العمالة السورية في لبنان… “اقتصاد مواز”

يهيمن العمال السوريون على قطاعات اقتصادية كثيرة في لبنان وعلى رغم الحملات الأمنية ضد المخالفين فإن نسبة منهم تمتلك عدداً كبيراً من المؤسسات العاملة

تحظى “العمالة السورية” بحصة كبيرة من سوق العمل اللبنانية إذ يشغلون قطاعات اقتصادية كالزراعة والبناء والمطاعم والأفران، وشهدت فترة ما بعد عام 2011 افتتاح أعداد كبيرة من المؤسسات التي يمتلكها رجال أعمال سوريون، وانتشرت في بعض المناطق الشمالية والبقاعية محال الحلويات والمطاعم التي تعد فروعاً لأشهر المؤسسات السورية العريقة، وكذلك كتاجر ما يعرف بـ”الوان دولار” علاوة على شركات العطور ومصانع الألبسة والبياضات.

وأسهم هؤلاء السوريون إلى حد كبير في الحركة الاقتصادية والتجارية على الأراضي اللبنانية لكن في الآونة الأخيرة برز مشهد الركود في بعض الأسواق مع بدء الأجهزة الأمنية حملة ضد المخالفين، وشددت الإجراءات بحق المؤسسات السورية والأفراد غير النظاميين فيما يؤكد عدد من أصحاب العمل أنهم يقومون بتنظيم عملهم، تجنباً للملاحقة والإقفال بالشمع الأحمر.

عمالة بلا سقف

وفي إحدى مقاهي الشمال يعمل الشاب أنور لفترة تتجاوز 14 ساعة يومياً وتصل إلى 16 ساعة في المناسبات، إذ يجهز الأراجيل ويقدم الخدمات المرتبطة بها. ويقول إن أجره لا يتعدى سبعة دولارات يومياً ويعتمد أحياناً على “البقشيش” الذي يقدمه له بعض الزبائن، ويسكن الشاب الذي لم يتم عمره 17 سنة في منطقة بعيدة من مكان عمله لذلك ينام في كثير من الأحيان في إحدى زوايا القهوة، ولا يحظى الشاب بأي وقت للراحة يومياً أو إجازة أسبوعية مدفوعة علاوة على عدم وجود أي تأمين أو تغطية صحية واجتماعية.

ويعد هذا الشاب السوري واحداً من بين آلاف العمال الذين تقوم على كاهلهم قطاعات إنتاجية كثيرة، وهذا الأمر يتكرر على لسان قاسم الذي يعمل منذ قرابة ثلاثة عقود في قطاع الأفران، إذ عايش في لبنان كل الأزمات المتلاحقة منذ عام 2000.

ويشير قاسم إلى أنه يتكبد نفقات الإقامة لأن الكفيل – صاحب العمل – يرفض دفع أي مبلغ إضافي عنه منتقداً ازدواجية المعايير والسياسات غير المنصفة لمفوضية اللاجئين، فهو رغم ظروفه الاقتصادية والمالية “التعيسة” لا يحصل على أية معونة فيما تستمر بمنح مساعداتها لأشخاص وأفراد يمتلكون عملاً مستقراً ومربحاً، وشركاء في مؤسسات.

وتتعمق معاناة السوريين في لبنان ويضطر البعض منهم إلى دفع نفقات الإقامة عن نفسه، فيما يحد من حركة أفراد عائلته وكأنهم في “إقامة جبرية” ذلك أن “الدخل لا يتلاءم مع كلفة تجديد الإقامة”.

ومن ناحية أخرى يعجز بعضهم عن التجديد بسبب عدم امتلاك أوراق ثبوتية سورية وخوفه من التوجه إلى هناك وتوقيفه وإرساله إلى الخدمة العسكرية الإجبارية، وبين هذا وذاك تبرز الدعوة في أوساط سوريين لتنظيم الإقامة والوجود السوري في لبنان لأنه “لا توجد دولة تترك جالية بأكملها دون تنظيم”، وأنه “لا يجوز أخذ السوريين شماعة وتعليق الموبقات كافة عليها”، إلا أن “تنظيم الإقامة سيتيح للسوري المطالبة بحقوقه من رب العمل عند جود مخالفات”.

قطاعات سورية بامتياز

وتتفق الجهات الرسمية اللبنانية على عدم قدرة البلاد على تحمل عبء اللاجئين السوريين في البلاد. ففي مايو (أيار) الماضي أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن “عدد النازحين السوريين في البلاد يناهز ثلث عدد المواطنين”، مؤكداً رفض تحول بلاده إلى “وطن بديل”.

وفي وقت تشير بعض الإحصاءات إلى وجود 1,8 مليون سوري في لبنان منهم نحو 880 ألف سوري مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تحدث المدير العام للأمن العام إلياس البيسري خلال محاضرة في “بيت المحامي” في الـ12 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى أن العدد التقديري الإجمالي هو “مليونان ومئة ألف نازح، أي ما يشكل 43 في المئة من عدد المقيمين في لبنان” مقارنة مع عدد اللبنانيين الذين يبلغ عددهم تقديرياً أربعة ملايين و700 ألف لبناني.

وتطرق إلى إحصائية المفوضية التي تشير إلى أن 22 في المئة يقطنون في مخيمات غير رسمية و58 في المئة يقيمون في مبان سكنية غير صالحة ومكتظة، و20 في المئة في أماكن مختلفة وتراوح أعمار 43 في المئة منهم ما بين 19 و58 عاماً.

اتندبندنت

مقالات ذات صلة