الجنوب وموطئ قدم إيران في المتوسّط: يجاهر زعيمه بأنّه جنديّ في جمهورية الوليّ الفقيه!
تعود إسرائيل إلى 3 آلاف سنة وتنبش في صفحات العهد القديم القصص والروايات لكي تشرّع نسختها من قصة استيلائها على فلسطين. لا يهمّ الآن ما يقوله الرواة وما تفنّده الروايات المقابلة، ولا يهمّ كمّ الدِراسات في العالم برمّته بشأن ركاكة الحجّة التاريخية واليأس من وجود بقايا أركيولوجية لـ “الهيكل” وآثار المزاعم الصهيونية. ذلك أنّ الأمر الواقع الذي يُفرض بقوّة النار والدمار والغطاء الدولي لن يهمّه خواء نصوص التاريخ وجدل المؤرّخين.
إيران ليست بعيدة، في ظلّ نظام عام 1979، عن هراء استدعاء التاريخ ومزاعمه. في ذلك التمرين الذي ينهل تارة من تراث الدين وتارة من قصص الأوّلين الفرس، تبريرٌ متكلّف لسياسة خارجية ما زالت تعتبر أنّ “الثورة” منتج دائم التصدير وأساس لازدهار “الجمهورية الإسلامية” وضمان غريزة بقائها ومبرّر تمدّدها. وفيما إسرائيل تزعم أنّها سليلة ما قبل التاريخ وتحتاج إلى رواية ترفد قصّتها في جغرافيا الشرق الأوسط، فإنّ إيران جزء من تاريخ وجغرافيا المنطقة ولا تحتاج إلى استنطاق حقبات غابرة لتبرير شقّ ممرّ متخيّل بين طهران وبيروت.
صفوي يروي الحكاية
روى المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى والقائد السابق للحرس الثوري اللواء يحيى رحيم صفوي، الخميس، أنّ “الإيرانيين وصلوا ثلاث مرّات إلى البحر الأبيض المتوسط. مرّتين منها في عهدَي الملكين الإخمينيَّين قوروش الأوّل وأحشويروش أو خشايارشا الأوّل، وآخر مرّة بواسطة الحزب”.
قصّ الرجل الحكاية: “توجّهنا إلى البحر الأبيض المتوسط حوالي سنة 500 قبل الميلاد، حين ذهب قوروش الكبير إلى أورشليم وحرّر أورشليم واليهود”. وأضاف أنّه “في عام 480 قبل الميلاد، قاد الملك خشايارشا الأوّل 600 ألف جندي من إيران إلى الأناضول، وعبروا مضيق الدردنيل أو مضيق البوسفور، واستولوا على اليونان. وللمرّة الثالثة، مع تشكيل جبهة المقاومة وبواسطة الحزب، أصبحنا نحن في جوار البحر الأبيض المتوسط”.
لا شيء مفاجئاً في تصريحات الرجل القريب من الوليّ الفقيه. يتفاخر اللواء صفوي بأنّ لبلاده إطلالة ونفوذاً على بحار وممرّات المنطقة. ومن حقّة أن يجاهر بأنّ الأذرع الإيرانية في المنطقة هي يمنيّة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، فيقوم الحوثيون بالمهمّة على أكمل وجه، وهي لبنانية في البحر المتوسط، ويتولّاها الحزب من دون حرج أو مواراة، فيجاهر زعيمه بأنّه جنديّ في جمهورية الوليّ الفقيه وأنّ موارد حزبه من مال ورواتب وسلاح مصدرها الجمهورية الإسلامية في إيران. ويمرّ الجنرال الإيراني على بقيّة الأذرع في المنطقة، لكنّه يحشر كلمة “حتى” في الحديث عن حركتَي حماس والجهاد، ويوضح (ويكاد يكون لائماً) “على الرغم من أنّهم من السُّنّة”، ليبشّر جمهوره بعظمة النصر الذي تحقّقه بلادهم.
حكاية إيران والبحر
في عام 2015 تناغمت أيضاً روايات ومزاعم إسرائيل مع تأكيدات مصدرها إيران. زعم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنّ إيران تسيطر على بلدان عربية. كان يريد من ذلك استفزاز العرب وتحريضهم على جارهم الإيراني. غير أنّ طهران لم تسكت.
خرج حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق في حكومة محمود أحمدي نجاد، في نيسان من ذلك العام، ليؤكّد أنّ “إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”. نقلت وكالة أنباء “فارس” حينها عن مصلحي تناغم تصريحاته مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بقوله إنّ “تصريحات نتنياهو تبيّن مدى تنامي قوّة إيران في المنطقة”.. فأفحمه.
قبل تلك التصريحات كان مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقلّيات علي يونسي قد اعتبر أنّ العراق “عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة”. كما أنّ اللواء إسماعيل قاآني، وكان حينها نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قد بشّر أنّ إيران مستمرّة بفتح بلدان المنطقة، وأنّ الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كلّ من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين، وأنّها تتقدّم اليوم في نفوذها في بقيّة بلدان المنطقة. لاحقاً في تشرين الأول 2017 اعتبر الرئيس حسن روحاني أنّه “لا يمكن في الوقت الحاضر اتّخاذ إجراء حاسم في العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج من دون إيران”.
لا يضير الحزب في لبنان أن يعلن مسؤول كبير من طهران أنّ لإيران موطئ قدم في البحر المتوسط بواسطة الحزب. لا يزعج الحزب أن يُقال إنّه تابع لقرار طهران ومنفّذ لمصالحها. الحزب وهياكله وقياداته ومقاتلوه وبرلمانيّوه يدركون ذلك ويعملون جميعاً في سبيل ذلك. ناخبو الحزب في المناسبات الاقتراعية يصوّتون للحزب وهم في كامل وعيهم لهذه الحقيقة. وفيما تقوم إسرائيل هذه الأيام بجريمة دمار للحجر والبشر في جنوب لبنان، فإنّ الحرب، مهما تحدّث الحزب عن نبل أهدافها، هي بالنهاية من تمارين السهر على موطئ قدم إيران في بحر بلدنا مهما كلّف ذلك من أثمان يدفعها البلد عامّة، وأهله في الجنوب خاصة.
إيران تغزو البحر ولها في ذلك سوابق في عهد قوروش الأول وأحشويروش، ولها في هذه الأيام موطئ قدم يسهر الحزب على تأمينه وتوفير ديمومته. وحين يطلّ معترض أو حريص على برّ لبنان وبحره ينادي بتجنيب البلد حلقة جديدة من حروب لم يعد يحتملها، يشهر الحزب عدّاداً يعدّ به من يمقت أقدام إيران في مياهنا.
محمد قواص- اساس