واشنطن هي “إمبراطور” المحجّة والقرار… لبنان على طاولة “النورماندي”: رئيس “دوليّ”!
كلّ الطرق تؤدّي إلى “واشنطن“
في “أوماها بيتش” أحد الشواطئ الخمسة التي شهدت في 6 حزيران عام 1944 إنزال القوات الأميركية في الحرب العالمية الثانية، سيحيي قادة العالم الذكرى الثمانين لتحرير دول التحالف أوروبا من النازيّة.
بدأ الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران إحياء هذه الذكرى عام 1984 دليلاً “على الأخوّة عبر المحيط الأطلسي”، وبعد عشرة أيام يحتفل إيمانويل ماكرون بالذكرى الثمانين واضعاً لنفسه هدفاً للّقاء: “على أوروبا أن تمتلك قدرة الدفاع عن نفسها، وفرنسا قوّة سلام”. غالباً ما كان يُدعى الرئيس الروسي للمشاركة في الاحتفال، إلا أنّ هذا العام مختلف. إذ قام الرئيس الفرنسي بدعوة ممثّل عن الكرملين إلى المشاركة في إحياء الذكرى من خلال العرض العسكري وليس القمّة السياسية، ما دام الغزو الروسي مستمرّاً لأوكرانيا على بعد 2,500 كيلومتر من سواحل النورماندي.
سيستمرّ هذا الاحتفال لأيام عدّة ثمّ سيعقد ماكرون قمّة دولية في باريس لطرح الأولويات على الطاولة. هي نفسها مصالح الدول التي تحالفت ضدّ النازية في الحرب العالمية الثانية، تضع لنفسها أولويات هذا العصر. بدءاً من الصين وتايوان، إلى روسيا وأوكرانيا، وصولاً إلى ملفّات منطقتنا، أي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا سيما مستقبل التعاون الأمنيّ السياسي مع المملكة العربية السعودية ومسار التطبيع، الأمن القومي المشترك بين أميركا وإسرائيل ومصر، أزمات السودان وليبيا وغيرهما.. حرب إسرائيل في غزة ودول الطوق ومنطقة الشرق الأوسط بملفّاتها الكبرى، وبطبيعة الحال.. لبنان.
كلّ الطرق تؤدّي إلى “واشنطن“
في اعتقاد مشوّه، تحاول البروباغاندا السياسية الترويج أنّ الضعفاء في موازين القوى في بلادهم هم من يسعون إلى الحجّ إلى واشنطن، أو الجلوس إلى إحدى طاولاتها. في المطلق هذا صحيح ما دامت واشنطن هي “إمبراطور” المحجّة والقرار. غير أنّ ما لا تعكسه البروباغاندا السياسية، أنّ القويّ في بلاده هو من يسعى في الواقع إلى أن يكون الأقوى ليجلس أيضاً إلى طاولة “الإمبراطور” ولو باختلاف الوضعية. الخلاصة أنّ الحجّ السياسي ثابت، إنّما ما يختلف هو الطرق. وكلّها تؤدّي إلى واشنطن.
في شهر نيسان الماضي، خصّصت واشنطن 61 مليار دولار لأوكرانيا و14 ملياراً لإسرائيل و8 مليارات لتايوان. وهي استثمارات سياسية في قضايا تعتبرها الولايات المتحدة مصالح استراتيجية. في قمّة باريس في حزيران، سيحضر قادة دول التحالف في قمّة تاريخية لرسم خريطة العالم المستقبلية وكيفية التعامل مع الأزمات العالقة. ولبنان على الرغم من صغره هو أزمة عالقة موجودة في أجندة قادة العالم ما دام على حدود “إسرائيل”.
واشنطن وباريس والرياض: رؤية موحّدة للبنان
في إنزال النورماندي منذ ثمانين عاماً، تحرّك الأميركي لتحرير باريس ثمّ أوروبا، وتحرّك خلفه البريطاني والفرنسي. في ذكرى النورماندي الـ80 يتحرّك الأميركي تجاه لبنان، ومعه الفرنسي والبريطاني من جهة، والسعودية ومصر وقطر من جهة ثانية.
