هوكستين في تل أبيب وبيروت: فرصة التّفاوض الأخيرة قبل الحرب…بانتظار ما سيقوله السنوار!
لبنان موضوع على صفيح ساخن قابل للانفجار في أيّ لحظة
وصل الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى تل أبيب يوم الإثنين ويصل الثلاثاء إلى بيروت للقاء المسؤولين السياسيين والأمنيين. زيارة هوكستين هذه تأتي عشيّة واحد من مسارين: مسار دبلوماسي يقود إلى “اليوم التالي” بحسب مقترح يحمله معه هوكستين إلى تل أبيب وبيروت من خلال تطبيق القرار الأممي 1701 لتأمين هدوء واستقرار مستدام على الجبهة الجنوبية، أو مسار الحرب الإسرائيلية الكبرى على لبنان لتطبيق الـ1701 بالقوّة وتقليص نفوذ الحزب.
لا بدّ من العودة أشهراً قليلة إلى الوراء، يوم قالت السفيرة الأميركية ليزا جونسون بعد تعيينها مباشرة إنّ على لبنان تطبيق القرار 1701 بالحسنى أو بالقوّة. يومها قرأ كثيرون هذا الموقف من باب التهويل. إلا أنّ الأميركيين أدركوا جيّداً من خلال الدور الذي لعبوه أنّ ما بعد 7 أكتوبر لن يكون كما قبله. فلبنان تحوّل تلقائياً إلى هدف مباشر لإسرائيل لضمان عدم تكرار هذه الأحداث من ناحية جنوب لبنان. وعليه، توالت المبادرات الدبلوماسية باتجاه لبنان عبر وفود أميركية وفرنسية وبريطانية وغيرها، وصبّت كلّها في اتّجاه واحد: تطبيق القرار 1701 وإلّا فإسرائيل ستطبّقه بقوّة الحديد والنار.
بعد أشهر من التحذيرات تدخل المنطقة شهر تموز خلال أسبوعين. وهو الشهر الموعود الذي وضعه الإسرائيلي فاصلاً زمنيّاً حاسماً.
وبينما قالت مصادر إنّ زيارة هوكستين تقتصر على التعبير عن مدى ضيق الخيارات الدبلوماسية في مواجهة الحرب، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مضمون الزيارة، أنها تهدِفُ إلى الترويج لخُطةٍ لوقف القتال في الشمال، تتضمن انسحاباً تكتيكياً لقوات الحزب من المنطقة الحدودية، وحلاً موازياً للخلافات بشأن خط الحدود. وبحسَبِ تقاريرَ من مصادرَ لبنانيةٍ كما يقول الإعلام العبري، فقد قدّم هوكستين بالفعل هذه الخُطة، التي يقول إنها مقبولةٌ لدى إسرائيل، إلى قائد الجيش اللبناني في اجتماع الأسبوع الماضي في واشنطن.
وتتضمنُ الخُطةُ انسحابَ الحزبِ إلى مِسافة ثمانيةِ كيلومتراتٍ شمالَ السياجِ الحدودي، حيث ستتولى قواتُ اليونيفيل حراسةَ المنطقة التي سيتمُّ إخلاؤها بالتعاون مع الجيش اللبناني. والخُطوةُ التالية، التي يَطمح إليها هوكستين، هي إعادةُ رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان.
ووَفق الاعلامِ العبري تتضمنُ تسويةُ هوكستين مرحلتين:
في المرحلة الأولى، تتوقفُ الأعمالُ العِدائية من جانب حزبِ الله بحسَب الإعلام العبري وينسحبُ إلى الشمال، ويعود السكانُ الإسرائيليون إلى منازلهم وسطَ انتشارٍ واسع للقوات الاسرائيلية. أما الجيشُ اللبناني واليونيفيل فيحافظانِ على الاستقرار في جنوب لبنان وعلى طول الحدود.
