انه الرعب في مقابل الرعب: “الهدهد” يحط في مطار بيروت!

يجاهر “حزب الله” بالتقاط صور استراتيجية لمدينة حيفا ومطارها، فتسرّب اسرائيل في ما يبدو، وعبر “الديلي تلغراف” البريطانية أن مطار بيروت تحوّل مخزناً للأسلحة والصواريخ الوافدة من ايران.

انه الرعب في مقابل الرعب، ورد الفعل المحتمل على أي فعل محتمل، لا بل السباق بين طرف يريد أن يخبر عدوه أن يده قادرة على الوصول الى أي هدف ساعة يشاء، وطرف يريد أن يخبر عدوه أنه قادر على شل هذه اليد ساعة يشاء.

كل شيء على الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية يوحي بأن العد العكسي لاندلاع حرب واسعة قد بدأ فعلاً، لكن العد بدأ متدرجاً من الرقم مئة لا من الرقم عشرة وذلك بضغط من واشنطن لدى تل أبيب، وطلب من ايران لدى الضاحية الجنوبية.

والواقع أن الفريقين يعرفان أن ما يجري بينهما منذ “الثامن من تشرين” لا يمكن أن ينتهي على غرار ما انتهت اليه “حرب تموز” في العام ٢٠٠٦، الا اذا أرادا العودة الى الميدان مجدداً بعد بضع سنوات، وهو ما يفسر التردد الذي يتبعه “حزب الله” على الرغم من خسائره البشرية الموجعة والمحرجة، والحذر الذي تبديه اسرائيل على الرغم من الضغط الذي تتعرض له من اليمين المتطرف وآلاف السكان النازحين من الشمال نحو العمق الاسرائيلي.

أمران فقط يمكن أن يكشفا ما تحمله الأيام المقبلة، الأول يكمن في ما يمكن أن يفعله وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت في واشنطن، ويكمن الثاني في ما يمكن أن يقوله بنيامين نتنياهو في الكونغرس بعد أيام قليلة.

غالانت يحمل في جعبته مهمتين أساسيتين علنيتين: الأولى محاولة الحصول على أسلحة أميركية نوعية تحتاج اليها بلاده قبل الدخول في أي حرب مع “حزب الله”، والثاني إصلاح ذات البين بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو الذي يتردد أن خطابه المرتقب في مبنى الكابيتول سيسهم في تحديد هوية الرئيس المقبل للولايات المتحدة، وثمة مهمة ثالثة غير معلنة قد تكون مستقبل الائتلاف الحكومي في اسرائيل بعد انسحاب بيني غانتس منها.

أجواء واشنطن تشير الى أن بايدن بات أمام واحد من خيارين مرّين اما “الانتصار” على نتنياهو وتعويم “حماس” و”حزب الله” وهذا أمر غير وارد شعبياً واستراتيجياً، واما الانصياع له والانجرار نحو حرب اقليمية وهو أمر غير محبب عشية منافسة رئاسية حادة وصعبة مع منافسه الجمهوري دونالد ترامب.

وهنا لا بد من السؤال، ماذا يمنع واشنطن من اعطاء اسرائيل الضوء الأخضر لفتح الجبهة اللبنانية، وماذا يمنع ايران من اعطاء “حزب الله” تأشيرة الخروج من قواعد الاشتباك الى اشتباك بلا سقف ولا قواعد؟

الجواب لا يحتاج الى الكثير من التدقيق والتحليل، فهو بكل بساطة يرتبط بنتيجة الحرب في رفح، وسط أجواء تشير الى أن ايران قد تطلب من حسن نصر الله فتح جبهة الجنوب عندما تتأكد من أن حركة “حماس” توشك على السقوط، وأن واشنطن قد تطلب من نتنياهو التوجه شمالاً اذا تأكدت من أن محور الممانعة قد يوسع الحرب نحو مياه البحر الأبيض المتوسط بعد البحر الأحمر، ومن أن ايران توشك على انتاج قنبلة نووية.

وليس من قبيل المصادفة أن تتحرك الحاملات والبوارج الأميركية نحو شرق المتوسط، أو أن يكثف الحوثيون عمليات التضييق على الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، أو أن تحذر الحكومة العراقية من عودة الهجمات المتبادلة بين “الحشد الشعبي” والقوات الأميركية المرابطة في البلاد، في تطورات تؤكد أن ايران وضعت اسرائيل والولايات المتحدة أمام واحد من أمرين: اما الحرب الاقليمية الواسعة وليكن ما يكون، واما فك الحصار عن “حماس” وقائدها يحيى السنوار وليكن ما يجب أن يكون.

والسؤال هنا، هل يتجاوب الأميركيون؟ وهل تتوقف الدبابات الاسرائيلية عند أعتاب السنوار؟

يقول مصدر ديبلوماسي قريب من الأميركيين ان بايدن لا يملك الا السعي الى تسهيل انتصار اسرائيلي، حتى لو كان انتصاراً لخصمه غير المتوقع نتنياهو، وان الامام خامنئي لا يملك الا خيار الحرب اذا أراد أولاً الاحتفاظ بمصداقيته فعلاً وأراد ثانياً إنقاذ “حماس” والاحتفاظ بانتشار عسكري مباشر على حدود اسرائيل، وكذلك بدور سياسي مؤثر على الساحات السياسية الخاصة بأي تسوية فلسطينية – اسرائيلية.

وانطلاقاً من هذا المشهد القاتم، يمكن فهم رحلة “الهدهد” التي رمت الى إفهام اسرائيل أن سقوط “حماس” لن يكون أمراً عرضياً، وتقرير “الديلي تلغراف” الذي رمى الى إفهام “حزب الله” أن الحرب، اذا وقعت، ستبدأ أولاً من مطار بيروت وستحشره مع جميع اللبنانيين في زاوية ضيقة البقاء فيها صعب والخروج منها مستحيل.

المسألة ليست مسألة مطار يختزن أو لا يختزن صواريخ ايرانية في بلد تحول الى ترسانة ممانعة لا توفر أي منطقة من الشمال الى الجنوب، وليست مسألة يمين متطرف في تل أبيب وهو المتفق بشبه اجماع تقريباً على مواصلة الحرب، بل هي وصول “حماس” الى مرحلة لا يمكن أن تصمد فيها أكثر، ووصول اسرائيل الى مرحلة لا يمكن أن تتراجع فيها، ووصول ايران الى مرحلة لا يمكن أن تتقلص فيها، ووصول أميركا الى مرحلة لا يمكن أن تتهاون فيها، ووصول الجميع الى مرحلة لا باب مفتوحاً فيها يتعدى باب الحرب ولو مرغمين.

العد العكسي بدأ، ولا شيء يوقف العد الا ما هو أفضل من الحرب، فهل هناك ما هو أفضل منها؟ وهل هناك من يملك بديلاً عنها سواء في الشرق أو في الغرب؟

حتى الآن، اسرائيل تضيّق الخناق على “حماس” ويحيى السنوار، ولا تترك لايران وحلفائها أي خيارات أخرى تتعدى الانسحاب من الميدان ريثما تتكشف الأمور عن غالب ومغلوب، فهل تضغط ايران على الزناد، أم تختار التخلي عن “حماس” لشراء الوقت المتبقي لإنتاج القنبلة النووية الموعودة، وبعد ذلك لكل حادث حديث؟

لا شك في أن جميع أطراف الصراع يعانون وضعاً معقداً ومتشابكاً لا يوفر الكثير من الخيارات، وكل شيء قائم على أمرين أساسيين لا شريك لهما، وهما أولاً قرار ايراني – أميركي بفتح الجبهات كخيار لا بد منه، والثاني خطأ مقصود أو عفوي يمكن أن يرتكبه متهور في الجنوب أو مجنون في الشمال.

انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة