“الحزب”… أي دور بعد غزة: نصر الله وعرابه الايراني أمام واحد من احتمالين؟

هل تتوقف الحرب في الجنوب فور توقفها في غزة، ويعود طرفا الصراع الى قواعدهما وكأنهما كانا في “كباش عادي” لا يستحق التوقف عنده أو حتى الاشارة اليه؟

أمر أساسي لا يعرفه “حزب الله” أو لا يريد الاقرار به على الأقل، وهو أن ما فعله في “الثامن من تشرين” لم يكن بالنسبة الى تل أبيب، ترابط ساحات كما تشدد ايران، بل كان خرقاً لهدنة دولية، و”اعتداء” متعمداً لا يرتبط بأي قضية حدودية عالقة بين لبنان واسرائيل، بقدر ما يرتبط بأي ملف من ملفات الصراع الاسرائيلي – الايراني في أي مكان وزمان.

وثمة أمر جوهري آخر، وهو أن “حزب الله” الذي يقر في كواليسه بأن “حماس” خسرت معركتها في غزة، وبأنه أدخل نفسه في مأزق عسكري لا أفق له، يعرف أن المواجهة مع اسرائيل لا يمكن أن تنتهي كما انتهت “حرب تموز”، وأنه بات أمام واحد من احتمالين: اما المضي بحرب استنزاف كبّدته خسائر بشرية ومادية هائلة وقد تنتهي الى حرب شاملة يغامر فيها بكل أوراق الممانعة، واما الدخول في تسوية تتجاوز رسم حدود الانتشار الجديد الى ما يلامس حدود التطبيع.

والمقصود هنا، أن الجو السياسي والعسكري سواء في اسرائيل والاقليم والمجتمع الدولي، لن يقبل بأقل من حل نهائي في الجنوب يشمل اقامة منطقة عازلة تشرف عليها قوات شرعية لبنانية الى جانب قوات “اليونيفيل”، وترسيم الحدود البرية في شكل كامل ومن دون أي ثغرات، وفتح ملفات شبعا وتلال كفرشوبا لتحديد هويتهما النهائية.

وكشف مصدر ديبلوماسي أن ثمة مبادرة قيد الدرس تقضي بارسال وسطاء عرب ودوليين الى دمشق لانتزاع اعتراف من الرئيس بشار الأسد اما بسيادة سوريا على هاتين المنطقتين، وهذا ما يسحب ذريعة التحرير والتسلح من “حزب الله”، واما بسيادة لبنان، وهذا يعني ضمهما الى القرار الرقم ٤٢٥ الذي يقضي بانسحاب اسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة.

وأضاف: ان الانفتاح العربي على دمشق يصب في جزء منه في هذا المسعى الذي بدأ يثير نوعاً من التوتر الخفي بين ايران والأسد، لا بل بين ايران وروسيا التي تسعى الى أمرين للحد من النفوذ السياسي والعسكري الايراني في سوريا، وهما تسهيل مصالحة بين دمشق وأنقرة على حساب طهران، ونزع أي أسباب تبرر الحاجة الى “حزب الله” و”الحرس الثوري” على الأراضي السورية وفي مقدمها تحييد الأسد عن الصراع العسكري مع اسرائيل، أو تأمين أي تسهيلات تؤدي هذه المهمة وفي مقدمها كشف أوكار القياديين الايرانيين في البلاد.

وتابع: ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول اقامة مثلث روسي- سوري- تركي في الشرق الأوسط يشبه المثلث الروسي-الصيني- الكوري الشمالي، لتعزيز أوراقه السياسية والاستراتيجية في أي مفاوضات مع أميركا وحلف الأطلسي تتعلق بانهاء الحرب في أوكرانيا.

