الحزب “الإرهابي” وانتخابات أميركا: ماذا لو عاد ترامب؟
قبل أن تنتهي المناظرة الرئاسية الأميركية بين المرشّحين جو بايدن ودونالد ترامب، رجّح المراقبون كفّة عودة الأخير على استمرار الرئيس الحالي. وفق ملاحظات الإعلام الأميركي كما الإسرائيلي بدا بايدن “متعباً ومتلعثماً”، مقابل ترامب القوي الذي أحسن إدارة الهجوم على خصمه. لهذه الانتخابات انعكاساتها على الشرق الأوسط ولبنان. الحزب “الإرهابي” كما نعته ترامب يوم كان رئيساً فتح معه بايدن حواراً غير مباشر. فماذا لو عاد ترامب وسط كلّ التعقيدات في المنطقة؟ وما هي الفوارق بنظره بين بقاء الديمقراطيين أو عودة الجمهوريين؟
في جردة حساب لما شهده عهد بايدن على مستوى العلاقة مع إيران والحزب. أنهى ترامب الاتفاق النووي مع إيران. وحين تسلّم بايدن كان ينتظر منه إعادة إحيائه ولم يفعل. بقيت العلاقة بين إيران والولايات المتحدة متوتّرة إلى أن وقعت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر وفرضت حرب إسرائيل على غزة معادلات جديدة تبيّن من خلالها أنّ الولايات المتحدة التي كانت تعتمد على إسرائيل لحماية مصالحها في الشرق الأوسط باتت مضطرّة إلى أن تحمي بنفسها مصالحها وإسرائيل معاً. أصبحت أكثر عقلانية في مقاربة قضايا الشرق الأوسط وتبحث عن سبل إنهاء الحرب على غزة. وسُجّل للمرّة الأولى تقدّم الولايات المتحدة بقرار إلى الأمم المتحدة لوقف حرب غزة وإن لم تمتثل إسرائيل لتطبيقه.
تطوّر هذا الأمر باتجاه لبنان، وبعد السابع من أكتوبر بثلاثة أيام حضرت شخصية أمنيّة غربية رفيعة المستوى (تردّد أنّها أميركية) للاجتماع مع مسؤولين في الحزب وانتهى الاجتماع إلى صدمة. هدّد الموفد الغربي لبنان بحرب إسرائيلية تدمّر لبنان، فأجابه مسؤول الحزب أنّ كلفة تدمير إسرائيل ستكون عشرة أضعاف، فأجابه الموفد الغربي: وماذا لو دخلت إسرائيل لبنان مجدّداً؟ فكان ردّه: سندخل إلى الجليل، فقال له الموفد: حينها ستطأ جزمة الأميركي أرض لبنان، فقال له مسؤول الحزب: سنلتقي في تل أبيب إذاً.
منذ بداية الحرب حاولت الولايات المتحدة ترهيب الحزب بالحرب و”فشلت”، ثمّ حضر الموفد الأميركي آموس هوكستين معلناً أنّ بلاده معنيّة بعدم توسيع الحرب على لبنان وأنّها لا تطالب حالياً بتطبيق القرار 1701 وإنّما بانسحاب الحزب بضعة كيلومترات عن الحدود. ولم نعد نسمع على لسان المسؤولين الأميركيين أنّ الحزب إرهابي.
بشكل غير مباشر تطوّرت العلاقة عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي وصفه هوكستين بالزعيم أو “boss” كما قال. صار التعاطي مع الملفّ اللبناني على مستوى الموفد الرئاسي هوكستين مقابل ضمور دور السفيرة الأميركية ليزا جونسون، التي قيل يوم تولّت مسؤوليّاتها أنّها ستكون المرأة الحديدية لبلادها في لبنان. كلّ ذلك يدفع إلى الاستنتاج بأنّ الحزب لا يميّز بين الإدارتين الأميركيّتين الجمهورية والديمقراطية بالنسبة إلى لبنان والمنطقة لأنّه يقيس العلاقات بمقياس فلسطين، وما دام الحزبان يعتبران إسرائيل حليفاً ويهتمّان لمصالحها بالدرجة الأولى فأميركا بالنسبة له طرف منحاز، لكنّ هذا لا يمنعه من التعاطي بواقعية مع الحزب الجمهوري. استقبل موفداً مصريّاً يوضح حرص الولايات المتحدة على التعاطي بواقعية والمطالبة بانسحاب الحزب بعيداً عن الحدود الجنوبية. ثمّ سلّمت كما إسرائيل بوجود قواعد اشتباك جديدة أعلنها الأمين العامّ السيد حسن نصر الله.
يشير كلّ ذلك إلى أنّ إدارة بايدن بسلوكها طوال السنوات الأربع من الولاية وعلى الرغم من كلّ صعوبات العلاقة بين أميركا وطهران والحزب إلا أنّها توصّلت إلى إرساء قواعد تعاطٍ جديدة مع الحزب واستأنفت الحوار مع إيران واتفقت معها على ملفّات عدّة من اليمن إلى العراق فلبنان.
ما يدفع إلى الاستنتاج أنّ الحزب بخلفيّته التقط الإشارات التي أُعطيت له من إيران بأنّ التعاطي مع بايدن يبقى أسهل من الجمهوريين، وهو يتمنّى بقاءه في الحكم أكثر من المغامرة مجدّداً بعودة ترامب.
موقف الحزب
يرى الحزب أنّ من السابق لأوانه الانخراط في تحليلات حول الموضوع. انشغاله بجبهة الجنوب في مواجهة إسرائيل يستحوذ على اهتمامه، وحسب ما تقول أوساطه القريبة فإنّ ردعه لإسرائيل لا يتوقّف على موقف أميركا ومن هو في البيت الأبيض بل على قدرة الحزب على ضرب إسرائيل في كلّ الأماكن الحسّاسة والاستراتيجية وبلا سقوف مسبقة. فوز ترامب لن يجعله يتراجع عن موقفه بالاستمرار بجبهة المساندة، وإن كان مجيئه سيعني حتماً نهاية مهمّة هوكستين.
يقول الدكتور علي فياض النائب في كتلة الوفاء للمقاومة: “عادة لا يكترث الحزب لطبيعة الفروقات بين المرشّحين الأميركيين وإن كان يراقبها عن كثب. من حيث المبدأ لا يرى اختلافاً جوهرياً بين مرشّح وآخر ولا أنّ سياسة الإدارة الأميركية ستتغيّر مع وصول هذا المرشّح أو ذاك. ربّما في ملفّات أخرى قد نجد خلافاً لكن ليس في ما يتعلّق بالسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية حيث لا فروقات ولا تأثير لنتائج الانتخابات أو تغيير الرئيس”. يتابع نائب كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض: “لا تؤثّر نتيجة الانتخابات الرئاسية على سياسات الإدارة الأميركية، وربّما ستكون الفروقات واضحة في ما يتعلّق بالحرب الروسية الأوكرانية وملفّ العلاقات مع الصين، لكن لن نرى تأثيراً واسعاً أو دراماتيكياً على قضية فلسطين أو الصراع العربي مع إسرائيل”. برأي نائب الحزب فإنّ “هناك ثوابت تحكم السياسة الأميركية تجاه إسرائيل. حتى بايدن أطلق خلال ولايته مواقف من حرب إسرائيل على غزة لم تكن إلا مواقف إعلامية فارغة لتخفيف الحرج أمام الرأي العام العالمي، لكنّ الإدارة الأميركية لم تتّخذ أيّ إجراءات ملموسة تجاه إسرائيل لوقف الحرب”.
وعمّا إذا كان وصول ترامب يرفع من احتمالات شنّ حرب إسرائيلية على لبنان رأى النائب علي فياض لـ”أساس” أنّ الحزب لا يزال يتعاطى على قاعدة أن لا مصلحة لأميركا بتوسّع الحرب ولا قدرة لإسرائيل على مواجهتها، وأنّ وقوع الحرب سيهدّد المصالح الأميركية في المنطقة بأسرها. لا يرى فياض أنّ السياسة الأميركية ترتبط بأشخاص، فسياساتها عادة ما تكون ثابتة ومواقفها صادرة عن وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات، و”لذا حتى لو حصل تغيير في شخص الرئيس وفاز دونالد ترامب فإنّ هذا لن يؤدّي حتماً إلى وجود تغيّرات جذرية في السياسة الأميركية وإن كان هذا لا يلغي وجود تمايزات في السياسة بين الحزبين المتنافسين لكن ليس لدرجة تغيير سياسة أميركا العامة وعلاقتها مع إسرائيل”.
اساس