ترّقب لبناني: الحل السياسي للجنوب مبهم… وواشنطن تحذّر من الحرب

رياح الهدنة التي بدأت تلفح سماء المنطقة، والايام القليلة المقبلة ستحدّد مسار الميدان الحربي، إما في اتجاه استمرار حرب الابادة الجماعية التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، وابقاء جبهة جنوب لبنان على خط النار، خاضعة لاحتمالات تفجّرها على نطاق واسع، او في اتجاه عقد صفقة تبادل للاسرى بين اسرائيل وحركة «حماس» ارتكازا على اتفاق لوقف إطلاق النار او وقف للعمليات الحربية في غزة، يتمدّد تلقائياً الى جبهة لبنان.

مطبات واحتمالات

وإذا كانت الترويجات المتتالية، وخصوصا من الجانب الاسرائيلي، التي سبقت بدء المفاوضات التي بدأت برعاية اميركية، ووصفت بأنها الاكثر ليونة وجدّية هذه المرة، قد رجّحت بلوغ صفقة تبادل للأسرى في غضون أسبوعين على الأكثر، إلّا أن الطريق الى هذه الصفقة ما زالت تعتريه مطبات اسرائيلية، واحتمالات مجهولة.

وتجلّت تلك المطبات في ما يبدو انّه تخبّط داخل اسرائيل وتشكيك عكسه الاعلام الاسرائيلي في الساعات الاخيرة، بجدّية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لعقد هذه الصفقة. حيث اشار الى ان ردّ «حماس» أثار خلافاً شديداً بين نتنياهو وقادة جهاز الأمن، الذين يرصدون وجود فرصة للتقدّم في المفاوضات، بينما نتنياهو لا يتفق معهم، ويعتزم إحباط الصفقة كي يحافظ على بقائه السياسي لأنّه يخشى تفكيك تحالفه مع اليمين المتطرّف، الذي يفرض عليه اجراء انتخابات مبكرة.

يشار هنا الى ان ابرز علامات التخبط تجلّت في منع نتنياهو لوزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت من عقد لقاء بشأن صفقة الأسرى مع رئيسي الموساد والمخابرات، وفق ما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية التي نقلت عن غالانت قوله إنّ «عدم لقائه رئيسي الشاباك والموساد يصعّب على الجهاز الأمني التحضير لاجتماعات حول الصفقة». فيما ذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية أن وزير الامن القومي الاسرائيلي ايتمار بن غفير هدّد نتنياهو بإسقاط الحكومة إن اتخذ القرارات بمفرده في قضية صفقة التبادل.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية عن مسؤولين أمنيين وعسكريين اسرائيليين «ان نتيجة احباط الصفقة قد تكون فرصةً ضائعةً ستكلّف حياة أسرى إضافيين، واستمرار القتال في قطاع غزة، وربما المزيد من التصعيد مع «حزب الله»، فيما انّ الطريقة الوحيدة لإقناع نصرالله بوقف اطلاق النار هي من خلال وقف اطلاق النار في غزة وابرام صفقة تبادل للاسرى».

ترقب لبناني

ما استجدّ على خط مفاوضات الصفقة، ادخل لبنان في حال من الترقّب لما ستؤول اليه، ويعوّل على ابرامها في القريب العاجل، وارتداداتها الفورية على خاصرته الجنوبية حيث تتقاطع تقديرات الاميركيين، و«حزب الله»، ومستويات لبنانية مختلفة، وسياسيين وامنيين ومعلقين ومحللين اسرائيليين، على أن بلوغ هذه الصفقة ووقف الحرب في غزة، يُخرجان جبهة لبنان من دائرة التصعيد والاحتمالات الحربية بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي.

وتؤكّد مصادر رسمية مسؤولة لـ«الجمهورية» انّ «من السابق لأوانه الحديث عن حلّ سياسي للمنطقة الجنوبية طالما أنّ اسرائيل لم توقف عدوانها على قطاع غزة، فضلا عن ان معالم الصفقة التي يُعمَل عليها لم تتوضح بعد، اولاً لناحية حجمها، وثانياً وهنا الاساس لناحية مرتكزها أكان على هدنة موقتة او وقف للعمليات الحربية او وقف نهائي لاطلاق النار. وكما هو واضح حتى الآن لا يبدو ان نتنياهو في وارد الالتزام بوقف نهائي لاطلاق النار، ناهيك عن امور اخرى، مثل الالتزام بانسحاب الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة».

