الجميع يلعب على خطّ النار: الخماسيّة تجاوزت “الرئيس”… ووصلت إلى السراي؟
أفرزت الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990) 3 محطّات أساسية، انتقل فيها نفوذ الخارج في لبنان من وصاية إلى أخرى. المحطّة الأولى حصلت في عام 1982، حين أدّى الاجتياح الإسرائيلي لبيروت إلى بروز وقائع جديدة، مفادها أنّ انتخاب رئيس للجمهورية بات محكوماً بالعمل العسكري على الأرض. كان الأميركي يومها حاضراً ولو بدور هامشي إلى جانب قوى أخرى. في المحطّة الثانية عام 1988، برز الأميركي كصانع قرار تشاركيّ مع سوريا بما يتعلّق بالملفّ الرئاسي اللبناني. أمّا المحطة الثالثة في عام 2005، فحينها قرّرت واشنطن إبعاد دمشق عن بيروت، وبدأت تلعب دوراً سياسياً بالإنابة عبر قوى لبنانية عدّة.
بعد انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، تدخّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الملفّ اللبناني بزخم. غير أنّ محاولة تكريس نفوذ فرنسي في لبنان باءت بالفشل في السياسة إلى أن عادت باريس واجتمعت مع عواصم لكلّ منها نفوذها التاريخي في لبنان.
اليوم دخلت الولايات المتحدة الساحة اللبنانية بالأصالة وباتت تقود المعسكر الغربي في بيروت.
بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وما نتج عنه من إعادة رسم مشهد المنطقة، باتت صياغة المحطة الرابعة من محطات إفرازات الحرب اللبنانية تتطلّب انحساراً للنفوذ الإيراني، مشابهاً لما حصل مع السوريين في عام 2005. وللوصول إلى ذلك أمامنا مدخلان: الحرب الدائرة في الجنوب اللبناني بين الحزب والاحتلال الإسرائيلي، والملفّ الرئاسي.
الإيرانيون، المعنيون بشكل أساسي بالملفّين، لم يعودوا مبادرين، بل باتوا في موقع ردّ الفعل. وباتت سياستهم في لبنان محكومة، ليس بالعلاقة مع الأميركيين فقط، بل وباتفاق آذار عام 2023 بين طهران والرياض، وهو ما سينعكس حتماً أيضاً على الدور الإيراني في بيروت.
بين الدور الأميركي المتّصل بالسيطرة على بحر شرق المتوسط من لبنان إلى الميناء العائم في غزة ولاحقاً معبر رفح بين القطاع ومصر، وبين استعداد الرياض لدخول المنطقة من غزة إلى بيروت ودمشق، تغيّرت الخارطة السياسية التي ستنعكس حتماً على ترجمة المحطّة الرابعة بعد الحرب الأهلية في لبنان، إذ لن يعود الإيرانيون كما كانوا في عام 2016، حين تساووا مع الأميركيين في ترجيح كفّة اختيار ميشال عون لرئاسة الجمهورية. بل أصبحت لإيران حساباتها الداخلية والخارجية، التي ستدفعها إلى التراجع خطوة إلى الوراء ليس فقط في لبنان، بل أيضاً في سوريا واليمن، على أن يبقى العراق الحيّز الاستراتيجي الأساسي لها.
فايران اليوم، تسعى إلى ترجمة أوراقها في العواصم التي امتدت إليها عسكرياً، لتحويلها إلى تقاسم نفوذ سياسي مع قوى دولية أخرى. وبالتالي إنّ الخماسية على قناعة أنّ تسوية الملف اللبناني لا تكون بكسر فريق إيران في لبنان ولكن في الوقت نفسه، لا تكون بتسليمه كل شيء.
ما بعد قمّة باريس
ربطاً بالدور الدولي والإقليمي الجدّي في لبنان، يخطّط الرئيس الأميركي لأن يستقرّ الوضع بين غزة ولبنان وإسرائيل قبل الدخول في المهلة الفاصلة انتخابياً. 27 حزيران هو موعد المناظرة بين بايدن وترامب. وقبلها يخطّط الرئيس الحالي أن يكون قد ربح بعض الأوراق في المنطقة المشتعلة مراهناً على المقترح الذي قدّمه لوقف إطلاق النار في غزّة.
