مقتل رئيسي: اما تصفية من داخل النظام واما اغتيال من خارجه…حتى اثبات العكس!!
سؤال واحد يكاد يجمع عليه معظم المراقبين والمحللين في العالم، لماذا تسقط مروحية الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي وحدها دون مروحيتين أخريين كانتا ترافقانها وسط الظروف المناخية نفسها، في طريق العودة من الحدود مع أذربيجان الى مدينة تبريز؟
سؤال يأخذ المتابعين والمراقبين الى أكثر من تحليل وتبرير وشبهة، لكنه لا يصل الى جواب حاسم لا يستبعد واحداً من احتمالين اما تصفية من داخل النظام واما اغتيال من خارجه.
فالرئيس رئيسي، وعلى الرغم من شخصيته الهادئة، لم يكن شخصية عادية لم تنغمس تماماً في لعبة السلطة التي أعقبت “الثورة الاسلامية” في العام ١٩٧٩، ولم يأتِ من بيئة معتدلة أو منفتحة لا على الداخل ولا على الخارج، ولم يحمل في سجله ما يبعد عنه شبح الانتقامات من أكثر من جهة محلية وخارجية.
فالرجل كان واحداً من أربعة قضاة تألفت منهم في العام ١٩٨٨ ما عرفت بـ”لجنة الموت” المسؤولة عن اعدام آلاف السجناء السياسيين الأعضاء في حزب “تودة” الشيوعي المنحل ومنظمة “مجاهدي خلق” وتيارات معادية للنظام الديني في البلاد والاجراءات المتشددة المتعلقة بالحجاب وحقوق المرأة والحريات العامة والتباينات السياسية.
وأكثر من ذلك، يعتبر رئيسي واحداً من أقرب الحلفاء الى الامام خامنئي، والأوفر حظاً في حسم الصراع على خلافته، والمساهم في تعثر المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، والأكثر حماسة واصراراً على انتاج قنبلة نووية ايرانية، والأكثر عنفاً في مواجهة الاحتجاجات الصاخبة التي أعقبت مقتل الايرانية مهسا أميني في أيلول العام ٢٠٢٢، والأكثر تورطاً في دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، والأشد تمسكاً بالأذرع التي تضرب اسرائيل والمواقع الأميركية في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين، وأبرز المسؤولين الايرانيين الكبار على لائحة العقوبات الأميركية وسجلات منظمة حقوق الانسان الدولية.
ويقول مراقبون ديبلوماسيون وأمنيون ان رأس الرئيس الايراني كان مطلوباً من أكثر من طرف، بدءاً من أذربيجان وكردستان اللتين تتهمهما ايران باحتضان قواعد اسرائيلية، ومن باكستان على خلفية المناوشات المتبادلة في اقليم بلوشستان، ومن الأردن المنشغل بمكائد ايرانية تستهدف الأمن والنظام، مروراً بالمخابرات الأوكرانية التي لم تنسَ بعد طائرتها المدنية التي أسقطها صاروخ ايراني قبل أربع سنوات، والأميركية التي تتهم “الحرس الثوري” بالوقوف وراء الاعتداءات التي تطاول قواعدها في العراق وسوريا والأردن والبحر الأحمر، وصولاً الى الأكراد الايرانيين ومنظمة “مجاهدي خلق” التي لا تزال ناشطة عل حدود ايران مع عدد من الدول المجاورة.
لكن أكثر ما تشير اليه أصابع الاتهام، حسب هؤلاء المراقبين، هو التنافس على خلافة خامنئي الذي بلغ مرحلة من العمر لم تعد تسمح له بادارة البلاد التي تمر بواحدة من أخطر مراحلها على الاطلاق، ألا وهي مستقبل “الثورة الاسلامية” في ساحات مشتعلة بدأت بعملية نوعية في غزة وتحولت الى حرب عالمية غير معلنة.
وليس في هذا الاتهام أي غرابة اذا عدنا الى الوراء قليلاً، الى سلسلة الاقالات التي طاولت أول رئيس ايراني أبو حسن بني صدر بأمر من مجلس الشورى الايراني، والاغتيالات التي طاولت الرئيس الثاني محمد علي رجائي ورئيس وزرائه محمد جواد باهير بانفجار حقيبة مفخخة خلال اجتماع حكومي، اضافة الى اغتيال محمد بهشتي أبرز الأئمة الايرانيين المهيئين لخلافة الامام الخميني، ورئيس الوزراء السابق شابور بختيار في العاصمة الفرنسية باريس وعدد كبير من أنصار الشاه والمنظمات المعارضة في كل أنحاء العالم.
وأكثر من ذلك، لا يسقط المراقبون نظرية الاغتيال مستندين في ذلك الى سلسلة حوادث مماثلة كانت في معظمها نتيجة مؤامرات أو تصفيات ومنها على سبيل المثال والحصر، مقتل الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق، وجون غارينغ قائد الثوار في جنوب السودان، وعدنان خير الله شقيق زوجة الرئيس صدام حسين بعد بروز نجمه في حرب الخليج، ورشيد كرامي في لبنان، وقائد “قوات فاغنر” في عملية مدبرة جاءت بعد تمرده على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس العراقي السابق عبد السلام عارف، اضافة الى حوادث أخرى عادية وغامضة طاولت رؤساء الاكوادور وبولندا ومقدونيا وموزامبيق.
وسط هذه المعطيات يعود المراقبون الى السؤال الأول، لماذا مروحية رئيسي وحدها، وهي التي يفترض أن تكون مجهزة بأفضل شروط الأمان والسلامة الى جانب أكثر الطيارين خبرة ومهارة واحترافاً؟
وثمة أسئلة أخرى، ماذا كان دور المروحيتين اللتين كانتا ترافقان رئيسي وأعضاء وفده عندما سقطت أو أسقطت المروحية الرئاسية؟ ولماذا لم يقم طياروها بأي محاولة انقاذية أو لماذا لم تستعن بهم السلطات الايرانية لتحديد مكان الحادث وتسريع عمليات التفتيش والانقاذ؟ ولماذا اختار الوفد الرئاسي التحليق فوق منطقة يتردد أنها تحمل خطرين ثابتين، أولهما الخطر المناخي والجغرافي الصعب، وثانيهما الخطر الأمني المتمثل في وجود منظمات عسكرية معادية للنظام الايراني؟
وانطلاقاً من هذه التساؤلات يكشف مصدر ديبلوماسي غربي، أن رئيسي ذهب على الأرجح ضحية الصراع على خلافة الامام خامنئي الذي ساعده في الوصول الى الرئاسة في انتخابات العام ٢٠٢١ وأوحى للمقربين منه بأنه الأكثر أهلية لمنصب المرشد الأعلى في المستقبل، مشيراً الى أن موضوع الخلافة في طهران تحول الى قنبلة موقوتة تهدد بتفجير كل من يحاول الاقتراب منها.
ويضيف: “ان أمام ايران الآن فترة خمسين يوماً لتحديد هوية الرئيس المقبل في عز الصراع القائم بين الاصلاحيين والمتشددين”، مؤكداً أن المنطقة بأسرها ستكون في هذه الفترة على أعصابها ولا سيما في لبنان حيث ربط “حزب الله” مصيره وقراره ووجوده بكل تفصيل من تفاصيل الاستراتيجية الايرانية في العالم.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ماذا يمكن أن يختار حسن نصر الله العالق في حرب استنزاف مع اسرائيل منذ ثمانية أشهر؟ هل يواصل الحرب في وقت تسود البلبلة أوساط الحكم في طهران أم يلجمها أم يتبنى أي حل فرنسي أو أميركي يحفظ له ماء الوجه ويقوم على تبني القرار ١٧٠١، أو يسرع الى انتخاب رئيس للجمهورية تجنباً لفراغين خطرين في كل من لبنان وايران، اضافة الى فراغ محتمل في غزة في حال تمكنت اسرائيل من السيطرة على رفح؟
وفي الانتظار يتمسك المراقبون بأن ما جرى يضع النظام الايراني وأذرعه على المحك، مؤكدين أن “الجاني” لن يجرؤ على اعلان مسؤوليته، وأن السلطات الايرانية لن تجرؤ على قول الحقيقة التي يمكن أن يصل صداها الى كل المتورطين في الصراع الحالي وتجعل كل الرؤوس الحامية اما عرضة للتبريد واما عرضة للسقوط.
انطوني جعجع- لبنان الكبير