هل سيقرأ الحزب في الكتاب السوري؟العودة إلى المستقلّين مسيحياً..ولكن ماذا يقول واقع التيار؟

قد تكون دراسة الساحة السياسية المسيحية اليوم، وتحديدًا حالة «التيار الوطني الحر» وما يدور في فلك «حزب الله»، هو استعجال لتقييم واقع يتبدّل بسرعة. ولكن، مع جمع المعطيات يمكن التوقّف عند العديد من النقاط التي باتت دراستها لازمةً نتيجة تغيّر عدد من الثوابت، كالحرب التي لا بدّ أن تبدّل الأولويّات لدى الأطراف السياسية، ما سينعكس انتخابيًا في فترات لاحقة، وشبه انهيار لورقة التفاهم بين التيار و»حزب الله»، وطبعًا انتهاء المفاعيل السياسية والشعبية لحالة 17 تشرين اللاتغييرية، رغم استمرار آثارها الإقتصادية القاسية.

انطلاقًا من العناوين الثلاثة، لا بدّ أيضًا من لحظ عاملين أساسيين؛ هما الحاجة التي تشكّلها الساحة المسيحية للقوى الوازنة لبنانيًا وإقليميًا بين الأمس واليوم من جهة، وهامش المناورة فيها في ظل تبدّل نسب التأييد الشعبي للمحورين المتصارعين من جهة ثانية.

وفي عمق الحالة، لطالما شكّل «التيار الوطني الحر» بالنسبة لـ«حزب الله» ومحوره، الضمانة المسيحية الكبيرة التي تحتاجها حركة المقاومة وعدد من الدول الداعمة لها كسوريا وإيران على الساحة اللبنانية، ولو من دون أن يتقصّد ذلك. فالتيار بموقفه الحليف والقريب من فلسفة مواجهة الاحتلال، أعطى المقاومة ما كان لا يمكن لها تحصيله من دونه، وما فشلت بتحصيله سابقًا منظمة التحرير لأسباب عدّة. كان «التيار الوطني الحر» بالنسبة للحزب القيمة المضافة الذي اعتبر الحزب أنّ الإتيان بها إلى «المحور» هو بمثابة إنجاز فك الحصار الدولي والأوروبي عليه. طبعًا لم يكن التيار وحده هو الشريك المسيحي، فكان لتيار «المردة» وما يمثله الحزب القومي مسيحيًا، إضافة لشخصيات مستقلة حليفة حضورًا أساسيًا، لكنه كان مضمونًا ولا داعي لبذل مجهود من اجل استقطابهم، كما حصل في حالة ورقة التفاهم.

بعد سقوط ورقة التفاهم نتيجة متغيّرات عدة، أبرزها عدم التزام «حزب الله» بعدد من النقاط، بحسب وجهة نظر التياريين، وبعد تبدّد حالة 17 تشرين وخفتان قوة الموجة التي شكّلتها بين عام 2019 و2022، وبعد موقف التيار من الحرب، باتت تتردّد على مسامع «حزب الله» آراء من حلفائه قد تغيّر، في حال الأخذ بها، في الستاتيكو القائم منذ العام 2006.

مصدر قيادي في الثامن من آذار، يكشف أنّ رأي الكثير من الشخصيات الحليفة لـ»حزب الله» يقول إنّ على الحزب عدم تركيز تحالفه أو دعمه على فريق سياسي واحد، كما جرى سابقًا، بل الالتفات إلى القوى التي «لم تراوغ» في المحطات الحساسة، وتحديدًا في ما يشبه واقع الحرب اليوم. لا ينكر المصدر أنّ «حزب الله» لا يزال متمسكًا بتحالفه مع التيار، ومع شخص الوزير باسيل، ولكنه بالطبع لن يتعاطى مع الملفات الحاسمة كما حصل عام 2016 وعام 2022 في استحقاقين أساسيين هما رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية الأخيرة. يعلم الحزب جيدًا حجم التيار، ولكنه يعلم أيضًا أنّه ومع حلفائه، بإمكانه إيصال 5 إلى 7 نواب مسيحيين من دون الحاجة إلى التحالف مع التيار، وهم إمّا حزبيون تابعون لـ«المردة» الذي قد يتصدّر المشهد في المرحلة المقبلة، ومعه القومي وعدد من البيوت السياسية، وإمّا من أولئك المستقلين الذين يدغدغون بخطابهم مشاعر بعض التياريين، وهم من المضمونين في حال وقع أي طارئ سياسي.

في الضفة الثانية، لا ينكر هؤلاء أنّ الكرة كانت ولا تزال في ملعب التيار، هو الذي ابتعد عن الحزب، وهو الذي تمايز داخليًا مرارًا واليوم في الحرب. ولكن ماذا يقول واقع التيار؟ في الواقع، التيار هو حزب متماسك في خطاب قيادته والمسؤولين فيه، حينما لا تتعارض مع توجّهات القاعدة الشعبية، ولكنّه ليس حزبًا بالمعنى التقليدي على مستوى التياريين، فهؤلاء سرعان ما يتمايزون عنه في حال لمسوا أنّ خطاب قيادته مختلف، وهنا لا يمكن للقيادة الجنوح نحو مواقف لا تعبّر عن شارعها، والشارع اليوم لا يناصر «حزب الله»، بل يتوجّس من مشاريعه، لا سيما تلك التي تربط ساحات خارج لبنان بلبنان وحاضره ومستقبله.

ما قد يراهن عليه بعض الحريصين على نسف العلاقة بشكل نهائي بين الطرفين، هو العودة إلى التحالف مع الشخصيات ذات الحضور المناطقي، والتي لا تظهر من فراغ، بل كانت طوال سنوات حاضرة في المناطق وتراجعت نتيجة تسونامي «ميشال عون» التي لم تعد ممكنة اليوم. التقارب مع هذه الشخصيات، والتي يسبح معظمها في محيط وطني مأمون بالنسبة للحزب، قد يكون هو الوجهة المقبلة في عدد من المناطق، لا سيما على اللوائح التي يشترك فيها القومي و«المردة». النقطة المفصلية الأساس أنّ ما يطرحه هؤلاء هو انتقاء أسماء قريبة من التيار، دارت سابقًا أو تدور في فلكه حاليًا، وليست على وفاق مع قيادته، من أجل دعمها والاستناد عليها، وهذا ما لم يكن يحصل سابقًا نتيجة عدم الحاجة لاستفزاز الحليف.

هذا ويراهن بعض هؤلاء، أنّ شارع التيار قد لا يخرج نحو تأييد مستقلّي الحزب، بل قد يخرج نحو مستقلّين متماهين معه، ومتخاصمين مع «القوات اللبنانية»، ولكن لا يدورون في فلك قيادته، إن تعارض خطاب قيادته مع رغبات الشارع، وهذا ما يبدو اليوم مستبعدًا.

كل هذا لا يأتي من فراغ، فالتجربة السورية في لبنان، والتي نجحت في إنتاج اكثريات نيابية مناصرة لها، لم تضع أوراقها في سلّة واحدة، بل كانت توزّع التناقضات وتجمعها متى تريد، وهكذا حافظت على حضور وازن ومتنوّع. فهل يقرأ الثامن من آذار في كتاب السوريين؟

الجمهورية

مقالات ذات صلة