لماذا يضطر الأميركيون للاختيار بين عجوزين: كل الخيارات خطرة ومريرة للديموقراطيين!؟

لا أدري إن توقع ترامب في استطلاعات الرأي المكافأة التي قدمها له بايدن بعد أدائه الكارثي في المناظرة: 67٪ لصالح ترامب إلى 33٪ لبايدن، ليشهد أسوأ وضع يمكن أن ينهي فيه عجوز سياسي حياته السياسية.

كانت غالبية الناخبين المعتدلين مستاءة من أن تضطر للخيار بين مرشحين، أحدهما مشكوك في كفاءته وريادته، والثاني خطر على الاستقرار وغير صادق وديماغوجي.

في نهاية الأمر فشل الطرفان في طمأنة الناخبين، ولم يقدما أي برنامج مقنع للمستقبل، بل تبادلا اللكمات الشخصية.

كان ضعف بايدن صادماً، ولكن بذات القدر كان إقناع الأميركيين بصدق ترامب أمراً صعباً، بل سيكون من الصعب إقناع الأميركيين بأنه دفع مبالغ كبيرة لإسكات امرأة “لم يقم بعلاقة حميمة معها”، وأن عشرات الملايين من الإرهابيين المهاجرين دخلوا البلاد، الخ…

أسوأ ما في المناظرة كان غياب البرامج والقرائن والأرقام. لم يقدم بايدن برنامجاً في ما يتعلق بالمهاجرين، ولا تصوراً واضحاً عن الإجهاض، وفي مجمل القضايا، قدم بايدن إطاراً عقلياً غير واضح وعفا عليه الزمن. ولم يجب على أسئلة عديدة مثل إدانة أحداث 6 كانون الثاني (يناير) والتزامه بالاعتراف بنتيجة الانتخابات المقبلة في حال خسارته، ولا حول مشكلة التضخم، ولا خططه حيال المهاجرين والإجهاض والأطفال الخ… لكن ترامب، وعلى عكس حملاته السابقة، أظهر مستوى مدهشاً من الانضباط.

لذلك فحين تصبح خيارات الأميركيين ما بين عجوزين سياسيين أحدهما غير كفي، والثاني لديه حضوره لكنه غير صادق ومراوغ، تصير نقاط ضعف بايدن نقاط قوة لترامب، بالمقابل تصبح نقاط ضعف ترامب مصدر المزيد من الإحباط للديموقراطيين والمعتدلين.

لكن، لماذا يضطر الأميركيون للاختيار بين عجوزين؟
في نهاية المطاف ليست الديموقراطية فناً لتنظيم المجتمع، بل أقرب لفن إدارة الفوضى المجتمعية. فبسبب التسارع الكبير في النمو والتحول المجتمعي والسياسي، تمر أميركا بأزمات دورية كل بضعة عقود. خلال أزمة الستينات بعد مقتل كينيدي ثم مارتن لوثر وحركة الهيبيين والحرب الفيتنامية، تحدثت النخب عن انهيار البلاد وسقوطها الوشيك بحضن الشيوعيين. لكن، بوصول ريغان، أظهر النموذج الديموقراطي الليبرالي قدرة على إصلاح نفسه هذه المرة أيضاً.

يبدو أننا نمر بأزمة ومنعطف مشابهين، حيث يتصاعد صراع الأجيال.

تصلبت وفشلت المؤسسة السياسية وتخلفت طويلاً عن تقديم الأجيال الشابة. وبعدما أطاح ترامب بالجمهوريين التقليديين في حزبه صعد بدلاً عنهم قيادات من يمين الجيل ذاته. وكذلك في الحزب الديموقراطي، فلقد بقيت تمسك بزمامه طبقة ممتدة من عائلة كلينتون إلى كيري وأوباما وبايدن الخ… لذلك يغضب الأميركيون من إجبارهم على الاختيار بين عجوزين. وأكثر ما يخشاه الديموقراطيون الآن أن يعاقبهم الجمهور لا حباً بترامب بل انتقاماً من هرم الديموقراطيين.

بعد المناظرة، أظهرت سلسلة من الحقائق عمق الأزمة في الحزب الديموقراطي.

