هل ساند “الحزب” غزة فعلاً أم “ساند نفسه”… وورّط لبنان؟
لا يحتاج أي متابع إلى تفكير طويل ليكتشف هشاشة ذريعة “حزب الله” بما يُسمّى جبهة الاسناد لغزة، وبنظرة بانورامية لمشاهد الدمار من قطاع غزة إلى الجنوب اللبناني، لا بد من الاعتراف بأن غزة خرجت عن منظومة الحياة، و”حزب الله” الذي يروّج للإسناد منهمك في احصاء ضحاياه، وأدت اشتباكاته مع الجيش الاسرائيلي إلى دمار هائل لقرى الجنوب وتهجير سكّانها، وبالتالي ورّط لبنان في حرب لا تعنيه وكان من الممكن تفاديها لكن حسابات إيران ومحورها لا تحترم إرادة الشعب اللبناني الذي أجمع على رفض الحرب وخصوصاً أن الوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان لا يحتمل حرباً نظراً إلى الانهيار الكبير منذ العام 2019.
وكي لا يكون كلامنا نظرياً، فلندع الأرقام تتكلّم عن فاعلية جبهة إسناد “حزب الله” لغزة وتقديرات الخسائر البشرية والبنية التحتية من خلال ما نشره مكتب الشؤون الانسانية OCHA، وزارة الصحة في غزة ومكتب غزة الاعلامي والبنك الدولي في 7 نيسان 2024 وجاء على الشكل الآتي: 33,175 ألف قتيلاً، 75,886 جريحاً، 9,500 امرأة قُتِلَت، 7 آلاف شخص مفقود أو تحت الأنقاض، 14,500 طفل قُتِلَ، 1,7 مليون نازح، 60 في المئة من المباني السكنية تضررت، 80 في المئة من المنشىآت التجارية تضررت، 18,5 مليار تكلفة مقدّرة للضرر الذي لحق بالبنية التحتية الحيوية.
هنا لا بد من التساؤل: أي اسناد هذا والقطاع لا يزال يتعرّض لهجوم اسرائيلي من شماله إلى جنوبه بالزخم نفسه؟ يقول الناشط عباس خريس المقرّب من “الحزب” لـ “لبنان الكبير”: “ان مقاربة أرقام الخسائر والأضرار في غزة لا تعطي صورة حقيقية عن فاعلية جبهة الاسناد التي يقوم بها الحزب ضد شمال اسرائيل، وعلينا التفكير من منظار عسكري استراتيجي، وقد أقرّ المسؤولون الرسميون والمحللون العسكريون الاسرائيليون ووسائل الاعلام العبرية – قبل غيرهم – بأنّ الحزب دمّر الشمال وأنهى الحياة فيه، ولن يكون لسكان الشمال منازل يعودون إليها بسبب ضربات الحزب”.
ويضيف: “انّ الحزب لجأ الى معادلة توازن العين بالعين، أي المنزل بالمنزل والمدني بالمدني. وهو بذلك تجاوز إسناد جبهة غزة وصولاً الى اعتماد كسر التفوق العسكري الاسرائيلي، وقد استشعر جيش الاحتلال قبل غيره تغيير نمط قتال المقاومة وبات يحسب له ألف حساب بإجراءات حماية لمواقعه وجنوده أكثر مما هي إجراءات قتال هجومية جديدة. وسيدفع كسر التفوق العسكري الاسرائيلي قيادة الاحتلال السياسية والعسكرية الى إعادة الحسابات حول ما يتعلق بجبهة الشمال”.
ويرى خريس أن “جبهة الجنوب إستطاعت من خلال المساندة والمشاغلة الفاعلتين جذب 40 الى 50 بالمئة من الجيش الاسرائيلي في إتجاه هذه الجبهة، وهذا الأمر خفّف من الضغط على الفلسطينيين”، مشيراً إلى أن “هذه الجبهة تسبّبت في إرباك شديد لدى إسرائيل، ولا تزال حتى اليوم جبهة إسناد لغزة لا جبهة إشعال للمنطقة مع جهوزية من جانب المقاومة في حال بدأت إسرائيل حرباً على لبنان، علماً أن الاسرائيلي خسر عنصر المباغتة لكون عَصب الجبهة مشدوداً”.
في المقابل، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي هشام أبو حبيب: “ان جبهة المساندة من جهة الجنوب اللبناني لم تغيّر شيئاً في الواقع الميداني في غزة ولو قيد أنملة، ولو أن المستوطنين الاسرائيليين غادروا المنطقة المتاخمة للحدود، ولو أن هذه الجبهة إضطرّت الجيش الاسرائيلي الى حشد 100 ألف جندي على الحدود، علماً أنّ الخسائر المادية والبشريّة التي لحقت بإسرائيل، من خلال فتح الجبهة اللبنانيّة، لا تقارن بالخسائر الجسيمة التي لحقت بلبنان، من دمار للقرى الحدودية ونزوح كثيف وتعطّل الدورة الاقتصادية والمدارس. كل ذلك، لم يُخفّف الضغط عن غزة بدليل أن العملية البرية الاسرائيلية لم تتوقف بل مستمرة في رفح وجباليا”.
ويلفت إلى أن “الحزب يعاني من خسائر في الأرواح والتجهيزات ويحاول استيعابها وإنزال خسائر مضادة بالاسرائيليين، ويجهد للتكيّف الدوري مع المتغيّرات الميدانية التي تفرضها إسرائيل من دون مجازفتين: مجازفة الردّ العنيف الذي قد يُفضي الى تصعيد أكبر لا يريده، ومجازفة الردود الضعيفة التي تُنهي مقولة الردع التي ينادي بها، وتعرّضه للمزيد من الضربات. والتكيّف هذا بالغ الصعوبة على المدى الأبعد إذ انه استنزاف لموارده البشرية، يترافق مع قصف إسرائيلي لطرق إمداده العسكري الايراني عبر الأراضي السورية”.
ويشير أبو حبيب إلى أن “إسرائيل إذ وسّعت من جغرافيا قصفها، فصلت مسار جبهتها الشمالية عن حربها على غزة، وصارت تطالب بصورة واضحة بخلوّ كامل منطقة جنوب الليطاني من قوات حزب الله وأسلحته إن بالاتفاق أو بشنّ حرب تدميرية بمعزل عن غزة ومصير الحرب عليها”.
بالنسبة الى الأستاذ الجامعي الدكتور فريد حلو، فان “التصعيد المستمر منذ ٧ تشرين الأول لم يُفِد القضية الفلسطينية بشيء ولم ينصر غزة، إذ تدمّرت بيوت الجنوبيين وقضوا بالمئات ونزحوا عن أرضهم بالآلاف وخسائر الاقتصاد اللبناني بالمليارات، علاوة على الأزمات الخانقة التي عصفت بالبلاد. ويمكننا أن نجزم بأن قرار الحرب الذي اتخذه الحزب في الجنوب لا يراعي المصلحة الوطنية العليا بل يجعل لبنان في مهب لعبة النفوذ. في حين أن المطلوب بالنسبة الينا هو ملاقاة ودعم الجهود العربية للوصول الى مسارات سلمية للصراع”.
واللافت أن مناخ الترهيب الذي يفرضه “الحزب” على معارضيه وتقنين الخدمات للمواطنين في الجنوب، وفق حلو، لم يثنِيا اللبنانيين عموماً عن رفع الصوت عالياً ضد الحرب، إلا أن التخوف يبقى من انزلاق الأمور إلى مواجهات أوسع لا تُحمد عقباها ويدفع ثمنها لبنان البلد؛ الذي لا تزال الدولة فيه أسيرة الشلل والشغور نتيجة هيمنة دويلة “الحزب” على قرارها ومصادرته أدوارها، لا سيما في ما يخص الدفاع والأمن وقرار الحرب والسلم.
أما في ما يخص غزة، فيوضح حلو “لا نعرف إذا كان حزب الله يعلم أن الحرب هناك أحدثت صدمات اقتصادية دفعت بمئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دائرة الفقر المدقع. ويُجمع الآن المسؤولون والخبراء الاقتصاديون على أن الأمر بات في غاية الصعوبة، وسيحتاج إلى سنوات طوال ليعود الى مستوى يقترب مما كان عليه قبل الحرب”، معتبراً أن “البنية التحتية ستحتاج الى مليارات الدولارات من أجل إعادة إعمارها، وستعمّق الحرب أزمة البطالة في القطاع، التي كانت تُعدّ الأعلى على مستوى العالم قبل الحرب”.
خلاصة الكلام، عندما قرّر “حزب الله” مساندة غزّة، إنما كان، في حقيقة الأمر، يساند نفسه، ويدافع عن مكتسباته في لبنان، وعن نظام ايران ومشروعها في المنطقة، وليس انتصاراً “لخطابه المقاوم من أجل فلسطين”، أو تلبية لتوقّعاتٍ من هنا أو هناك، كما يزعم بعضهم.
جورج حايك- لبنان الكبير