هل تستأنف إسرائيل حرب الاغتيالات مع اقتراب الحرب من حدود لبنان وسوريا؟
يعيد المشهد في حرب غزة كرة الثلج الملتهبة من جديد لتتدحرج نحو مناطق نفوذ إيران ومواقع الفصائل التابعة لها، مثل “حزب الله” و”الحشد الشعبي” وغيرهما، لتقضُ معها مضاجعها مجدداً بضربات على مقرات “الحرس الثوري”، وخطوط إمداده. في حين لم يمضِ وقت طويل على الهدوء النسبي الذي عاشته سوريا بعد هجمات متبادلة للرد على ضربة إسرائيلية قاسية أصابت مقراً دبلوماسياً إيرانياً في حي المزة بالعاصمة دمشق، وذلك في الأول من أبريل (نيسان) الماضي.
الهجمات المرتدة
وتصاعدت الهجمات من لبنان والعراق على أهداف إسرائيلية في الجولان (المحتل منذ حرب نكسة يونيو/ حزيران 1967)، ورُصد إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان مع دوي صافرات الإنذار، بالتوازي مع إعلان فصائل عراقية استهدافها بطائرات مسيرة موقعاً عسكرياً في الجولان.
ويزداد التصعيد حدة مع تلويح الجيش الإسرائيلي باقتراب عملية واسعة النطاق من الحدود اللبنانية، ما سيترك تأثيراً على الجبهة السورية المتاخمة للجولان، وسط أجواء توتر تعيشها أطراف النزاع.
ويتوقع مراقبون أن تضع تل أبيب في الاعتبار، ضرب مقرات الفصائل الموالية لإيران.
ورجح الناشط السياسي في مدينة دير الزور، أحمد الشيخ “عودة العمليات العسكرية والمناوشات بين الفصائل العراقية والقوات الأميركية في شرق سوريا، بالتزامن مع اندلاع الحرب المرتقبة على الحدود السورية- اللبنانية، وهي المنطقة التي تُعد ضمن مناطق النفوذ الإيراني بعد إعادة السيطرة عليها من قبل الجماعات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري، ومناطق ريف دير الزور الشرقي أكثر المناطق التي تشهد انتشاراً للمجموعات الإيرانية”. وأشار أحمد الشيخ إلى “عدم رغبة القوات الأميركية المقاتلة في شرق سوريا الانخراط مجدداً بمعارك مع الفصائل الموالية لإيران، لا سيما أنها قد توقفت بشكل شبه نهائي عن ضرب المقرات والقواعد الأميركية إثر الهجمات التي شنها سلاح الجو الأميركي في الثاني من فبراير (شباط) من العام الحالي”. وتابع “من الممكن أن تشارك الولايات المتحدة بضرب أهداف حساسة، وعلى قدر عالٍ من الحساسية يتبع للفصائل الإيرانية، من دون توسيع نطاق المعركة شرق سوريا”.
حرب مفتوحة
وعبّر الناشط السوري عن اعتقاده بأن “رغبة تل أبيب بجرّ الولايات المتحدة إلى حرب واسعة ما زالت حاضرة، ولكن الأمر في سوريا مختلف عن اليمن على سبيل المثال، لا سيما بعد ولادة التحالف الدولي إثر الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر واعتراض الحوثيين للسفن”. وأردف “يمكن أن تكتفي أميركا بالرد على ضربات لجيوب المقاومة في البادية السورية من دون توسيع القتال. وهناك سيناريو ثالث قد تلجأ إليه في حال اندلاع الحرب بتحريك جيش سوريا الحرة المتمركز في قاعدة التنف، لإغلاق طريق الإمداد الرئيس والوحيد بين طهران والعراق إلى سوريا ومن ثم لبنان، حيث تلعب قاعدة التنف نقطة ارتكاز مهمة تتموضع بين المثلث الحدودي السوري- العراقي- الأردني”.
في المقابل، وثّق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” ومقره لندن، منذ مطلع العام الحالي، تصاعد وتيرة الاغتيالات والتصعيد بنحو 19 عملية اغتيال في الجنوب السوري، في محافظات القنيطرة ودرعا وريف دمشق. كما أسفرت الضربات الإسرائيلية على تلك المنطقة عن مصرع وإصابة 21 من العناصر الموالية لـ “حزب الله”.
وأحصى “المرصد السوري” 44 استهدافاً إسرائيلياً للأراضي السورية، 32 منها جوية، في حين بلغ الاستهداف البري 32 هجوماً. وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 92 هدفاً ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز آليات. وأحصى “المرصد السوري” سقوط 165 قتيلاً من العسكريين (23 من الجنسية الإيرانية من الحرس الثوري الإيراني، و33 من “حزب الله” اللبناني، 15 من الجنسية العراقية، و 44 من القوات التابعة لإيران من الجنسية السورية، و 10 من القوات التابعة لإيران من الجنسية غير السورية).
ولقي 40 عنصراً من الجيش النظامي السوري مصرعهم، بينما فارق الحياة 13 مدنياً، بينهم طفلة وسيدتان، بالاستهدافات الإسرائيلية وفق المرصد السوري، إضافة إلى 32 إصابة توزعت في مدن دمشق وريفها ودرعا وحمص والقنيطرة وطرطوس ودير الزور وحلب. مع الإشارة إلى أن إسرائيل قد تستهدف في الضربة الواحدة أكثر من محافظة، وهو ما يوضح تباين عدد المرات مع عدد الاستهدافات.
حرب الساحات المكشوفة
وعادت لغة التهديد بعد فترة الهدوء خلال مايو (أيار) المنصرم، حيث توعّد القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي الرد على اغتيال المستشار العسكري للحرس الثوري سعيد آيبار في مدينة حلب، شمال سوريا، ومصرع سبعة عناصر في الهجوم.
وكشفت “القناة 14” الإسرائيلية عن تفاقم التحدي وتعدد الساحات ومسارح الحرب الرئيسة (قطاع غزة، الجنوب اللبناني، وجميع أنحاء الضفة الغربية).
من جهتها، قررت الفصائل الإيرانية تغيير تكتيكاتها العسكرية والأمنية، وزيادة إجراءات السلامة الخاصة بمقاتليها. وبحسب متابعين للشأن الإيراني في سوريا تعرضت مقرات الحرس الثوري لاختراقات استخباراتية، أدت إلى هجمات إسرائيلية قاسية أبرزها الهجوم على مقر السفارة الإيرانية بالمزة، وهجوم آخر على غرفة عمليات “فيلق القدس”، ومصرع خمسة قادة في حي المزة فيلات. ولذلك يحرص القادة الإيرانيون ومن يدور في فلكهم، على التشدد في إجراءات الحماية منعاً للاغتيال لا سيما في أماكن الإقامة، والتحفّظ في استخدام وسائل الاتصال.
وحاولت إيران في الآونة الأخيرة ولا سيما في أبريل ومايو الماضيين، تقليص وجودها العسكري في سوريا. وتحدثت مصادر إعلامية عن إخلاء القوات الإيرانية لقاعدة في الجنوب السوري، وانسحابها من مقرات عدة في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة. وقال مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” رامي عبدالرحمن في تصريحات سابقة، إن “مقاتلين من حزب الله وآخرين عراقيين حلوا مكان القوات الإيرانية في قواعد جنوب سوريا. وغادرت دفعة من المستشارين الإيرانيين خلال مارس (آذار) على وقع الضربات الإسرائيلية”.
في موازاة ذلك، نقلت القيادة الإيرانية في أبريل الماضي عدداً من الضباط الإيرانيين في سوريا وأعادت تموضع عناصرها، وقلصت من حضورها العلني مع خفض عدد العناصر في القواعد التي ترفع العلم الإيراني، وكما لوحظ عدم حمل عربات الدفع الرباعي لأية إشارات أو أعلام إيرانية. لكن القائد العسكري الإيراني الذي لقي مصرعه في حلب بالقرب من مطارها الدولي، جرى تشييعه في دمشق قبل أن ينقل جثمانه إلى إيران.
اندبندنت