وتلفت المصادر عينها الى «أن كل تلك الحالات، سواء الهدنة الموقتة او وقف العمليات الحربية او وقف نهائي لاطلاق النار، ستنعكس كل بحجمها ومفاعيلها تلقائياً على لبنان، الّا انّ الحل السياسي النهائي لجبهة الجنوب، مرتبط بإنهاء الحرب، وهو ما بات يؤكّد عليه الاميركيون، حيث صدر كلام مباشر بهذا المعنى من البيت الابيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية وصولاً الى الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين. وتبعاً لذلك، فإنّ الصفقة التي يُعمل عليها إن كانت ضمن سياق يؤدي الى انهاء الحرب، فإنّها بالتأكيد تعزز فرص بلوغ الحل السياسي في جنوب لبنان.

وفي هذا السياق، قال مرجع مسؤول لـ«الجمهورية»، ان الاتفاق على هدنة او على وقف لاطلاق النار في غزة سينعكس فوراً على لبنان، والمحادثات التي لم تنقطع مع هوكشتاين، عكست جهوزيته للسفر الى المنطقة في اللحظة التي يتمّ فيها التوصل الى اتفاق بين اسرائيل وحركة «حماس»، وبمعنى أدق، لنفرض أنه تمّ التوصل الى الاتفاق اليوم، فغداً يكون هوكشتاين في المنطقة، ولكن إنْ لم يتمّ التوصل الى الإتفاق، فحتى ولو حضر هوكشتاين مرّات ومرّات الى لبنان واسرائيل فلن يتمكن من أن يحقق شيئاً وهو يعلم ذلك.

ايّ حلّ سياسي؟

على أنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال: ما هو مستقبل الجبهة الجنوبية، وعلى اي اساس سيبنى الحل السياسي إن كان ثمة اجماع على هذا الحل؟

مصادر مطلعة على طروحات الحل المقترح سواء التي حملتها الورقتان الفرنسيتان، او التي حملها آموس هوكشتاين، تؤكّد لـ«الجمهورية» أنّ مسار هذا الحلّ ستعتريه صعوبات كبرى، ومدى التفاوض حوله لن يكون قصيراً بل طويلاً جدًا ومن دون افق، إن تمّ التمسك بتلك الطروحات التي تصبّ في معظمها في مصلحة اسرائيل ولا تلزمها بأي إجراءات او خطوات من جانبها، ما يعني انّ الحل السياسي ليجد طريقه الى التفاهم عليه، ينبغي أن يقوم على افكار جديدة متوازنة تحاكي الواقع غير تلك الافكار التي تحاكي مصلحة اسرائيل فقط، والتي رفضها لبنان بشكل قاطع.

ولفتت المصادر الى انّ المطلب الاسرائيلي بانسحاب «حزب الله» الى ما بعد نهر الليطاني او بضعة كيلومترات عن الحدود يستحيل القبول به من الجانب اللبناني. كونه من جهة يمكّن اسرائيل بالسياسة من تحقيق انتصار على «حزب الله» لم تتمكن من تحقيقه في الميدان العسكري. ومن جهة اخرى لأنّ افراد «حزب الله» هم ابناء تلك المنطقة، فكيف يمكن الركون لطلب سحب لبنانيين من قراهم وبلداتهم. ومعلوم أن «حزب الله» ابلغ كل الوسطاء برفضه اي بحث في اي ترتيبات متصلة بجبهة الجنوب قبل وقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. واما بالنسبة الى الطلب الاسرائيلي بانسحاب «حزب الله»، فهو طلب غير قابل للبحث في اي زمان ومكان».

وتؤكّد ذلك قراءة لمسؤول كبير اممي غير مدني، حيث ابلغ الى مجموعة من النواب اللبنانيين زاروا مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة في الساعات الاخيرة، انّ الوضع بالغ الدقة والحساسية واحتمالات تصاعده الى مخاطر اكبر قائمة، رغم اننا حتى الآن نلحظ محاذرة الجانبين (اسرائيل و«حزب الله») من الدخول في حرب واسعة، وتجنّب استهداف المدنيين وعدم توسيع نطاق المواجهات. مشيراً الى انّ قيادة «اليونيفيل» تقوم بواجبها في التواصل مع جميع الاطراف لخفض التصعيد ومنع تفاقمه. ومؤكّدا انّ اساس الحل هو احترام القرار 1701.

وبحسب ما نقل هؤلاء النواب فإنّ المسؤول الاممي غير المدني وصل في ختام قراءته الى تأكيد ضرورة بلوغ حل سياسي يحسم نقاط الخلاف، ولاسيما النقاط الـ13 المختلف عليها، الّا انّه اشار في هذا الصدد الى أنّ مطلب سحب «حزب الله» من المنطقة الى ما بعد الليطاني او الى اي مكان آخر، هو مطلب صعب جداً وغير منطقي».

الجمهورية

مقالات ذات صلة