انطلاقاً من هذه الثابتة، ليس تحرّك الخماسية الأخير من عبث. وليس الكلام والتكرار عن خيار الرئاسة والحدود أو الحرب أيضاً من عبث. وصل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان اليوم أمس الثلاثاء إلى بيروت ليقوم بجولة على القوى السياسية، أوّلاً لتكوين ملفّ عن نتائج العمل الدبلوماسي، وثانياً في محاولة أخيرة لإحداث خرق في الأزمة اللبنانية على قاعدة أنّ المدخل لحلّها هي رئاسة الجمهورية.
واحدة من ثوابت اقتراحات لودريان هي إمكانية أن يساهم في رئاسة أو المشاركة في جلسات التشاور. إلا أنّ باريس تدرك أنّ ذلك لا يروق لرئيس المجلس.
وعليه لا طاولة حوار لبناني لبناني مطروحة في باريس لأنّها شكل من أشكال الدلع اللبناني الذي اعتاد تنظيم مؤتمرات دولية لإجراء استحقاق دستوري من المفترض أنّ مكان مناقشته وتنفيذه هو لبنان.
بعد جولته، سيعود لودريان إلى باريس لوضع فريق العمل الدبلوماسي الفرنسي في جوّ المستجدّات اللبنانية. هناك، في القمّة التي ستجمع الرئيس بايدن بالرئيس ماكرون سيوضع ملفّ لبنان على الطاولة بوجود فريقَي العمل المتخصّصين في الملفّ اللبناني، ومن بينهم باربرا ليف، هوكستين، وغيرهما من الجهة الأميركية. ومن الجهة الفرنسية آن ماري غريو وجان إيف لودريان. وسيناقشون الخيارات المطروحة، ودائماً انطلاقاً من الحرص على أمن إسرائيل أوّلاً، وعلى انتظام الحياة السياسية في لبنان ثانياً. وفي الخيارات مسار سياسي يفرض تعاون القوى اللبنانية معه، ومسار أمنيّ ليس محبّذاً، لكنّه مطروح على الطاولة.
الحلّ السّياسيّ: لا وصاية للحزب على لبنان
بعد الحديث عن ثوابت استراتيجية لهذه العواصم المجتمعة في باريس، هناك ثابتة أخرى لبنانية. إذ تُجمع المصادر الدبلوماسية على أن لا تكرار لتجربة وضع لبنان تحت الوصاية كما سبق أن حصل مع سوريا أو مع ما سُمّي بالسين-سين. هذه المرّة مختلفة لأنّ الثابتة الوحيدة هي تلك التي ستؤسّس لعقود من الاستقرار الأمني من جهة والسياسي من جهة أخرى. هذه المرّة واشنطن وباريس حاضرتان بالأصالة. تضاف إليهما الرياض. وبناء عليه سيكون جدول الأعمال الخاصّ بلبنان في هذه القمّة على الشكل التالي:
1- انتخاب رئيس بالمواصفات الدولية التي تُختصر بأن يكون رئيساً اقتصادياً توافقياً ينتخب بأكثر من 86 صوتاً.
2- تشكيل حكومة إصلاحية تجيب على تقرير صندوق النقد الدولي الذي لم يأتِ في نسخته الأخيرة لمصلحة لبنان. وبالتالي تنفيذ الإصلاحات التي ستدرّ على لبنان الازدهار والنموّ.
3- بدء المفاوضات الحدودية والاتفاق على تثبيت الحدود بكلّ ما فيها من إشكاليات من دون أن يكون الهدف منها انكسار الحزب.
4- تطبيق الـ1701 من دون إحداث انقلابات سياسية في البلد كما سبق أن فعل قبل 20 عاماً اتفاق بوش وشيراك في النورماندي أيضاً بإقرار الـ1559.
في الخلاصة، سيصدر موقف مشترك عن القمّة مع إقفال كلّ أبواب اللعب على وتر الخلافات الأميركية الفرنسية. وبعده على القوى اللبنانية أن تقرّر مصيرها.
جوزفين ديب-اساس