دخلت لعبة عَضّ الأصابع مرحلة الخطر الحقيقي: تهديد المطار رأس خيط لقصة كبيرة!

دخلت لعبة عَضّ الأصابع بين إسرائيل و«حزب الله» مرحلة الخطر الحقيقي. وبدأ الطرفان يستخدمان أوراقاً كانت مخبّأة للأيام الصعبة. وإذا فشلت ديبلوماسية عاموس هوكشتاين، فالآتي سيكون عظيماً ومريعاً بكل ما في الكلمة من معنى.

«المعلومات» التي أوردتها صحيفة «التلغراف»، عن وجود أسلحة وذخائر لـ«حزب الله» في مطار بيروت، كان مقصوداً تسريبها عبر صحيفة بريطانية لها رصانتها ووزنها الدولي، لإيصال الرسالة المنشودة إلى الذين يعنيهم الأمر، وفي التوقيت المناسب.

البريطانيون استاؤوا جداً من التهديد الذي أطلقه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أخيراً في اتجاه قبرص، حيث لهم قواعدهم العسكرية، على خلفية الاتهام باستخدام الطيران الإسرائيلي أراضي الجزيرة في العمليات التي شنّها أو سيشنّها على أهداف لـ«الحزب» في لبنان. ولمحَ إلى أن قبرص ستكون هدفاً معادياً إذا قدمت التسهيلات للإسرائيليين.

طبعاً، «حزب الله» يدرك أن الرسالة موجهة فعلاً إلى بريطانيا لأنها صاحبة القرار في قبرص، ولها السيادة على قواعدها العسكرية هناك. أمّا قبرص، فما فعلته هو أنها شاركت في مناورات على أرض الجزيرة، ضمّت الإسرائيليين، قيل إنها تحاكي هجوماً محتملاً على لبنان. لكن المسؤولين القبارصة يحرصون على إنكار أي تورّط للدولة في الهجمات الجوية الإسرائيلية على لبنان، ولو من باب تقديم التسهيلات.

لكن ما لا تنكره قبرص هو أنّ علاقاتها بإسرائيل تطورت كثيراً في الأعوام الأخيرة، خصوصاً في مجال استخراج النفط والغاز في المتوسط، ومشاريع نقل الطاقة بحراً من شاطئ إسرائيل إلى أوروبا مروراً بقبرص فاليونان وإيطاليا وفرنسا.

واضح أن بريطانيا رَمت قنبلة دفاعية تهدف إلى ردع «الحزب» عن أي تفكير بتهديد قبرص، فكان التهديد الضمني، وعبر صحيفة بريطانية، بضرب مطار بيروت وإخراجه من الخدمة. وعلى الأرجح، استشعرت بريطانيا أن الوقت بات داهماً للحرب المحتملة مع لبنان، والتي تريدها إسرائيل قبل أيلول، إذا فشلت الديبلوماسية. ولذلك، جرى التلويح بالورقة الأشد رعباً للبنان، وهي ضرب مطاره الدولي الوحيد، ما يكبّده خسائر فادحة جداً ويعزله تماماً عن العالم لمدة غير معروفة.

بعض المتابعين يجزم بأن التهديد البريطاني تم تنسيقه مع إسرائيل التي أربَكها «حزب الله» بمسيّراته في داخل العمق الإسرائيلي، حيث رصد مواقع استراتيجية حساسة جداً، في مناطق حيفا و»ما بعد بعدها».

في الفيديو الأول، أظهر «الحزب» ما رصده «الهدهد» الذي أرسله: مدينة حيفا ومجمع الصناعات العسكرية «رافائيل»، والميناء والقاعدة العسكرية الأساسية للجيش ومبنى وحدة الغواصات وسفينتا «ساعر»، والمطار ومحطة الكهرباء وخزانات الوقود والمنشآت البتروكيماوية.

وإمعاناً في التحدي، نشر «الحزب» فيديو آخر يكشف مواقع وإحداثيات لمطار بن غوريون، ومصافي الغاز والنفط ومحطة الكهرباء في عسقلان، وميناء أسدود وتجمّع ديمونا. وهذه المواقع تصنف في المرتبة الاستراتيجية الأولى في إسرائيل.

وللتذكير، «تهمة» تخزين «الحزب» للصواريخ في مطار بيروت ليست جديدة ولم يبتكرها البريطانيون. ففي العام 2016، تحدثت وسائل إعلام عربية بارزة عن استخدام «الحزب» للمطار مقراً لاستقدام الأسلحة من إيران. وبعد عامين، أعلن بنيامين نتنياهو أن «حزب الله» يمتلك مستودعات للصواريخ، بعضها قرب المطار، ومصانع مهمتها جعل هذه الصواريخ دقيقة التوجيه. ثم عاد نتنياهو إلى استغلال هذه المسألة في أيلول 2020، بعد شهر من انفجار المرفأ، فأظهَر على منبر الأمم المتحدة خرائط وصوراً أراد بها تأكيد ذلك.

اليوم، هناك عرض عضلات متبادل: «الحزب» يطلق الرسائل في اتجاه إسرائيل وقبرص وبريطانيا، وإسرائيل تهدد بحرب شاملة ومدمرة، وقد يصبح مطار بيروت على لائحة أهدافها بعد الضجة المُثارة أخيراً حوله. وبذلك، دخلت قواعد الاشتباك بين الطرفين مرحلتها الأشد خطراً، إذ تدرجت من حرب المناوشات المحاذية للحدود، إلى العمليات على مستوى الجنوب والبقاع الغربي، ووصلت إلى التهديد المتبادل، الانتحاري، بتدمير المواقع والمنشآت الفائقة الأهمية استراتيجياً في المدن الكبرى، في عمق كل من لبنان وإسرائيل. ويجهد كل طرف في إظهار حجم الأذى الذي يستطيع أن يسببه للعدو، إذا تجرأ وبادرَ إلى توسيع الحرب. وتعتبر إسرائيل أن إصرار «الحزب» على مواصلة القتال، ربطاً بغزة، هو الشرارة الطبيعية للانفجار الكبير، فيما يرى «الحزب» أنها المسؤولة عن أي مغامرة كبرى لأنها هي التي أخرجت الحرب عن ضوابطها الأساسية.

وتحت وطأة هذا المنسوب المرتفع جداً من التوتر، بل التهوّر أحياناً، حيث الجميع يهدد الجميع، يصبح مؤكداً أن لبنان وإسرائيل مقبلان على حرب لم يختبراها من قبل، من حيث العنف وطبيعة الأهداف وخطورتها وحجم الخسائر البشرية والمادية وتعدد الأطراف المشاركة، إذا وقعت هذه الحرب. لكن المعجزة ستكون في أن هوكشتاين سينقذ مبادرته والجميع في اللحظات الأخيرة.

طوني عيسى- الجمهورية

مقالات ذات صلة