطيرها في المستقبل القريب، يفيد بأنّ هناك من يستعد للموت من أجل أميركا على الضفة الأولى، فيما هناك من لا يتوانى عن قتل العالم وإنهاك الأميركيين غير مكترثٍ بمصالحهم بهدف الفوز بالانتخابات على الضفة الأخرى.

هذه الصورة التي التقطت تبعات العنف السياسي، ستكون أيضاً دليلاً تبرير العنف السياسي في الولايات المتحدة، والتي سيظل شعبها لوقت لا يستهان به من الزمن مفتوناً بحريته في اقتناء السلاح وبدور ترامب البطولي، لا وبل قد يصل به الأمر الى المراوغة والمبالغة في الدفاع عن قناعاته بالدم والتباهي بذلك.

نجا فرانكلين روزفلت كمرشح ديمقراطي من محاولة اغتياله وفاز لفترة رئاسية ثانية بعد ثلاث سنوات على الحادثة وهو الرئيس الأميركي الذي مكث أطول مدة في البيت الأبيض، وتشير كل المؤشرات اليوم الى أن مصير ترامب كمرشح جمهوري لن يكون مختلفاً عن ذلك بكثير، فإتقانه اللعبة الاعلامية بجد واحتراف لن يضطر الأميركيون الى النظر في برامجه وإن كان فاسداً يتهرب من تسديد الضرائب رغم ثرائه الفاحش، وكارهاً للنساء ومستهزءاً بتغير المناخ وعواقبه، فالموت لأجلهم سيكون حتماً كافياً.

المدن

مقالات ذات صلة