من أقنع رئيسي بركوب المروحية وسط هذه الأجواء الطبيعية الصعبة؟

امتحان إيران في مروحيّة رئيسي

بمقدور طهران لو شاءت أن توسّع دائرة الشكوك وأن تحمّل مسؤولية سقوط / إسقاط مروحية الرئيس الإيراني لمن تشاء. فكلّ طرف خذلها أو دخل معها في نزاع أو خيّب ظنّها في مسائل تعنيها، مدرج على لائحة الاتّهامات. لكنّها في ضوء المواقف والتصريحات الصادرة عن الكثير من القيادات السياسية والعسكرية تفضّل كما يبدو تبنّي نظرية رداءة الأحوال الجوّية وعدم الدخول في مواجهة إقليمية جديدة في هذه المرحلة.

من الذي أقنع رئيسي بركوب المروحية وسط هذه الأجواء الطبيعية الصعبة؟ وكيف تخلّت بقيّة المروحيّات في السرب عن طائرته مع أنّ الحرس والمواكبة الرئاسية كانوا هناك؟ قابلت ذلك على الفور رسائل إيرانية مشفّرة تقطع الطريق باكراً على نظرية المؤامرة بعدما سارعت بعض القيادات السياسية والعسكرية إلى الإعلان أنّ الأجواء الطبيعية والأمطار والثلوج هي التي تسبّبت بالكارثة دون انتظار ما سيقوله فريق التحقيق.

شكل نتائج التحقيقات وما ستقود إليه أوجزتهما القيادات الإيرانية منذ لحظة انتشار خبر سقوط الطائرة. وهي لا تملك خيارات أفضل إلا إذا قرّرت مواصلة سياسة الشحن والتعبئة في الإقليم، وهو السيناريو المستبعد كما يبدو. باستطاعة طهران أن تشير نحو العديد من الجيران وأن تبني فوق ذلك هرم الاستهداف باتجاه أكثر من عاصمة لها حسابات لم تكتمل بعد معها. يمكنها أن ترمي الكرة في ملعب تل أبيب وواشنطن كما فعل وزير الخارجية الإيراني الأسبق جواد ظريف. وبمقدورها أن تحمّل العديد من العواصم في المنطقة مسؤولية ما جرى وتذهب باتّجاه الجار الأذربيجاني والشريك الأرميني اللذين أسقطا ورقة دخولها على الخطّ بينهما من يدها. وهو أبسط السيناريوهات التي يمكن اللجوء إليها لتسجيل اختراق استراتيجي في جنوب القوقاز بعدما أقلقها التقارب بين باكو ويريفان بتشجيع تركي – غربي.

الدروس التي ستستخلصها إيران من الحادثة على مستوى الداخل والخارج مهمّة طبعاً. لكنّ مشكلتها تبقى كما سبق أن ردّدنا هي عدم ظهور القبطان المناسب القادر على توجيه سفينتها وضمانة سلامة الإبحار بين الألغام والجزر الصخرية المنتشرة بكثافة، والتي تختفي لساعات ثمّ تعود إلى الظهور فجأة معرّضة الباخرة وحمولتها للغرق، خصوصاً بعد فقدان البوصلة التي كان من المفترض أن تخرجها من ورطتها وتقودها نحو الاتّجاه الصحيح.

تقع الجغرافيا الإيرانية اليوم في قلب بؤر التوتّر الذاهب نحو التصعيد السياسي والعسكري. تضاف إلى ذلك علاقاتها الإقليمية الدائمة السخونة، حيث يسود منطق الاستقواء والتحدّي. دون أن نغفل أزمات الداخل بنواحيها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لا تريد القيادات الإيرانية التعامل بجدّيّة مع معضلة “لماذا لا تنتهي خلافاتنا مع الإقليم؟”. ولا تريد أن تساوم على ما تعتبر أنّها بمقدورها فرضه على الآخرين أو ترى أنّه من حقّها الطبيعي وما تستطيع أخذه دون أيّة تنازلات، وربّما هذا ما قد يدفعها لتجاهل الكثير من التساؤلات والنقاط العالقة والغامضة من مثل: هل هو عمل مدبّر أم جاء نتيجة العوامل الطبيعية والعواصف والأمطار؟

كيف ستخرج إيران من حادثة مقتل رئيسي؟

لا حاجة لانتظار ما سيقوله الصندوق الأسود في مروحية الرئيس الإيراني ولا الكشف عن الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام:

– المرشد الإيراني قال إنّ الأمور تسير على ما يرام في البلاد وإنّ 5 أيام حداد كافية لتنطلق المرحلة الانتقالية في البحث عن رئيس جديد. لكنّ المسألة أبعد من انتخاب رئيس يقود. بل المسألة تحضير خليفة للمرشد الإيراني بعدما كان رئيسي المرشّح الأوفر حظّاً. فهل تزايدت حظوظ نجله مجتبى أم لا؟

– سعت القيادة الإيرانية إلى الاستقواء في الداخل بأوراق القوّة الأيديولوجية والسياسية والعسكرية في الخارج. فهل تتخلّى عن هذه المعادلة وتلتفت إلى شؤون الداخل وتطلق حملات التغيير والتحديث ووضع برامج الإصلاح الاقتصادي؟

– هل تذهب باتّجاه قراءة مغايرة لرهانها على روسيا والصين الذي لم يعد كافياً؟ فالعديد من الدول الإقليمية حسّنت علاقاتها مع البلدين، كما أنّ موسكو وبكين دخلتا في مسار البحث عن مصالحهما مع العديد من دول الإقليم التي بدأت برسم ملامح المنطقة الجديدة.

– كيف سيتحرّك المثلّث الشهير الذي يجمع مؤسّسة المرشد والحرس الثوري ومجمع تشخيص مصلحة النظام لتقاسم النفوذ والسلطة في إيران خلال المرحلة الانتقالية سياسياً وقضائياً وعسكرياً؟

– ما الذي ستقود إليه التحقيقات؟ وكيف سيكون شكل إيران الجديدة بعد شهرين؟ هل تواصل سياسة التشدّد تحت غطاء الليونة التي اعتمدها رئيسي وعبد اللهيان لسنوات بتوجيه من المرشد؟

أرشيف شباط 1979

على القيادة الإيرانية إذا ما قرّرت إعلان بداية مرحلة جديدة في الداخل والخارج أن تعود لأرشيف شباط 1979 وما واكبه من أحداث لمحاسبة نفسها على ما جرى طوال تلك الفترة الانتقالية. حين كان الثمن باهظاً على مئات الآلاف من الإيرانيين الذين تحمّلوا أعباء ونتائج تلك المرحلة. هناك الآن أيضاً فرصة ولادة مرحلة انتقالية جديدة، فهل تهدرها القيادات الإيرانية؟

لا مؤشّر حقيقيّاً يذهب بالاتّجاه الآخر:

تنبّهت طهران إلى وجود المسيّرة التركية “أقنجي” في أجواء تبريز لأكثر من 7 ساعات. وتتبّع 3 ملايين مشاهد سير تحرّكها وهي تبحث عن أنقاض مروحية رئيسي بطلب من الجانب الإيراني الذي اختار أن يشكر تركيا على جهودها، بعدما نجح هو في تحديد موقع الطائرة المحطّمة كما أعلن.

لم تتأخّر أنقرة في الردّ في ساعة متأخّرة من خلال الكشف عن الكثير من التفاصيل الموثّقة، فأعلنت أنّ مسيّرتها رصدت “مصدر حرارة” حطام المروحية وشاركت الإحداثيات مع سلطات طهران، قبل أن تعود أدراجها إلى قاعدتها في جنوب البلاد.

إيران ليست جاهزة بعد.

سمير صالحة- اساس

مقالات ذات صلة