وبعيداً من الطموحات الروسية، يقر محور الممانعة بأن غزة سقطت عسكرياً ولم يبق أمام حركة “حماس” ويحيى السنوار الا واحداً من خيارين: اما الاستسلام، على غرار ما فعل ياسر عرفات في حرب بيروت، واما التخلي عن أثمن أوراقها أي ورقة الأسرى، والقبول بأي اقتراح أو خطة أو مبادرة توقف الحرب بأي ثمن، وهو ما اختارته ايران تحت الطاولة وتلقفته “حماس” وباركه “حزب الله” على الفور.

ويتردد في أوساط المعارضة أن الايرانيين الذين انتخبوا رئيساً اصلاحياً لتنفيس الضغوط الدولية على ميول طهران العسكرية التوسعية في المنطقة، يحاولون وقف الحرب عند أبواب رفح تمهيداً لوقفها في جنوب لبنان، وذلك تحاشيا لأمرين: الدخول في حرب اسناد لحلفائها تتورط فيها الولايات المتحدة، والحؤول دون ضربتين قد تقضيان على القوة العسكرية الايرانية المنتشرة على حدود اسرائيل من جهتي غزة ولبنان أو تشلاّنها.

وكشف مصدر قريب من الممانعة أن حسن نصر الله يقر في كواليسه بأن واحدة من ساحات الممانعة قد خرجت من الخدمة الفاعلة، أي غزة ، وأن كل الضغط العسكري الذي مارسه من جنوب لبنان لم يتمكن من إنقاذ “حماس”، بل وضع “حزب الله” ولبنان في وضع حرج يحتاج الى من ينقذه من حرب تدميرية هائلة أو من اجتياح يحوّل الجنوب الى غزة ثانية ويضع “المقاومة الاسلامية” في مواجهة مع بيئتها ومع المجتمع اللبناني بمعظم مقوماته.

وأضاف المصدر: ان نصر الله وعرابه الايراني، يحاولان الوصول الى أمرين، الأول تحديد حجم الخرق في بنيتهما العسكرية، وهو خرق كلفهما خسائر قيادية طاولت معظم خلاياهما البرية والجوية والصاروخية والاستخبارية، والثاني العمل لانتزاع بعض المكاسب التي ترضي الضاحية الجنوبية أولاً وتبقي على نفوذها السياسي والأمني في الداخل اللبناني.

وتابع: ان حسن نصر الله يعرف أنه سيضطر الى التراجع الى جنوب الليطاني سواء في الميدان أو في الكواليس، لكنه يطمح في المقابل الى تثبيت شعار “لبنان في مقابل الهدنة”، مشيراً الى أن هذا الأمر نقل الى اسرائيل عبر وسطاء ألمان، لكن الجواب كان لبنان في مقابل “تطبيع كامل” في مكان وغزة مجردة من “حماس” في مكان آخر، اضافة الى وقف البرنامج النووي الايراني، وهو ما تعتبره ايران هزيمة كاملة المواصفات.

هذه الأجواء دفعت المعارضة اللبنانية الى التحرك تحسباً لأي حلول تكرّس الهيمنة الايرانية على لبنان وتسمح لـ “حزب الله” بالخروج من الحرب محرجاً أمام اسرائيل ومستقوياً على اللبنانيين.

حتى الآن لا شيء من كل هذه الأجواء يشق طريقه نحو التطبيق، في وقت يحاول رئيس وزراء اسرائيل مخاطبة الكونغرس بعد أسبوعين وفي يده “رأس غزة” من جهة وتنازلات ايران من جهة ثانية، وكلمة إسرائيل التي يحتاج اليها دونالد ترامب للعودة الى البيت الأبيض.

انها ، وفق المحللين، بضعة أشهر صعبة يتقرر فيها من يخرج منتصراً ومن يخرج مغلوباً، ومن يدفع ثمن التسويات النهائية، غزة أم لبنان أم الاثنين معاً؟ لكن الأكيد بالنسبة اليهم أن العالمين العربي والغربي يعملان كي تكون هذه الحرب آخر حروب المنطقة، وأن يكون المقاتلون الحاليون آخر من يتحكم بأمن العالم واستقراره.

انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة