هل هُزِمَت “حماس” أم تناور: ماذا يحصل من تحوّلات؟

ليس واضحاً ما يحصل من تحوّلات في قرار حركة “حماس” التي لا تنفصل عن تنظيمات محور الممانعة التابعة لإيران، ولو كان لها هامش قليل من الاستقلالية أو ما يُعرف بالخط العربي، إذ وافقت فجأة على الاقتراح الأميركي لوقف إطلاق النار وتخلّت عن مطلبها الرئاسي بأن تلتزم اسرائيل أولاً بوقف دائم لإطلاق النار قبل توقيع أي اتفاق!

ويبدو أن قرار “حماس” حمّال أوجه، لأن بعض المراقبين فهم قرارها أنه تراجع وبمثابة صك استسلام، وبعضهم الآخر فهم أنها مناورة من إيران تمنع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من توسيع الحرب.

يرى مدير “مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية” الباحث الفلسطيني هشام دبسي أن “تراجع حماس ناتج عن الضغط الرسمي العربي وتحديداً المصري-السعودي-القطري، وخصوصاً أن التصلّب الذي أبدته الحركة في الفترة السابقة ليس له أساس مادي في الواقع، علماً أن ميزان القوى في المعركة لا يسمح لها بهذا التصلّب، إضافة إلى أن الدول العربية تحاول الحصول من الولايات المتحدة الأميركية على تعهدات في اليوم التالي للحرب، فيكون مشروعاً توافق عليه الدول العربية والسلطة الفلسطينية”.

في المقابل، هناك مقاربة أخرى قرأها بعض المراقبين في ضوء التزامن بين موافقة “حماس” على وقف إطلاق النار واللقاء الذي جمع وفداً قياديّاً منها مع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله وهو ليس مجرد صدفة، ويبدو أن الأخير أقنع “حماس” بطلب إيراني بضرورة الموافقة على المقترح الأميركي.

ويتوسّع هؤلاء في تفسير الأهداف الايرانية الساعية إلى إنجاح المقترح وهي ثلاثة:

الهدف الأول هو لمنح الادارة الأميركية ورقة وقف الحرب التي تعيد تعزيز وضعيتها الانتخابية في حال الوصول فعليّاً إلى وقف لإطلاق النار، ولا سيّما أنّ هذه الادارة وضعت ثقلها كله ومارست أقصى الضغوط على رئيس الوزراء الاسرائيلي من أجل الموافقة على المقترح الأميركي، وبالتالي طلبت طهران من “حماس” أن تتخلى عن شروطها وأن توافق على المقترح بما يفاقم الضغوط على نتنياهو داخل إسرائيل وخارجها ويؤدي إلى السير بالمقترح الأميركي، بما يعني دخولها بقوة على خطّ الانتخابات الأميركية لمصلحة الادارة الحاليّة وتجنّباً لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

الهدف الثاني هو لمنع نتنياهو من أن يستغلّ مرحلة الشلل التي دخلتها الادارة الحالية من أجل أن يوسِّع حربه باتجاه “حزب الله” وربما باتجاه طهران نفسها، وبالتالي تريد الأخيرة أن تتجنّب المرحلة التي يكون فيها نتنياهو متفلتاً من الضغوط والقيود الأميركية.

الهدف الثالث هو للانتقال في المرحلة الانتقاليّة التي تعبرها الولايات المتحدة من الخطوط الأمامية للمواجهة في الشرق الأوسط إلى الخطوط الخلفية تجنباً لنيران غير محسوبة في زمن الانتخابات، ويتقاطع هذا الأمر مع إرادة إيرانية بضرورة تجنّب التسخين العسكري الذي يخدم ترامب من جهة، ويدخلها في حرب يعتبرها نتنياهو مثالية في توقيتها من جهة ثانية.

ويعلّق دبسي على ذلك قائلاً: “لست بعيداً عن هذه المقاربة، وأضيف إليها: أن الضغط الرسمي العربي يتناغم مع واشنطن في هذا الاتجاه، والأخيرة تعتمد على هذا الضغط لتليين مواقف حماس وسحب أوراق مواصلة الحرب من يد نتنياهو، وبالتالي رضوخه للقرارات الأميركية. عموماً نحن ازاء معركة مركّبة ذات أبعاد متباينة سواء في بعدها الاسرائيلي أو البُعد الأميركي أو البُعد الفلسطيني والعربي”.

