تهديد مباشر من زعيم ميليشيا مرتبطة بالسياسة التوسعية الإيرانية لقبرص: فتّش عن الحوثيين

أثارت تهديدات الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لجمهورية قبرص بأن حزبه في حال نشوب حرب مع إسرائيل سيعتبرها دولة معادية اذا ما انطلقت من أراضيها هجمات إسرائيلية ضد حزب الله”، ردود فعل لبنانية وغربية شاجبة بمعظمها. وحدها الحكومة اللبنانية ظلت صامتة، وتجنّبَ كلٌّ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومعه وزير الخارجية عبد الله بوحبيب التعليق على تهديد صادر من ميليشيا تتخذ من الأراضي اللبنانية منصة لها لخوض حروب في المشرق العربي باستهداف دولة جارة للبنان، تنتمي الى الاتحاد الأوروبي، وشكلت وتشكل بالنسبة الى مئات الآلاف من اللبنانيين ملاذاً منذ أكثر من نصف قرن، أي منذ نشبت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، فتحولت الجزيرة الصغيرة التي تقع على مسافة 300 كيلومتر غربي لبنان ممراً، ومعبراً، ومستقراً لحشود من اللبنانيين الذين فروا من أهوال الحرب التي كانت تلف بلادهم. وكانت قبرص بمثابة الرئة التي تنفس منها مئات الآلاف من اللبنانيين من مختلف الملل والطوائف في كل مرة تعرض فيها بلدهم لمحنة سياسية، اقتصادية أو أمنية.

ولا يزال العديد من اللبنانيين يقيمون في الجزيرة، أو يترددون إليها إما للسياحة، أو للاستثمار في القطاع العقاري، أو للاستفادة من خدماتها المصرفية، أو حتى لتلقي التعليم، خصوصاً بعدما قامت الجامعة الأميركية في بيروت في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان عام 2019 بإنشاء فرع لها في مدينة نيقوسيا.

ربط نصرالله تهديداته لقبرص من دون أن يوضح ذلك صراحة بسلسلة المناورات العسكرية التي تشارك فيها قبرص أو تستضيفها على أراضيها، وتشارك فيها العديد من دول الاتحاد الأوروبي، ومن “حلف شمال الأطلسي”، إضافة الى دول عربية من المنطقة، وأخيرا إسرائيل. وراجت في الأشهر الأخيرة شائعات أن الجيش الإسرائيلي أجرى قبل عامين مناورات على الأراضي القبرصية جرت فيها محاكاة لهجوم على “حزب الله” في لبنان فوق أرض مشابهة في طبيعتها وتضاريسها للبنان. لكن لم يتعد الأمر مستوى الشائعات، وخصوصاً أن أراضي المناطق الشمالية لإسرائيل تشبه هي الأخرى بتضاريسها وطبيعتها الأراضي اللبنانية. ومع ذلك من المهم الإشارة إلى أن جميع دول شرق المتوسط تشهد مناورات عسكرية واسعة النطاق ومعلنة تشارك فيها أحياناً عشرات الدول منه خارج المنطقة، وغالبيتها تنتمي الى “حلف شمال الأطلسي”. كما أن دولاً منتمية إلى كل من الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي تنظم مناورات معلنة في مختلف أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط، من نقطة مضيق جبل طارق غرباً إلى جريرة قبرص والسواحل المصرية وصولاً إلى مصر والأردن شرقاً. وجميع هذه المناورات موثّقة، وتنشر منها صور ومشاهد علنية، كما أن شبكة الإنترنت تحفل بمئات المصادر الإخبارية التي تتناول هذه النشاطات الروتينية.

إذاً ما الجديد الذي دفع الأمين العام لـ”حزب الله” لكي يوجه من على شاشات التلفزة تهديده شطر الجزيرة الأوروبية الأقرب إلى شواطئ غربي آسيا؟ جميع ردود الفعل ربطت ذلك بالتصعيد الأخير بين “حزب الله” وإسرائيل، بعدما بلغ في الأيام القليلة الماضية حافة الحرب الواسعة بين الطرفين. لكن ثمة زاوية ما تم الولوج منها لقراءة هذا التهديد المباشر من زعيم ميليشيا مرتبطة بالسياسة التوسعية الإيرانية، وتعتبر كفصيل مسلح “درة التاج” الإيراني، الذي يتخذ من الأراضي اللبنانية منصة أمنية وعسكرية تقع من جهة على تماس مع إسرائيل، ومن جهة أخرى على تماس مع الاتحاد الأوروبي. وبهذا المعنى يمثل تمركز “حزب الله” المدجج بآلاف الصواريخ والمسيرات من كل نوع على حدود إسرائيل، وعلى مسافة قريبة جداً بالمعايير العسكرية الحديثة من الاتحاد الأوروبي، ورقة يمكن لطهران، قائدة ما يسمى محور “وحدة الساحات” الذي يضم الى لبنان، سوريا والعراق واليمن وغزة، استخدامها كورقة شديدة الأهمية في لعبة ممارسة الضغوط على المجتمع الدولي، لا سيما على الاتحاد الأوروبي. وهنا لا بد من التذكير بالدور الذي تلعبه جماعة الحوثي في اليمن، حيث نجحت بتحويل جنوبي البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وبحر عمان وصولاً الى بحر العرب استراتيجياً إلى ما يشبه “البحيرة الإيرانية”، التي يمكن لطهران إذا ما أضافت إليها تحكمها السلبي بحركة العبور إلى الخليج العربي من بوابة مضيق هرمز أن تمارس سطوة عدوانية، تارة بالاستهداف وطوراً بالقرصنة، على خط مسارات ومعابر وممرات بحرية دولية استراتيجية. هذه مجموعة من الأوراق تعمل إيران على تجميعها في الإقليم.

لكن بالنسبة إلى قبرص المسألة شبيهة ومختلفة نوعاً ما. فالجزيرة تمثل نقطة ارتكاز شرق التوسط الغني بالثروات النفطية والغازية من شواطئ تركيا واليونان، إلى سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة ومصر وفي الوسط جزيرة قبرص. كما أن قبرص تستضيف عسكرياً قاعدتين بريطانيتين أقيمتا في عهد الانتداب البريطاني، ولا تزالان من أهم القواعد العسكرية المتطورة التي تعمل للجيش البريطاني، وتخدم في الوقت عينه قوات “حلف شمال الأطلسي” في أقرب نقطة للحلف من شواطئ الشرق الأوسط العربي. هنا بيت القصيد. فالقاعدتان البريطانيتان تعتبران منصة انطلاق للقاذفات البريطانية الاستراتيجية من طراز تايفون وتعملان منذ بداية العام على تقويض قوة جماعة الحوثي في اليمن. فتنطلق القاذفات من قواعدها في قبرص لتنفذ ضربات قوية ومؤلمة للحوثيين في اليمن جنباً إلى جنب مع الطائرات الأميركية التي تنطلق من على ظهر حاملة الطائرات “دوايت ايزنهاور” المتمركزة في البحر الأحمر. وفي الآونة الأخيرة تكثفت الضربات العنيفة من قبل البريطانيين والأميركيين على نقاط استراتيجية حيوية للحوثيين في اليمن. وثمة تقارير تشير الى وقوع عشرات القتلى من الحوثيين وعناصر إيرانية ولبنانية تعمل معهم في منشآت عسكرية تضم منصات اطلاق صواريخ ومسيرات، إضافة الى شبكات رادار للقيادة والتوجيه.

من هنا من المحتمل أن يكون تهديد “حزب الله” مرتبطاً بـ”وحدة الساحات” وليس بمسألة التصعيد الأخير مع إسرائيل. فهو تهديد بالنيابة عن الحوثيين الذين يتم ضربهم بقوة منذ أكثر من أسبوعين على التوالي. كما أنه يهدف إلى القول إن طهران أضافت شرق المتوسط وصولاً إلى قناة السويس إلى قائمة المناطق التي تمارس عليها سطوة عدوانية، ويعمل على ممارسة ضغط عسكري عليها ضمن لعبة تجميع الأوراق في المنطقة. فهل هذا حقاً تهديد لطائرات “التايفون” البريطانية باسم الحوثيين؟

علي حماده- النهار العربي

مقالات ذات صلة