بعد ساعة من نهاية المناظرة أصدرت صحيفة ديموقراطية مقالة تطالب بايدن بالتنحي، ثم اجتمعت هيئات تحرير عدد من الصحف المرموقة لتؤكد ذلك، وبدأ الممولون يحجمون عن التبرعات، وطالب خبراء استراتيجيون ديموقراطيون بتبديل بايدن بعد كارثة المناظرة.

ثمة أنباء أن بايدن سيستضيف “اجتماعاً لمعرفة ما اذا كان سيتم إلغاء جمع التبرعات” الخ… ذلك ان التصويت العقابي لن يقتصر على الرئيس، بل سيطال بشكل واسع أعضاء الكونغرس. وسيعني ذلك تمزق القاعدة العريضة للحزب!

ومقابل إصرار جيل، زوجة بايدن، على ترشحه، تتسرب أخبار لقاءات مع بايدن تجمع كلينتون وأوباما وغيرهما من قادة الحزب الديموقراطي.

ويقول العديد من الديموقراطيين إنه في حين أن لا شيء في أداء ترامب قد أقنعهم باحتمال فوزه، فإن ضعف بايدن هو ما سيجر الحزب للكارثة.

يقلق العديد من الديموقراطيين من أن فتح الترشيح من جديد على مصراعيه قبل أقل من شهرين من المؤتمر الوطني يحمل مخاطر كبيرة. لكن، فيما ترجح أوساط ديموقراطية واسعة خسارة السباق من قبل حصانها الهرم، فإن تغيير الحصان قبيل خط النهاية يبقى محفوفاً بالمخاطر. لكنّ قطاعاً واسعاً من أهم الديموقراطيين يفكرون بهذا السيناريو. فهل يمكن دفع بايدن لسحب ترشيحه؟

يقول أحد الخبراء والمستشارين الهامين المتحمسين لبايدن إن “هناك احتمالاً كبيراً جداً بأنه لن يكون المرشح”. لكنه يضيف: “لا أعرف كيف يحدث ذلك”.

لكن في حال تنازل بايدن عن السباق، يتوقع أن ينطلق سباق قصير بين عدد من المرشحين الديموقراطيين الثانويين في الأيام القليلة المقبلة، وسيلي ذلك تقدم المرشحين الرئيسيين.

وفي حال انسحب بايدن طواعية، “فهناك العديد والعديد من الطرق لاستبداله”، فلقد “تم بالفعل انتخاب حوالي 4000 شخص للمؤتمر. كما حصل في 2016 في الحزب الديموقراطي خلال السباق بين كلينتون وساندرز حين قام ما يسمى بالمندوبين الكبار – حوالي 750 مسؤولاً منتخباً وغيرهم من المطلعين بأمور الحزب بإحالة الأمر إلى جولة ثانية في المؤتمر”.

وحتى لو لم ينسحب بايدن من السباق، ثمة إمكانية ان يتحداه مرشحون آخرون في الاجتماع الحزبي الموسع للمندوبين. وهذا ما حصل إبان حرب فيتنام عندما تنحى ليندون جونسون، الرئيس الديموقراطي عام 1968، تحت ضغط تحدي يوجين مكارثي وروبرت إف كينيدي. ورغم أن إزاحة بايدن ستكون صعبة، ثمة قواعد أقرت إبان المعركة التمهيدية المريرة عام 1980، عندما تحدى السناتور تيد كينيدي، الرئيس الضعيف جيمي كارتر. في حينه وافق الديموقراطيون على إلغاء “قاعدة الروبوت”، التي تلزم مندوبي المؤتمر الحزبي بالتصويت للمرشح الذي تم اختياره لدعمه.

ويقول بعض الخبراء إن الحديث عن استبدال بايدن قد يتبدد بمجرد تلاشي الصدمة الأولية للمناظرة. وفيما تشكل كامالا هاريس عقبة أمام ترشيحات الآخرين، إلا أن ترشيح منافسين من الوزن الثقيل – مثل حاكمي ميشيغان غريتشن ويتمير، وغافين نيوسوم من كاليفورنيا، قد ينهي هذا الخلاف، ليبقى التساؤل عما سيسوقه هكذا تبديل من انقسامات في صفوف الحزب وصفوف ناخبيه.

بعد المناظرة لن يمضي الحزب الديموقراطي وكأن شيئاً لم يكن. لكن كل الخيارات خطرة ومريرة وقد تعني فوزاً حاسماً لترامب!

سمير التقي- النهار العربي

مقالات ذات صلة