ويؤكد أن “ايران في هذا المكان وفي هذه اللحظة لن تكون لها الكلمة الأخيرة لدى حركة حماس على الرغم من كل نفوذها في قلب الحركة، وهذا ما يؤدي إلى انشطار داخل حماس نفسها. لذلك إذا اتجهت ايران إلى المرونة، فستكون الحركة متناغمة أيضاً مع المصلحة الايرانية، لأن وقف إطلاق النار في غزة لمدة 24 ساعة سيؤدي إلى وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية، وهذا مطلب للحزب ليستطيع أن ينزل عن الشجرة ويقول لأنصاره أنا انتصرت!”.

لكن نتنياهو لا يبدو مقتنعاً بهذا العرض الذي تقدّمت به “حماس” أو لنقل تراجعها عن شرط أساسي، بدليل أنه يستكمل حربه في قطاع غزة، ويوضح دبسي أن “نتنياهو دخل على خط التصعيد من أجل استدراج ردود فعل من حماس من هذا التراجع أو في حال قبوله بالمقترح الأميركي الذي قد يؤدي إلى تفجير حكومته وسياساته، لكن علينا عدم الوقوع في التفسير الخاطئ، لأن قوة نتنياهو لا تأتي من صلابته الداخلية انما مستمدة من أصدقائه في الكونغرس الأميركي، وقدرته على المناورة مصدرها من يدعوه ليلقي خطابات عالية النبرة أي من الجمهوريين وبعض الديموقراطيين في الولايات المتحدة، لذلك أؤكّد أن المصلحة الأميركيّة العميقة سوف تعبّر عن نفسها وتوقفه في مرحلة معيّنة على الرغم من بعض التناقضات الشكليّة التي تظهر، وبرأيي أن المصلحة الأميركية العميقة لا يحددها زعماء جمهوريون وديموقراطيون على ايقاع الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهذا ما سيؤدي إلى ضبط نتنياهو لاحقاً، فيتراجع”.

يفصل دبسي بين اليوم التالي للحرب في غزة واليوم التالي في لبنان، ويقول: “في اليوم التالي لأي هدنة في غزة سيفكّ الارتباط بين الجبهتين، وسيذهب لبنان إلى مسار مختلف عن المسار الفلسطيني، علماً أن الهدنة في غزة لن يعقبها اليوم التالي، لأن الحرب ستبقى مفتوحة ولا تزال الأهداف الأساسية لهذه الحرب من وجهة نظر أميركية عميقة ومتقاربة تماماً مع الأهداف الاسرائيلية”. ويشير إلى أن “حرب الإبادة الدائرة في غزة ستستمر بأشكال مختلفة حتى ولو نجحت الهدنة، وما أن يتم انجاز المرحلة الأولى أي الإفراج عن الرهائن ستسقط الهدنة تلقائياً من نتنياهو أو بقبّة باط أميركية في هذا الاتجاه بعد أن يأخذوا ما يريدونه من هذه الهدنة”.

لا شك في أن الوضع غامض ولا أفق للحل حتى الآن، ويؤكّد دبسي “نحن أمام مشروعين: الأول اسرائيلي لا يريد أن يسمع بأي حل تلعب فيه السلطة الفلسطينية دوراً أساسياً وفق حل الدولتين، وهو يريد احتلال قطاع غزة، لكن هذا الأمر غير قابل للتحقّق وأمامه اشكالات عميقة على المستويين الدولي والاقليمي. أما المشروع الثاني فيقوم على حل الدولتين وفق رؤية عربية، وعلى الرغم من ضعف السلطة الفلسطينية لم يستطع أحد تجاوزها لا على المسرح الاقليمي ولا على المسرح الدولي، وبالتالي لا يُمكن الحديث عن اليوم التالي للحرب من دون ركيزة السلطة الفلسطينية”.

في الختام لا يرى دبسي مؤشرات على توسّع الحرب الاسرائيلية على لبنان، “لأن القرار ليس في يد حزب الله أو نتنياهو، بل هو في يد واشنطن وطهران، وطالما أنهما متفقتان على عدم توسيع الحرب، لا يمكن لهذه الأدوات مهما كبر حجمها أن تأخذ قرار حرب اقليمية في المنطقة، وخصوصاً أنها تحت الحماية الأميركية، هم يقولون انهم مسؤولون عن الأمن فيها حتى إشعار آخر”.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة