جنبلاط القلق من حرب واسعة يتحرك رئاسيا: هل نحن أمام “مؤتمر دوحة” (2)؟

“الحرب الإسرائيلية لا تزال في بداياتها، وهذا يحتاج إلى المزيد من التعاضد والوحدة الوطنية وضرورة حماية مؤسسات الدولة، من خلال الوصول إلى تسوية وانتخاب الرئيس”… لا يمكن التغاضي عن هذا الموقف الخطير الذي أدلى به رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط من قطر، التي تلعب دوراً ديبلوماسياً أساسياً على أكثر من صعيد، وبشأن أكثر من أزمة، خصوصاً أنها أول زيارة يقوم بها جنبلاط إلى الدوحة، منذ أيار 2008، عندما لبّى (على مضض) مع الفرقاء الأساسيين في لبنان دعوة دولة قطر، في أعقاب “الغزو” الذي قام به “حزب الله” وحلفاؤه لبيروت وبعض مناطق الجبل، والتي أنتجت ما اصطلح على تسميته “إتفاق الدوحة”، لإنقاذ لبنان من حرب مذهبية لاحت حينها في الأفق.

ومواقف جنبلاط، إستقطبت الكثير من الاهتمام والمتابعة، وتركت تساؤلات عديدة، تتعلق بكيفية تفسير مواقفه هذه، وما هي الرسائل التي أراد إيصالها الى الداخل والخارج؟ وهل نحن أمام “مؤتمر دوحة” (2)؟ مصادر مقربة من جنبلاط تؤكد أن مواقفه التحذيرية من الخطر الاسرائيلي، نابعة من معطيات تكونت لديه، من خلال إستشراف الأحداث، وتقدير المصلحة.

وتتابع المصادر أن لدى جنبلاط ليس قناعة وحسب، بل معطيات تجعله متخوفاً من إقدام بنيامين نتنياهو على شن حرب واسعة على لبنان للهروب من المآزق التي تلاحقه عسكرياً وديبلوماسياً وداخلياً وقضائياً. وهذا ما دعاه الى التشدد في المطالبة بضرورة التسوية الداخلية من خلال إنتخاب رئيس للجمهورية، يعيد الاعتبار الى عمل مؤسسات الدولة الدستورية، التي تعاني شللاً كاملاً. فجنبلاط القلق من العدوان الاسرائيلي “الممكن” في أي وقت، يعيش هاجساً شديد التشاؤم في حال وقوع حرب موسعة، وذلك لسببين: الأول عدم وجود دولة (رئيس وسلطة) للمواكبة، وغياب لبنان عن إهتمامات عواصم القرار، اذ بات بالنسبة اليها أمام حرب أوكرانيا وإبادة غزة، أقل من تفصيل.

وتوضح المصادر، أن ما أدلى به جنبلاط من مواقف، يعبّر في الوقت نفسه عن مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا سيما وأن التنسيق بين الرجلين بلغ ذروته في الآونة الأخيرة، خصوصاً وأن مقاربتهما للمخاطر متطابقة، حتى أنه يمكن القول إن مباحثات جنبلاط في الدولة القطرية، هي بالأصالة عن نفسه، وبالنيابة عن بري، الذي فوّضه ضمنياً التفاوض باسمه. وهذا ما يمكن إستشرافه من إشادة جنبلاط بالجهود التي يقوم بها الرئيس بري، والتي وصفها بـ”المضنية والجبّارة”.

بناءً على ذلك، فإن جنبلاط وبالتنسيق مع بري يسعى الى إحداث خرق كبير في جدار الأزمة الرئاسية، ليكون لبنان محصناً دستورياً في حال شن نتنياهو حرباً واسعة على لبنان، وبالتالي زيارته الى قطر تصب في هذا الاطار، باعتبار أنّ القطريين معنيّون مباشرة بالمفاوضات الحاصلة في المنطقة، ما دفع “البيك” الى حث وتشجيع دولة قطر (كجزء من المجموعة الخماسية)، على المضي في الجهود التي تقوم بها في هذا الصدد.

إذاً، زيارة جنبلاط إلى قطر، تمحورت في صورة رئيسية حول الانتخابات الرئاسية في لبنان المعلّقة على تعقيدات داخلية وخارجية، زادت من حدتها حرب غزة، التي كرّست “وحدة المسارين”، الأمر الذي دفع جنبلاط للدعوة إلى ضرورة إنتخاب رئيس، (“أياً كان”، وفق “الحوار والتسوية”)، في رسالة مزدوجة إلى كل من “حزب الله” والمعارضة، من خلال دعوته الجميع إلى متابعة الجهود المضنية والجبارة التي يقوم بها الرئيس بري في ما يتعلق بمحاولة فصل المسارات بين لبنان وغزة. وكأنه يقول إنّه على إستعداد لتقديم كل التسهيلات لانتخاب أيّ رئيس، بمعزل عن الاسم، إذا ما كان قادراً على الوصول إلى قصر بعبدا. فهل من يتلقف الخطر الذي يخشاه وليد جنبلاط؟

زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة