كمين” باسيل لـ”القوات”… أُفشِل: سيناريو جبران بدأ منذ أشهر دون أي “وجع ضمير”!

“المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”

تفصل بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والمبادرات الهادفة الى إخراج لبنان من أزماته سنون ضوئية، لأن خلفيّة أي مبادرة يقوم بها يكون هدفها تحقيق الغلبة لفريق على حساب الآخر وتحقيق مكتسبات خاصة على حساب مصلحة البلد، وهذا ما ينطبق على مبادرته الأخيرة تجاه الرئيس نبيه بري، واضعاً نصب عينيه إحراج “القوات اللبنانية وإخراجها بعد “كمين” مُحكم.

بعض الأمور لا يُمكن إكتشافه في حينه، إلا أن القطب المخفيّة في الحياة السياسية اللبنانية، سُرعان ما تظهر واضحة المعالم مع مرور الوقت، لذلك كشف لنا مصدر نيابي سيناريو باسيل الذي بدأ منذ أشهر، إذ فعل كل ما يستطيع للقاء رئيس “القوات” سمير جعجع سواء عبر قنوات غير مباشرة مع معراب أو عبر بكركي تحت تسمية لقاء رباعي للأقطاب السياسية المارونية، لكن جواب جعجع كان حازماً بالرفض نتيجة غياب الثقة بباسيل الذي إنقلب على تفاهم معراب، ويظهر يوماً بعد يوم أنه يبيع كل شيء في سبيل مصالحه.

من المؤكّد أن باسيل فهم حينها أن معراب كشفت “لعبته” التي تقضي بالتواصل مع “القوات” والانفتاح عليها والتوصّل معها إلى تصوّر رئاسي وربما إسم مرشّح، ليذهب ويبيعه بالمزاد العلني لـ”حزب الله”، فينال منه المكاسب ويعود إلى عادته بالإنقلاب على التفاهمات والاتفاقيات، مبرراً الأمر بذرائع كاذبة وواهية!

هذا ما أدركته معراب منذ بداية أداء باسيل لـ”موّاله” الانتهازي، معتبرة أن “المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”، فبقيت على موقفها الصلب، ولم تغرّها كل محاولات باسيل ولا تمنيات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من منطلقات روحية بريئة، لأن باسيل لا يقيم وزناً لأي أمر روحي أو أخلاقي.

وصل باسيل إلى قناعة بأن “القوات” ترفض التواصل معه مباشرة، ويبدو أن مخاوفها كانت صحيحة، لأن باسيل أعدّ كميناً لها، إذ قام بصورة مفاجئة وخلافاً لكلامه الانتقادي لـ”حزب الله” في الفترة الأخيرة، بتقديم عرض في الكواليس اعتبر أنه سيكون مغرياً لـ”الحزب”، وقد تضمّن ثلاث نقاط: الأولى التخلي عن سليمان فرنجية والاتفاق على مرشح ثالث تكون له مواصفات مشابهة لجهة حماية ظهر المقاومة، الثانية عزل “القوات” وإنهاء المواجهة المسيحية اللبنانية لـ”الحزب” وخصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، الثالثة تحقيق مكتسبات في السلطة وتقاسمها مجدداً بين الثنائي الشيعي و”التيار”. وهذا يعني تمديد أزمات البلد ست سنوات أخرى وتعريضه لمزيد من الانهيارات.

لكن الرياح سارت عكس ما تشتهيه سفن باسيل، لأن “الحزب” رفض المبادرة انطلاقاً من تمسّكه بفرنجية والتوقيت غير المناسب نتيجة انخراطه في الحرب ضد اسرائيل، وبالتالي ليست أولوياته رئاسة الجمهورية الآن، وهذا ما بات واضحاً من إحباطه لكل المبادرات الداخلية والخارجية حتى الآن.

مع ذلك، لم يرضخ باسيل “الطموح”، وبدلاً من أن يتراجع، قرر الذهاب إلى الطرف الشيعي الآخر، ألا وهو الرئيس نبيه بري على الرغم من تاريخ المناكفات معه، قرر الإنفتاح عليه وبناء جسور تواصل مع رئيس حركة “أمل” الذي وصفه سابقاً بـ”البلطجي” وكان الرجلان طوال عهد الرئيس ميشال عون، يخوضان ضد بعضهما البعض حرباً ضروساً، إلا أن الغاية تبرر الوسيلة لدى باسيل الذي فهم “الانتهازية” عاملاً من عوامل البراغماتية، فيتفق مع بري في الاستحقاقات الدستورية ثم يهاجمه في الإعلام ليكسب أصواتاً في الشارع المسيحي!

لا شك في أن باسيل يتمتع بما يكفي من المكر السياسي ويتميّز بمرونته لأنه متحرر من المبادئ والقيم، فيقفز من جانب إلى آخر من دون أي “وجع ضمير”، هكذا رمى بنفسه في أحضان بري الذي كان يحتاج إلى فريق سياسي مسيحي أكثر مرونة من “القوات”، بل فريق يتصرّف بوصولية ليشكّل غطاء لسياسته ويقنعه بـ”الحوار”، فوجد في باسيل ضالته، على الرغم من “عدم الاستلطاف” والمزاج الشخصي المعاكس. لكن المصلحة تقضي بانفتاح الرجلين على بعضهما البعض في هذه المرحلة، فقدّم باسيل العرض نفسه لبري، وأبدى قبولاً بمسألة “الحوار”، وراح يدافع عن شروط بري، بل حمل سيفه ووعده بإقناع التكتلات النيابية الوسطيّة مثل “اللقاء الديموقراطي” و”الاعتدال الوطني” والتغييريين وحتى “الكتائب”، بضرورة الجلوس الى طاولة الحوار من دون “القوات”، فيؤمّن 86 صوتاً لإنعقاد جلسة وانتخاب رئيس.

لكن عوامل كثيرة تضافرت لإفشال مبادرة باسيل أهمها: أولاً، تواصل باسيل مع بري مباشرة أغضب “الحزب” الذي يعتبر أن مرور جبران إلى عين التينة يجب أن يكون عبره. ثانياً، لم تبدِ التكتلات النيابية أي حماسة حيال مبادرة باسيل، لاعتبارها أن كلمة السرّ لانتخاب رئيس لم تصل بعد والظروف الاقليمية والدولية لا تسمح، حتى أن الرئيس بري يُدرك ذلك ولا يوافق على أي أمر يرفضه “الحزب”. ثالثاً، بقيت “القوات” متمسّكة بموقفها الصلب الرافض لـ”الحوار” كاشفة لعبة باسيل، مدعومة من الشارع المسيحي الرافض لهذا السلوك المشين.

أمام هذا الواقع، فشلت بهلوانيات جبران باسيل وكل محاولاته لعزل “القوات”، وبدت خسائره بعد هذه المبادرة أكثر من مكتسباته، وقد تأخذ حركته بعض الوقت لتنطفئ نهائياً!

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة