برّي وباسيل “طبعة جديدة” وقطب مخفيّة: هل يغادر برّي مربّع التمسّك بفرنجية وماذا عن الحزب؟

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة على الحدود الجنوبية بين الحزب وإسرائيل إلا استثناء واحد هو “النيو ستايل” الذي ظهر به رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وهو يدخل عين التينة مطوّراً علاقته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، مفتتحاً مرحلة جديدة عنوانها محاورة الجميع، تاركاً كلّ أثقال الماضي وأعبائه خلفه، مستفيداً من رغبة بري بالحوار كممرّ إلزامي لانتخاب رئيس للجمهورية، رابطاً استراتيجيّته باستراتيجية الرئيس بري. لرئيس المجلس حساباته للتشاور بشأن جلسة انتخاب رئاسية بعدما بدأ التضييق عليه أميركياً وأوروبيّاً لتخلّفه عن الدعوة إلى جلسة انتخاب رئاسية، ولباسيل مصلحة في أن يتحرّر من أعباء الماضي بالانفتاح على كلّ الأفرقاء السياسيين.

محرّك العلاقة بين برّي وباسيل اقتناع الأخير بأنّ رئيس المجلس ممرّ إلزامي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وحرصه الأساسي على تأمين الشراكة الدستورية. كلّف بإدارتها النائب غسان عطاالله الذي كان ولا يزال على تواصل دائم مع برّي ويستمرّ رسولاً بين الطرفين. من خلاله وبواسطة محيطين بالرئيس بري نشأت علاقة ثنائية و”بدأ الطرفان يضعان النقاط الخلافية التي يمكن الاتفاق عليها، سواء في رئاسة الجمهورية أو لجهة التشريع، وأين يمكن التفاهم مع بري وأين لا يمكن”. استغرقت الوساطات شهراً، ثمّ كانت باكورة البحث مفاتحة باسيل لرئيس المجلس بإمكانية مساعدة اللجنة الخماسية للحوار، ثمّ تشجيع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان على الحوار أيضاً.

إصلاح المستقبل ونسيان الماضي

مع مضيّ عام على آخر جلسة انتخاب رئاسية ارتأى باسيل المبادرة إلى طرح أفكار واقتراحات لتحريك الملفّ الرئاسي “تمحورت حول إمكانية التفاهم لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وإعادة صياغة العلاقة بين التيار وحركة أمل دون العودة إلى المشاكل التي كانت سائدة في تلك الفترة وتسبّبت بإفشال العهد”. انطلقت مشاوراته من جلسة بروتوكولية مع البطريرك الراعي، تلتها جلسة مع برّي تبلورت خلالها الأفكار المطروحة وتضمّنت التزاماً من بري أن يرأس جلسة تشاورية تليها دعوة إلى أربع جلسات انتخاب في يوم واحد على أن يكرّر ذلك ثلاث مرّات في الأسبوع، أي 12 جلسة، وأن تُكمل كتلته النيابية نصاب الجلسة. ففي حال اتُّفق على اسم المرشّح كان به، وإلّا فتُعقد جلسة انتخاب تطبيقاً لما ينصّ عليه الدستور ويفوز المرشّح الذي يحظى بغالبية الأصوات. موضوع آخر تمّ الاتفاق بشأنه له علاقة بالإصلاحات وصندوق النقد، ومن المتوقّع أن يتبلور خلال الجلسة التشريعية المقرّر أن تُعقد قريباً.

حمل باسيل الالتزام الذي ناله من رئيس المجلس، وجال به على الكتل النيابية والنواب المستقلّين، واستمزج الآراء على مدى أربعة أيام اختتمها بزيارة لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد. في حصيلة ما كانت عليه الجولة التشاورية بدا واضحاً عند الاشتراكي أنّ “التفاهم يسلك طريقه أسرع مع تيمور جنبلاط مع مراعاة حسابات الأب وحيثيّته”. تداول باسيل مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة كلّ الأفكار المطروحة في الملفّ الرئاسي فوجد أنّ “الحزب لا يزال على موقفه الرافض للتشاور في أيّ حلّ رئاسي بعيداً عن ترشيح سليمان فرنجية. الوضع مع الحزب لا يزال يحتاج إلى مزيد من العمل لإصراره على المضيّ في خياراته”. الأمر الذي يطرح علامات استفهام عن مدى توافق الحزب مع بري حول الدعوة إلى جلسة حوار بلا شروط مسبقة، وعن التزام الحزب بما يلتزم به برّي في حال لم ينتهِ التشاور إلى توافق على اسم المرشّح ورضى الحزب بحضور جلسة انتخاب وفق المعايير الديمقراطية للتنافس بين المرشّحين.