وفي المرحلة الثانية، تبدأ المفاوضاتُ لتحديد الحدود البرية، في حين ستبدأ الولاياتُ المتحدة في الوقت نفسه كما المجتمعُ الدولي في إعطاء “جزرةٍ اقتصادية” للبنانيين.
الجيش الإسرائيليّ: ضمان الحدود مع لبنان مهما كلّف الأمر
تضمن إسرائيل حدودها مع مصر في معاهدة كامب ديفيد. وتضمن حدودها مع الأردن بحكم التنسيق والعلاقات مع المملكة الهاشمية على أساس اتفاق “وادي . كذلك تضمن حدودها مع سوريا بعد سنوات طويلة من الاستقرار والاتفاق غير المعلن الذي بات أقوى من الاتّفاقات المكتوبة، كما أظهرت تجربة أكتوبر.
يبقى أن تضمن حدودها مع لبنان، حيث الخطر الأكبر عليها بسبب القدرات المتعاظمة لسلاح الحزب ولائحة الأهداف التي بدأ بإصابتها داخل إسرائيل. وهي تدرك أن قدرات الحزب العسكرية تطوّرت بعد حرب تموز 2006. لذلك لن تنتهي هذه الحرب في غزة قبل القضاء على الجناح العسكري لحماس، وفي جنوب لبنان قبل أن تضمن إسرائيل استقرار حدودها مع لبنان “مهما كلّف الأمر”.
أمس تكلّم المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري عن تأثير تصعيد الحزب على الجبهة الشمالية، قائلاً إنّ “عدوان الحزب المتزايد يقودنا إلى حافة ما يمكن أن يكون تصعيداً أوسع. وهو تصعيد يمكن أن تكون له عواقب مدمّرة على لبنان والمنطقة بأكملها… ومن واجب إسرائيل الدفاع عن شعب إسرائيل. وسوف نقوم بهذا الواجب.”
أتى هذا الكلام عشيّة وصول الموفد الرئاسي الأميركي إلى المنطقة، وعشيّة قيام بنيامين نتنياهو بحلّ حكومة الحرب. أي عاد وأمسك بقرار الحرب والسلم بعدما انضمّ إليه وزير الأمن يوآف غالانت، رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. وهذا ليس إلا مؤشّراً إلى الاستعداد للحرب المقبلة فور إعلان فشل التفاوض على تطبيق الـ1701.
الحزب: لا اتّفاق قبل غزّة
في المقابل يصرّ الحزب على حرب المشاغلة أو المساندة من دون الدخول في أيّ تفاوض. لا يعني ذلك أنّ الحزب يريد الحرب. مصادر سياسية تقول إنّ الحزب وضع نفسه على طاولة التفاوض الكبرى في المنطقة التي ترسم حالياً الخريطة المقبلة. ولكنّ هذا سيرتّب عليه حرباً ستفرضها عليه إسرائيل قريباً جدّاً ما دام نتنياهو يصرّ على عدم وقف حربه قبل تحقيق أهدافه.
في المقابل، النافذة الفرنسية التي كان يطلّ منها الحزب قد أُقفلت. فماكرون أوّلاً مشغول بتغييرات بلاده على أبواب تسلّم اليمين الفرنسي الحكومة. وتقول معلومات دبلوماسية موثوقة إنّ نتنياهو رفض اقتراح ماكرون الأخير في لجنة العمل الثلاثية مع واشنطن وتل أبيب حول المنطقة. ورفض التعاون مع أيّ مبادرات فرنسية، معتبراً أنّها تراعي الفلسطينيين واللبنانيين أكثر من مراعاتها المصالح الإسرائيلية.
عليه تكاد الدبلوماسية أن تقفل أبوابها. دور باريس في هذا المسعى انتهى. بقي الدور الأميركي الذي يحمله هوكستين آملاً أن تنجح آخر محاولاته. بانتظار ما سيقوله السنوار الذي يمكن له أن يعدّل في مسار التصعيد، يبقى لبنان موضوعاً على صفيح ساخن قابل للانفجار في أيّ لحظة.
جوزفين ديب- اساس