لماذا أصدرت “المحكمة الجنائية” مذكرات توقيف: هل هي «سخيفة وزائفة»؟
توضّح مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق اثنَين من القادة الإسرائيليّين، أنّ هناك أسساً للاعتقاد بأنّهما يتحمّلان «مسؤولية جنائية» عن الأزمة الإنسانية المدمّرة في غزة، وفقاً لبيان صدر عن المحكمة أمس الخميس.
لا يزال معظم سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليونَي شخص نازحين، يعيش العديد منهم في الخيام، بينما يُعدّ العثور على ما يكفي من الغذاء والمياه النظيفة تحدّياً يومياً. ويشدّد المسؤولون الإسرائيليّون، الذين أمروا بغزو غزة بعد هجمات السابع من أكتوبر التي قادتها «حماس»، على أنّ هدفهم هو القضاء على الجماعة المسلحة. وقد جادلوا لأشهر عدة بأنّهم يفعلون كل ما في وسعهم لتسهيل تدفّق الغذاء والإمدادات التي يحتاجها المدنيّون الفلسطينيّون بشدّة.
تمّ الحفاظ على سرّية نصوص مذكّرات التوقيف لحماية الشهود، وفقاً لما ذكرته المحكمة في بيانها، لكنّ القضاة كشفوا عن بعض التفاصيل «نظراً لأنّ السلوك المشابه لذلك المشار إليه في مذكرة التوقيف يبدو أنّه مستمر».
وأوضحت المحكمة، أنّ هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يتحمّلان المسؤولية عن «جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وجرائم ضدّ الإنسانية تشمل القتل، والاضطهاد، وأعمالاً غير إنسانية أخرى».
رفض مكتب نتنياهو الادّعاءات، ووصفها بأنّها «سخيفة وزائفة»، متّهماً المحكمة بالتحيّز بدافع من معاداة السامية وكراهية الدولة اليهودية. وألقى المسؤولون الإسرائيليّون – وبعض العاملين في مجال المساعدات – باللوم على الفوضى المنتشرة في غزة، بما في ذلك الهجمات التي تشنّها العصابات المسلحة على القوافل التي تنقل المساعدات، كسبب رئيسي للأوضاع المأساوية.
وأشارت المحكمة إلى أنّ بعض الغزيّين لقوا حتفهم نتيجة للحرمان الذي فُرض جزئياً بسبب القيود الإسرائيلية على تدفّق المساعدات، ممّا يوفّر أساساً قانونياً للاشتباه في القتل. كما جادل القضاة بأنّ القيود المفروضة على الغذاء والدواء لسكان غزة ككل قد تشكّل جريمة اضطهاد بموجب القانون الدولي.
تفاوتت أعداد قوافل الإغاثة التي تصل إلى سكان غزة المحاصرين بشكل كبير على مدار الحرب. ويقول مسؤولو الصحة في غزة إنّ سوء التغذية لعب دوراً في وفاة بعض الأشخاص، بمَن فيهم أطفال صغار.
ويتهم مسؤولو الإغاثة إسرائيل غالباً بإعاقة عملهم، وبأنّها لم تسمح لهم بجلب ما يكفي من الغذاء والدواء والوقود. وجادل المسؤولون الإسرائيليّون أحياناً بعدم وجود أزمة إنسانية في غزة، وفي أوقات أخرى ألقوا باللوم على منظمات الإغاثة، قائلين إنّها تفتقر إلى القدرة اللوجستية لنقل الإمدادات بشكل فعّال عبر القطاع أو منع عمليات النهب.
لكنّ المحكمة رأت بأنّ نتنياهو وغالانت «حرما سكان غزة عمداً وبوعي من المواد الضرورية لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والإمدادات الطبية».
أجرت إسرائيل بعض التغييرات، بما في ذلك فتح معابر برية جديدة لدخول المساعدات إلى غزة. لكنّ المحكمة جادلت بأنّ هذه التغييرات جاءت فقط استجابة لضغوط من إدارة بايدن والمجتمع الدولي، وليس نتيجة محاولة إسرائيلية للامتثال للقانون الدولي.
وتابعت المحكمة: «في كل الأحوال، لم تكن الزيادات في المساعدات الإنسانية كافية لتحسين وصول السكان إلى السلع الأساسية».
من جهة أخرى، أوضحت المحكمة أنّ كلا القائدَين الإسرائيليَّين يتحمّلان المسؤولية «بصفتهما مشرفَين مدنيَّين» عن «توجيه هجوم ضدّ السكان المدنيّين عن قصد». وأضاف القضاة أنّهم وجدوا هجومَين «وُجِّها عمداً ضدّ المدنيّين»، لكنّهم لم يقدّموا تفاصيل إضافية بشأنهما.
كما أصدرت المحكمة مذكّرة توقيف بحق محمد ضيف، القائد العسكري لـ«حماس»، الذي أشرف على هجمات السابع من أكتوبر. وأعلنت إسرائيل في آب أنّها قتلت ضيف في غارة جوية جنوب غزة أسفرت عن مقتل عشرات الفلسطينيّين، على رغم من أنّ «حماس» لم تؤكّد وفاته بعد.
وأضافت المحكمة، أنّ المدّعين العامّين فيها «ليسوا في موقع يُتيح لهم تحديد ما إذا كان ضيف قُتل أم لا يزال على قيد الحياة»، لذا قرّروا إصدار مذكّرة التوقيف على أي حال.
بصفته قائد الجناح المسلح لـ«حماس»، خطّط ضيف للهجمات إلى جانب قادة آخرين في الحركة. وفي هجوم واسع ومنسق، اخترق مقاتلو «حماس» الدفاعات الإسرائيلية وشنّوا هجوماً أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وأخذ أكثر من 200 آخرين رهائن في غزة.
وفي بيانها، أعلنت المحكمة أنّ هناك أسباباً معقولة لتحميل ضيف المسؤولية عن العديد من الجرائم ضدّ الإنسانية، بما في ذلك القتل والتعذيب والعنف الجنسي وأخذ الرهائن.
وكان كريم خان، المدّعي العام للمحكمة، قد طلب أيضاً إصدار مذكّرات توقيف بحق يحيى السنوار، زعيم «حماس»، وإسماعيل هنية، الذي قاد المكتب السياسي للحركة. واغتيل هنية في طهران في تموز في عملية نُسبت على نطاق واسع إلى إسرائيل، بينما قتلت القوات الإسرائيلية السنوار في تشرين الأول. وقد أكّدت «حماس» وفاة الاثنَين.
آرون بوكسرمان- نيويورك تايمز