آمال باسيل بكسر الفراغ

يرى رئيس التيار أنّ الاتفاق مع بري “باب أمل حقيقي فُتح لكسر الفراغ”، وقد تمّ الاتفاق على “أن نتساعد حتى يتمكّن بري من تحقيق حضور 86 نائباً لجلسة التشاور ثمّ جلسة الانتخاب. فإمّا يخرج رئيس بالتوافق وإلا فالانتخاب، وليفُز من ينال الأكثرية”. وبناء عليه فإنّ المرحلة التي تلي سيقوم فيها النواب بإبلاغ موقفهم بشأن الاقتراحات إلى رئيس المجلس الذي عليه أن يستطلع الآراء مجدّداً للدعوة إلى جلسة مشاورات تسبق دعوته إلى جلسة انتخاب مفتوحة.

تشكّكت مصادر سياسية مطّلعة في نجاح مبادرة باسيل، وقالت إنّه ليس من عادة رئيس المجلس إلا تلقّف المبادرات. فرئيس المجلس لا يردّ طلب طالب، لكنّ السؤال: هل يذهب بعيداً بالالتزام بما تعهّد به أمام باسيل؟ وماذا عن موقف الحزب؟ ما سعى إليه باسيل أن يكون بيضة القبّان في العملية الانتخابية وأن يكون وسطيّاً، فهل يتقبّل الحزب دوره الجديد أو تمنحه المعارضة دوراً كهذا؟

ترى المصادر عينها أنّ مبادرة باسيل انتهت بالمؤتمر الصحافي الذي عقده تماماً كما انتهت قبلها مبادرتا الاشتراكي وكتلة الاعتدال النيابية، وفي ذلك فشل للودريان الذي طلب من جنبلاط تحريك محرّكاته.

لكنّ مصادر مطّلعة على أجواء عين التينة ثمّنت خطوة باسيل وأثنت على مرونته السياسية في وقت قالت فيه مصادر التيار أنّها تدرك مدى الصعوبات التي تعتري انتخابات الرئاسة محلّياً وإقليمياً، لكنّ ذلك لا يمنع المحاولة، لافتةً إلى أنّ “بين بري وباسيل قطباً مخفيّة لم يتم الإعلان عنها بعد، لكن ستظهر في أفق العلاقة الثنائية وما سينتج عنها رئاسياً من خلال جلسة للحوار يصرّ عليها رئيس المجلس وتشريعياً”.

البارز الوحيد في لقاء بري وباسيل أنّ رئيس المجلس خلافاً للمرّات السابقة لم يفاتح باسيل بموضوع تأييده ترشيح فرنجية. حرّك باسيل الملفّ الرئاسي وبدأت الأجوبة على ما طرحه تتوالى تباعاً، فكانت النتيجة زيارة لرئيس حزب الكتائب سامي الجميّل لعين التينة خفّف خلالها حدّة موقفه حيال الحوار على قاعدة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”، معلناً موافقته بشروط.

على خلفيّة كل ذلك، هل يمكن أن تُشكّل علاقة بري – باسيل تكاملاً بحيث يمهّد باسيل أرضية الحوار لبرّي، فيمنح الأخير ضمانات انتخاب رئيس؟ وهل يوافق باسيل على ترشيح فرنجية بضمانات من برّي أم يغادر برّي مربّع التمسّك بفرنجية؟ وماذا عن موقف الحزب حينذاك؟ هل يضمّ الحزب مبادرة باسيل إلى غيرها من مبادرات تقطيع الوقت إلى ما بعد نهاية الحرب في غزة؟ الجواب هو أنّها مجرّد محاولات لأنّ المعنيّين بالاستحقاق سلّموا بهذه المعادلة وتعاطوا على أساسها، ولم يخرج التيار عن المعادلة فحاول وهو يسلّم أنّ الكلمة الفصل هي للميدان.

اساس

مقالات ذات صلة