هل أصبحت الحرب ضرورة لطهران وتل أبيب؟

أعطت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة الى بيروت مؤشراً واضحاً لإنتقال الإشتباكات الدائرة على الحدود اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل الى مرحلة جديدة من التصعيد. إنسداد الأفق الذي عبرّت عنه الشروط المقتضبة للموفد الأميركي بوقف فوري لإطلاق النار كخيار وحيد لتجنب الحرب الشاملة لاقته ردود حزب الله عبر جولة إستطلاعية لمسيّرة «الهدهد» التي كشفت عن قائمة أهداف ومرافق حيوية وبنى تحتية عسكرية إسرائيلية، وتلاها إعلان أمين عام حزب الله حسن نصرالله الإستعداد للمواجهة بقدرات صاروخية غير مسبوقة ودون سقوف، مضيفاً قبرص الى لائحة الأهداف المحتملة للحزب إن سمحت لإسرائيل باستخدام مطاراتها.

لقد أدخل التهديد الموجّه للجمهورية القبرصية الإتّحاد الأوروبي إلى ساحات المواجهة الآخذة بالإتّساع إلى ما بعد الحدود الشمالية لإسرائيل لتشمل شرق المتوسط، بما يضفي على المواجهة المرتقبة طابعاً دولياً لا تتسع له عباءة المرشد. لقد أضاف الموقف الأوروبي المندّد بتهديد حزب الله والمتضامن في مواجهة أي تهديد لدول الإتّحاد ــــــ خلال إجتماع وزراء خارجية الإتّحاد في لوكسمبورغ يوم أمس ــــــــــ مكوّناً جديداً ينبغي احتسابه في ميزان القوى المتدخلة في الإقليم، هذا ما يمكن قراءته من كلمة المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية جوزيب بوريل الذي حذَر من تداعيات تصاعد رقعة الصراع في لبنان معتبراً «أن احتمال نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله بات أمراً واقعاً».

وقد يكون في التقرير الذي نشرته صحيفة «تلغراف» اللندنية حول استخدام مطار رفيق الحريري الدولي من قِبل حزب الله لتخزين الأسلحة والصواريخ ومطالبة الإتّحاد الدولي للطيران المدني بإقفاله أكثر من رسالة أوروبية وربما تحذير أوروبي بتوقيع بريطاني بوضع المطار على لائحة الأهداف أسوّةً بالمرافق التي حذّر نصرالله قبرص من استهدافها إذا ما وُضعت أمام إسرائيل لخدمة الحرب على لبنان.

يشكّل الإستنفار الأوروبي الجديد إضافة نوعية وكمية الى الموقف الإسرائيلي المتحفز دائماً للحرب، لا سيما بعد المواجهة المشتركة التي خاضتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسرائيل بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في التصدي للهجوم الإيراني بمئات المسيّرات والصواريخ على إسرائيل في 13 أبريل /نيسان المنصرم. لقد أنتجت تلك المواجهة مفهوماً أوروبياً إسرائيلياً مشتركاً للمخاطر التي تشكلها طهران جراء تطور قدراتها الصاروخية وهو ما يؤسّس لدور أوروبي يتماهى مع استراتيجية واشنطن في المنطقة ويرسم لأوروبا دوراً لطالما افتقدته في المنطقة.

تقارب طهران هذا الإصطفاف الغربي والإندفاعة الإسرائيلية نحو شن عملية عسكرية على جنوب لبنان بما يشبه الموقف الذي اتّخذته من عملية طوفان الأقصى منذ إندلاعها، حيث سارعت في حينه إلى التنصل من أي دور لها في الهجوم الذي شنته حماس على غلاف غزة دون أن تتنكر لدورها في تدريب مقاتلي حماس وتزويدهم بالصواريخ والمسيّرات والخبرات اللازمة. تسجّل طهران اليوم موقفاً مماثلاُ في ظلّ تصاعد حدّة الإشتباكات على الحدود اللبنانية وارتفاع مخاطر الذهاب الى حرب مفتوحة، بما يؤكد أن طهران ستدفع بفصائلها الموجودة في سوريا والعراق وقد تستقدم مجموعات أخرى لخدمة الحرب التي ستقودها من المقعد الخلفي.

هذا ما يمكن قراءته من موقف بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في 21 من الشهر الجاري بإن «حزب الله» اللبناني لديه القدرة على الدفاع عن نفسه وعن لبنان في مواجهة إسرائيل، وما يمكن قراءته كذلك من موقف قائد القوات البرية في الجيش الإيراني «كيومرث حيدري» أن «محور المقاومة لن يقف صامتاً في حال اندلعت حرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان في ظل تصاعد حدّة المواجهات بين الجانبين وسط تحذيرات من حرب شاملة».

يتجاوز طموح طهران تأكيد دور الوكيل الإقليمي الذي اضطلعت به منذ الدخول الأميركي الى العراق نحو الإرتقاء بهذا الدور الى حدود الشراكة. هذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع مستشار الأمن القومي العراقي في 13 من الشهر الجاري: «خلافات أميركا مع إيران تعود للحصة التي خصونا بها، نحن لم نقبل بذلك، ونسعى للحصول على حصتنا في المنطقة». وإذ تنتظر إسرائيل المتحفزة للحرب الضوء الأخضر الأميركي وتسيير صفقات الاسلحة والذخائر التي تحتاجها لإطلاق عمليتها العسكرية على لبنان، تدرك طهران بدورها أن طموحها بالتحول الى شريك لواشنطن يقتضي المغامرة بأذرعها في المنطقة نحو منازلة مكلفة لتحقيق معادلة إقليمية جديدة، وبهذا المنطق تصبح الحرب ضرورة لكل من طهران وتل أبيب ونقطة التقاطع الوحيدة المتاحة بينهما.

العميد الركن خالد حماده – اللواء

مقالات ذات صلة