ما حقيقة الوضع بين “الحزب” و”الحركة”: علامات استفهام حول مرحلة ما بعد بري!
“الحزب” هو المسيطر... أما الطرف الآخر فليس سوى مُلحق به: حركة ”أمل” أصبحت “حركات
الصورة التي يحرص على أن يظهر فيها الثنائي الشيعي “حزب الله” وحركة “أمل” منذ فترة طويلة كحليفين وثيقين، تتناقض مع تاريخ الصراع بين الطرفين، وكلامنا لا يأتي في سياق تحريضي للمكوّنين السياسين الأكثر تمثيلاً لدى الطائفة الشيعية الكريمة، إنما لتسليط الضوء على واقع مستجد توافرت لنا معطيات حوله.
منذ حرب الأخوة بين الطرفين عام 1988، ساد تفاهم ضمني وعلني بينهما بعد تفاوض على أساس تقاسم المصالح بين إيران وسوريا، وقضى بتسليم سطوة السلاح لإيران ورعايتها لـ”حزب الله” وإطلاق يد سوريا في لبنان وتغطية حركة “أمل” في استباحتها لوظائف الدولة.
ولا شك في أن العلاقة بين “الحزب” و”أمل” غير متكافئة، لأن “الحزب” هو المسيطر، أما الطرف الآخر فليس سوى مُلحق به، وهذا نتيجة الخسارة العسكرية التي منيت بها “الحركة” عام 1988 وأقرّ بها رئيسها نبيه بري. لذلك، تعامل “الحزب” مع محازبي “أمل” يُعتبر فوقياً، وهناك خلافات دائمة بينهما تذكّر بالأزمة العميقة التي نشأت في الثمانينيات، ويشعر بعض مناصري “أمل” أن “الحزب” يعاديهم، ولم ينسَ كثيرون منهم لائحة الاغتيالات الطويلة التي نفّذها “الحزب” بحق نشطاء منهم.
وتفيد معطيات من بيئة الطرفين بأن ما يجري اليوم يمكن وصفه ببداية تصدّع في هذه العلاقة غير المتوازنة، وهناك شقّان: الأول يتعلق بالوضع الداخلي لـ”الحركة”، والثاني بطبيعة العلاقة بين الجانبين.
وتكشف مصادر مطلعة على الوضع الداخلي لـ”أمل” أنها أصبحت “حركات”، وليس هناك إطار تنظيمي متين يجمع بينها، بمعنى أن ثمة خلافات بين أجنحة بدأت تتنافس على وراثة بري: هناك جناح يقوده الوزير السابق علي حسن خليل، وجناح بقيادة جماعة مجلس الجنوب، وجناح بقيادة بعض أعضاء عائلة بري نفسه.
لكن هذا المشهد لا يختصر كل الصورة، فالحرس القديم الذي يحمل أدبيات الإمام موسى الصدر وتعاليمه وأفكاره لا يزال موجوداً، ولو كان منكفئاً جزئياً، لأنه يرى أن نهج بري غير منسجم مع أفكار الصدر.
وتعتبر المصادر أنه “على الرغم من وجود بعض المستمرين في عضويتهم بالحركة، هم يظهرون تململاً من أداء بري وتبعيته للحزب من أجل السلطة والكرسي، إلا أن اعتراضاتهم لا تظهر إلى العلن، وهؤلاء الأكثر معارضة لعلاقة أمل بالحزب”. وتضيف: “في الفترة الأخيرة اتسعت النقاط الخلافية بين بعض مناصري الحركة مع الحزب وخصوصاً لجهة الانخراط في الحرب السورية ثم فتح جبهة الجنوب في 8 تشرين الأول الفائت، وهذا الخلاف في التوجّهات، تحاول قيادتا الحزبين اخفاءه، إلا أنه يتكرر على مستوى القواعد الشعبية، ما أثار قلق القيادات”.
من جهة أخرى، تتطرق المصادر إلى مستوى آخر من الخلافات بين الطرفين، يتعلق بمقاربة الأطروحة الدينية، مؤكّدة أن “الحزب هو نسخة متشددة جداً في الفقه الشيعي من خلال تبنيه عقيدة وليّ الفقيه وهذا لا إجماع شيعياً حوله، ولا شك في أن عدداً كبيراً من مرجعيات أمل لا يؤمن إطلاقاً بهذه النظريات الفقهية، علماً أن هناك خلافاً تاريخياً بين مرجعيتي النجف (العراق) وإيران على هذا الصعيد”.
كل ذلك، يطرح علامات استفهام عديدة حول مرحلة ما بعد بري، ومدى تأثير ذلك على التحالف بين “الحزب” و”أمل”، وربما يعمل الأول على رعاية ودعم قيادات محسوبة عليه داخل “الحركة”، وهذا ما يضمن تفادي أي مشكلات مستقبليّة تُهدد الساحة الشيعيّة، علماً أن لا شيء مضموناً ولا شيء يستمر إلى ما لا نهاية.
جورج حايك- لبنان الكبير