لا نتيجة حتمية لهذا المقترح على الرغم من كمّ الهدايا التي قدّمتها واشنطن لنتنياهو. فبايدن يراهن إلى نجاح مقترحه سيما وأنّه قدم ضمانات لنتانياهو باستقباله خاطباً أمام الكونغرس وبالمحافظة على حكومته. لكنّ الحتميّ هو السباق بين المسار الأمنيّ على الحدود اللبنانية والمسار الدبلوماسي لانتخاب رئيس على الأقلّ تحضيراً للتهدئة.
عاد الموفد الفرنسي جان إيف لودريان من لبنان ومعه ملفّ لبناني مفصّل، فيه محضر لقاءاته مع القوى اللبنانية. وبحسب المعلومات سجّل لودريان في محضره أنّ لقاءه مع الرئيس بري كان ممتازاً. إذ أعرب برّي عن استعداده للذهاب إلى التشاور والدعوة إلى جلسات مفتوحة. اللقاء الجيّد الثاني كان مع النائب محمد رعد الذي أكّد له فصل الجبهة عن الرئاسة. إلا أنّ اجتماع لودريان مع اللجنة الخماسية عشيّة مغادرته بيروت تضمّن نقاشاً عن الإجراءات التي يجب أن تتّخذ بحقّ المعرقلين، من دون تحديد ماهية هذه الإجراءات. وبحسب المعلومات ستكون بعد قمة باريس صفحة جديدة من التعامل مع الملفّ اللبناني. وستناقش القمة المقترح الأميركي بكل تداعياته ومنها الملف اللبناني المرتبط بمصير المقترح ارتباطاً مباشراً. على أن يصدر بعد القمة فقرة مخصصة للملف اللبناني وفيها كلام يوازي كلام لودريان الأخير عن تهديد الكيان السياسي اللبناني وكلاماً ينسجم مع العمل الدبلوماسي للجنة الخماسية.
مصادر سياسية تعتبر لـ”أساس” أنّ نجاح مسار مقترح بايدن سيقود هوكستين مباشرة إلى بيروت للاتفاق على العناوين التي سبق أن ناقشها مع الرئيس برّي وتحدّث عنها في مؤسسة “كارنيغي”. وبالتالي يقود هذا الكلام إلى إعطاء الحزبَ ضماناتٍ مبنيةً على مضمون الاتفاق، وعندئذٍ يصبحُ الذهابُ إلى الخِيار الثالث خياراً مُتاحاً للحزب. أما في ظِل الحرب المشتعلة فإنَّ الحزب سيظلُّ متمكساً بمرشحِه سليمان فرنجية.
مواصفات رئيس الحكومة
مصادر دبلوماسية قالت لـ”أساس” إنّ الجميع يلعب على خطّ النار. لكن في النهاية يبقى الرهان على عدم الانزلاق، خصوصاً في حال فشل المقترح الأميركي في غزة. وأضافت المصادر أنّ الحزب يدرك أنّ وضع البلد لا يسمح بكسر أحد، بل يحتاج إلى مظلّة إقليمية لإعادة النهوض.
بالإضافة إلى رئيس توافقي يفترض أن ينتج عن جلسة الأسابيع المقبلة، ستكون لدى القوى الإقليمية مواصفات لرئيس الحكومة سبق أن أصبحت معروفة لدى المعنيين، أهمّها:
– أن تكون له علاقة ممتازة مع دول الخليج، وألّا يكون مرفوضاً من الثنائي الشيعي.
– أن يكون ذا خبرة سياسية وعلى معرفة ودراية بالطبقة السياسية في لبنان.
– أن لا يكون متورّطاً في ملفّات فساد.
– أن لا يكون صاحب طموح لتشكيل زعامة سياسية حتى لا يحوّل رئاسة الحكومة إلى زبائنية جديدة.
بين الحرب والعقوبات والمسار الدبلوماسي، سيختار لبنان واحداً من هذه المسارات في الأشهر القليلة المقبلة.
وعن هذا المسار، يعوّل كثر على أنّ من يتقن اللعب على حافة الهاوية لن يرضى أن يسقط البلد فيها.
جوزفي ديب- اساس