هوكستين في بيروت والحزب فوق حيفا: الفرصة الأخيرة قبل الحرب!
خرقت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين بيروت آتياً من تل أبيب رتابة المشهد السياسي، لكنّها فعليّاً أتت تحت عنوان حصري هو تجنّب انفجار الوضع على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية والمحاولة مجدّداً تحت الضغط الإسرائيلي لإرساء ترتيبات أمنيّة تحجّم الحزب وتكون سابقة لهدنة غزة. ملفّ رئاسة الجمهورية لم يكن له مكان على جدول أعمال زيارة الستّ ساعات. والحدث الفعلي تجلّى في المشهدية الآتية: هوكستين في بيروت والحزب فوق حيفا!
عَكَسَ كلام هوكستين أمس حول خطورة الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل فحوى زيارته الهادفة إلى وقف التصعيد والتداول في الاقتراح الإسرائيلي-الأميركي المتعلّق بمنطقة جنوب الليطاني منعاً لتوسّع الحرب. ويمكن القول إنّ الموفد الأميركي لم يحمل جديداً عن زيارته في آذار الماضي حيث كرّر التحذير من مغبّة استمرار المواجهات العسكرية جنوباً، وأبلغ المسؤولين اللبنانيين فحوى اقتراح الرئيس جو بايدن لوقف النار في غزة وانعكاسه على لبنان، كما بدا تحرّكه منفصلاً عن أي مسعى فرنسي سابق للجم التصعيد طارحاً هدنة لأيام تسبق التفاوض على الحلّ الشامل على الحدود اللبنانية-الاسرائيلية.
لم يتحدّث هوكستين، وفق المعلومات، أبعد من مقترحاته السابقة القائمة على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين وتحقيق انتشار أوسع للجيش اللبناني في كامل منطقة جنوب الليطاني وإنهاء كلّ مظاهر مسلّحة للحزب مع شرط انسحاب الحزب عن خطّ الحدود نحو شمال الليطاني، وذلك مقابل تعهّد إسرائيلي بوقف الطلعات الجوّية وإنهاء “الحالة العسكرية”.
وفيما كان لا يزال هوكستين في لبنان وجّه الحزب عبر إعلامه الحربي رسالة مضادة للموفد الاميركي وللاسرائيليين في فيديو “هذا ما عاد به الهدهد” يُظهِر وقوع أهداف إسرائيلية عسكرية وحيوية وصناعية حسّاسة وصولاُ إلى حيفا تحت مرمى مسيّرات المقاومة التي تمكّنت من تصوير تلك الأهداف من دون اعتراضها من قبل أنظمة الدفاع الجوّي في عملية “مَسح” دقيقة غير مسبوقة منذ اندلاع حرب “طوفان الأقصى”. وبدا الفيديو، ومدّته كاملاً تسع دقائق ونصف، بمثابة ردّ مباشر على الزيارة واستباقاً لخطاب أمين عام الحزب غداً.
في السياق نفسه رصدت مصادر سياسية التمايز في كلام هوكستين بين زيارته الثالثة في آذار الماضي للبنان التي أكّد خلالها في بيان مكتوب من عين التينة عدم انسحاب هدنة غزة تلقائياًعلى جبهة الجنوب اللبناني، بينما قال أمس من مقرّ الرئاسة الثانية إنّ الصفقة التي اقترحها الرئيس الأميركي في شأن غزة كفيلة بوضع حدٍّ للنزاع على الخطّ الأزرق، متحدّثاً عن ضرورة التوصّل إلى “حلول حاسمة”.
هكذا تأتي زيارة هوكستين الخاطفة لبيروت تحت وطأة اشتداد وتيرة المعارك جنوباً بين الحزب والعدوّ الإسرائيلي التي سجّلت أخيراً أعلى مستوياتها منذ بدء المواجهات في الثامن من تشرين الأول الماضي منذرة بالأسوأ. مع العلم أنّ الحزب تقصّد تخفيض منسوب الردّ على القصف الإسرائيلي خلال يومَي السبت والأحد تزامناً مع عيد الأضحى وليس، كما يؤكّد قريبون من الحزب، ربطاً بزيارة الموفد الرئاسي الأميركي. ثمّ جدّد العدوّ الإسرائيلي القصف يوم الإثنين حيث استهدفت مسيّرة إسرائيلية مقاتلاً في الحزب، لتنتهي الهدنة المتّفق عليها بين إسرائيل واليونيفيل والجيش اللبناني والحزب ويتجدّد التصعيد مع وصول هوكستين أمس إلى مطار بيروت.
لكنّ الأهمّ أنّ هوكستين تجاوز التزاماً قطعه أمام المسؤولين اللبنانيين بأنّ محطّته المقبلة إلى لبنان، بعد ثلاث زيارات سابقة منذ اندلاع حرب غزة، ستأتي فور تكريس هدنة غزة للبحث في سلّة الترتيبات الأمنيّة في جنوب لبنان ثمّ التفاوض حول النقاط الحدودية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل.
هكذا يبدو أنّ خطورة الوضع على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، والضغوط الإسرائيلية لاستنفاد الدبلوماسية الأميركية كلّ طاقتها من أجل تكريس اتفاق على الحدود الشمالية قبل قيام العدوّ الإسرائيلي بتحويل جنوب وشمال الليطاني إلى أرض محروقة على قاعدة “تهجير أهل الجنوب مقابل تهجير مستوطني الشمال”، وحلّ بنيامين نتنياهو “مجلس الحرب” الإسرائيلي، وحاجة إدارة جو بايدن للإعلان عن مكسب سياسي-أمنيّ في المنطقة قبل مناظرة التسعين دقيقة الأولى بين الرئيس الأميركي جو بايدن والمرشّح الجمهوري دونالد ترامب في أتلانتا في 27 حزيران الجاري… كلّها عوامل أجبرت هوكستين على القدوم إلى تل أبيب ثمّ بيروت ثمّ مجدداً إلى تل أبيب قبل نجاح الوساطات في تكريس هدنة غزة لنقل تحذير إسرائيلي أخير: “أبعدوا الحزب عن حدودنا وإلّا فالحرب بعد نهاية عملية رفح”.
تقول مصادر معنيّة لـ “أساس”: “يمكن وصف محطة آموس هوكستين بالفرصة الأخيرة لتكريس ترتيبات أمنيّة على الحدود الشمالية مع جنوب لبنان تريدها إسرائيل قبل اتفاق غزة فيما يتمسّك الحزب بتأجيلها إلى ما بعد هدنة غزة”. وبدا ردّ الحزب المسبق على المقاربة الإسرائيلية التي يحملها هوكستين واضحة من خلال الرفض القاطع للردّ على أيّ مقترحات في شأن المنطقة العازلة قبل وقف إطلاق النار “بشروط المقاومة في فلسطين، وبعدها يقرّر لبنان ما يتّخذه من خطوات لحماية شعبه وسيادته، لأنّ العدوّ ليس في موقع يسمح له فرض شروطه”، كما أكّد نائب الحزب حسن فضل الله.
للمرّة الأولى يختصر هوكستين زيارته بلقاءات بدأها مع قائد الجيش العماد جوزف عون ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي ثمّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ثمّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، فيما كان لافتاً استئناف الحزب عمليّاته العسكرية بعد “استراحة” العيد خلال وجود هوكستين في بيروت.
ملاك عقيل- اساس