الاتفاقات السعودية الإيرانية الأميركية.. ونتنياهو “المخرّب” الإقليمي يسابق الوقت!
ثلاثة مسارات يراد لها أن تتوازى مع ثلاثة استحقاقات، جميعها سيكون له تأثير على المنطقة ولبنان. المسار الأول، هو مسار التفاوض الأميركي الإيراني، المستمر والمفتوح وسط إصرار الطرفين على الوصول إلى تقاطعات ونقاط مشتركة. المسار الثاني، هو التفاوض الأميركي السعودي، والذي يستمر أيضاً في سبيل الوصول إلى اتفاقات، أصبحت قريبة على ما يبدو. والمسار الثالث هو المسار الأميركي الإسرائيلي، والذي ينطوي على تناقضات كثيرة وابتزازات كبيرة. أما الاستحقاقات الثلاثة، فهي الانتخابات الإيرانية، الانتخابات الأميركية، والضغط الأميركي مع ضغط داخلي إسرائيلي في محاولة لإسقاط حكومة نتنياهو، وفرض انتخابات جديدة.
ما تريده طهران والرياض
بالنسبة إلى المسار الإيراني الأميركي، فإن المفاوضات غير المباشرة مستمرة، والمفاوضات المباشرة تتواصل على صعيد الخبراء، تحضيراً لعقد اجتماع جديد على مستوى سياسي في المرحلة المقبلة. بنود هذا المسار واضحة، وقف الحرب في غزة، منع التصعيد في لبنان واليمن والبحر الأحمر، تجديد التفاوض حول الملف النووي، وتخفيف العقوبات عن طهران.
معروف أن إيران تتخذ موقفاً مسانداً لجو بايدن انتخابياً في مواجهة ترامب. ما يتفرع عن هذا المسار هو طموح إيراني في انتزاع اعتراف أميركي بالنفوذ في المنطقة ككل.
أما بالنسبة إلى المسار السعودي الأميركي، فأيضاً بنوده أصبحت معروفة، اتفاقيات أمنية وعسكرية ودفاعية. اتفاقات اقتصادية وأخرى تتصل بالنووي السلمي، وصولاً إلى اتفاق تطبيع أو اعادة رسم “النظام الإقليمي”. تصر السعودية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وضغط الأميركيين على الإسرائيليين لوقف الحرب في غزة، والموافقة على مسار الدولة الفلسطينية مع الحصول على ضمانات.
ما لا يريده نتنياهو
لكن ذلك لا يوافق عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يرفض بشكل كامل دولة للفلسطينيين، وهو يتعامل مع الأمر باعتبار أنه انتزع موافقة مبدئية على التطبيع، من دون أن يكون مضطراً لتقديم أي تنازلات حالياً، ويفضل استمرار الحرب إلى أطول فترة ممكنة، سعياً وراء تحقيق أهدافه. علماً أن الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية صعبة التحقيق، في حال كانت مرتكزة على مسألة تهجير الفلسطينيين، للقضاء على أي مقوم من مقومات قيام دولة فلسطينية، وهذا صراع لا يمكن أن ينتهي منذ ما قبل النكبة.
تشدد نتنياهو، يؤسس للكثير من الإشكالات الإسرائيلية الداخلية. وهو ما استدعى ضغوطاً كثيرة عليه من قبل المعارضة، ومن داخل المعسكر الحكومي نفسه، بعد المهلة التي وضعها له بني غانتس حول وضع تصور سياسي لنهاية الحرب. لكن حتى الآن لم تنضج مقومات اسقاط حكومة نتنياهو، وهو الذي يسعى إلى ابتزاز الجميع والضغط عليهم فيصبح كل من يريد التعارض معه فعلياً وجدياً، منبوذاً شعبياً. منطق الابتزاز نفسه يمارسه نتنياهو مع الأميركيين، الذين يتعاطى معهم على قاعدة خذ وطالب. وهذا ما حصل مؤخراً بخصوص معركة رفح التي على ما يبدو نال موافقة أميركية عليها، إثر تسريبات تتحدث عن تعديل الخطط العسكرية، علماً أن النتيجة بالنسبة إليه يفترض أن تكون واحدة.
سباق مع الوقت
إسرائيل تخوض سباقاً في الحرب. أما المساران السعودي والإيراني فيتسابقان حول من يصل قبل الآخر إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، مع الاعتبار للتفاهم القائم بين السعودية وإيران، وليس على قاعدة الصراع الذي كان قائماً في العام 2015 لحظة الوصول إلى الاتفاق النووي. الجميع أصبح محكوماً بالوقت. فالإدارة الأميركية تريد أن تحقق نتائج قبل موعد الانتخابات الرئاسية للاستثمار بذلك انتخابياً وسياسياً. طهران أيضاً أصبحت منشغلة بملفها الداخلي، وخوض الانتخابات الرئاسية، مع ما سينجم عنها، مع إصرار إيراني على استكمال مسار التفاوض مع الأميركيين. وسط هذا الإنشغال الإيراني جاء اجتماع قوى المحور في طهران، والذي ضم ممثلين عن كل قوى المقاومة، لتثبيت القوة، وللقول إن حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية لم تؤثر على قوة المحور، الذي سيبقى موحداً ويسعى إلى التصعيد حتى النصر كما جاء في التسريبات.
نتنياهو المخرّب
كل طرف يسعى إلى تجميع أكبر قدر من الأوراق التي يمتلكها، في سبيل تعزيز ظروفه وحظوظه ومواقع نفوذه على مستوى المنطقة. أما نتنياهو فهو يمكن أن يذهب إلى تخريب كل شيء. فموقفه الرافض لتقديم أي تنازل سيؤدي إلى تخريب مسار التفاهم السعودي الأميركي، إلا إذا حصل فصل بين الملفين، أي ملف العلاقات والاتفاقات الأميركية السعودية عن ملف التطبيع.
وموقف نتنياهو المصرّ على استكمال الحرب في غزة، والتهديد المستمر بالانتقال إلى لبنان، قد يؤدي إلى تخريب مسار التفاوض الإيراني الأميركي، خصوصاً أن نتنياهو يسعى إلى استدراج الغرب وأميركا بالتحديد إلى جانبه في أي معركة يمكن أن تتسع مع حزب الله.
في هذا السياق، يعيش الإسرائيليون وضعاً صعباً في غزة، مع إطالة أمد الحرب واستمرار حماس في القتال، وفي جنوب لبنان مع مواصلة حزب الله لعملياته، واستمرار تهجير سكان المستوطنات، ما يضاعف الضغوط على الحكومة، التي تلزم نفسها بمهلة زمنية هي شهر أيلول، لعدم إضاعة سنة جديدة من عمر المآزق. وذلك سيكون إما بتفاهم كبير أو بحرب كبيرة. كلهما سيكون العنصر الفاعل فيهما إيران وحلفاءها. وعليه فإن الحرب قابلة لأن تطول، كما أن مسار التفاوض والتسوية سيكون طويلاً. فيما لبنان يبقى على حافة خطر عسكري وأمني وسياسي حقيقي في ظل استمرار الفراغ والتجاذب السياسي، بغض النظر عن تحركات الوقت الضائع التي لا تبدو فاعلة، وستكون إحدى محطاتها الجديدة زيارة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، او اللقاء المرتقب بين جو بايدن وايمانويل ماكرون، والذي تتضارب التوقعات والترجمات له. أما بالنسبة إلى إيران وحلفائها، فإن الكلام للميدان. وهو وحده يقرر على طاولات التفاوض من اليمن إلى لبنان.
منير الربيع- المدن