إسرائيل بعد وفاة رئيسي: “يا للخسارة” لو كان نتنياهو معه!

بدت رائحة التشفي واضحة في طريقة تفاعل الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل مع واقعة سقوط الطائرة التي تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، منذ اللحظة الأولى لإعلان النبأ، ووصولاً إلى إعلان وفاته رفقة وزير خارجيته ومرافقين آخرين.

وتصدرت الحادثة اهتمام الإعلام العبري بكل أشكاله ومرجعياته، وكانت عنواناً رئيسياً في محطات التلفزة والإذاعة، لدرجة أنه كان العنوان الأول في النشرة الإخبارية الصباحية للإذاعة الإسرائيلية الرسمية “مكان”.

“مكان” افترض الوفاة.. أولاً
واللافت أن محلل الشؤون السياسية للتلفزيون الإسرائيلي الرسمي تعامل منذ الساعة الأولى لسقوط الطائرة مع فرضية وفاة الرئيس الإيراني كأمر “حتمي”، أي قبل ساعات طويلة من إعلانه رسمياً من الجمهورية الإسلامية، إذ أشار محلل “مكان” إلى أنه بالإضافة إلى تثبيت جهاز “جي بي اس” على متن الطائرة، فإن هناك جهازاً آخر خاص بالرئيس الإيراني، وأنه بإمكان هذا الجهاز أن يعطي إشارة عن مكانه وحالته على مدار 3 أيام، لكنه لم يفعل ذلك، وهو ما دفعه إلى استنتاج مفاده أن “الطائرة تعرضت لتحطم كامل”، ووفاة ركابها.

وفي السياق، زعم محلل “مكان” أن الإعلام الإيراني لم يستعجل إعلان وفاة رئيسي، بأمر من النظام؛ خشية أن تشكل دفعة للاحتجاجات المناهضة للنظام.

ورغم الصمت الرسمي الإسرائيلي حيال الحادثة، لم تخلُ أسئلة مذيعي النشرات الإخبارية الإسرائيلية من محاولة رصد أي إشارات معلنة أو غير معلنة من مكتب نتنياهو، بشأن متابعاته وتعليقاته بخصوص ما وُصف بـ”حدث هام ترصد حيثياته المستويات السياسية والأمنية الإسرائيلية عن كثب، وتحاول استقراء مآلاته القادمة”.

نفي التورط.. وانطباع “الردع”
ولم تنسَ وسائل الإعلام العبرية أن تتطرق إلى تكهنات أولية عن سبب الحادثة، وإن بدت “طبيعية” نتيجة الظروف الجوية الصعبة، وتتمحور حول مسارين: المسار الخارجي، وهنا سارع محللون إسرائيليون منذ البداية إلى استبعاده، عبر بثها نفياً من مصدر غربي، أفاد فيه بأنه “لا توجد يد إسرائيلية أو أميركية في ما حصل”. وأما المسار الثاني الذي حاول الإعلام العبري إثارته، وهو أن تكون الواقعة نتيجة تصفية داخلية إيرانية، لكن تقديرات عبرية استبعدت هذا السيناريو أيضاً، بحكم قرب الرئيس الإيراني ووزير الخارجية من المرشد الأعلى علي خامنئي، وترجيح أن رئيسي كان الأوفر حظاً لخلافته.

مع ذلك، حاول بعض الإسرائيليين أن يخلق انطباعاً ضمنياً وغير مباشر، وكأنّ العمل مدبر وأن تل أبيب خلفه، اعتقاداً منهم بأن ذلك قد يصب في مصلحة الردع الإسرائيلي. في حين، أشارت تقديرات إسرائيلية إلى أن الحادثة سترافقنا لأيام مقبلة، في إشارة إلى تحقيقات إيرانية وتأويلات عديدة ستستمر أياماً بشأن سبب سقوط الطائرة، وتحطمها.

مع ذلك، سعت إسرائيل إلى إبعاد نفسها عن أي فرضية لضلوعها بالحادثة، إذ أصدرت إشارات لطهران، عبر تصريح مسؤول رسمي في تل أبيب لـ”رويترز”، قال فيه إن “إسرائيل بريئة مما حدث”.

وركزت المعالجات الإعلامية الإسرائيلية على قراءة أسباب السقوط، وسيناريوهاته.. لكنها اهتمت أكثر بقراءة تداعيات الحادثة، بدعوى أنها أحدثت إرباكاً داخل النظام الإيراني، متسائلة عن انعكاساتها على سياسة إيران الخارجية، والصراع مع إسرائيل وأميركا في الشرق الأوسط، بعد أن شهد تصاعداً في الأشهر الأخيرة. كما طرحت سؤالاً عما إذا كانت الواقعة ستخفف دعم إيران لحزب الله وحركة حماس وفصائل أخرى في المنطقة.

غير أنّ المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، لخص قراءته لوفاة رئيسي، وما بعدها، بالقول إن وفاته “ضربة للنظام الإيراني، لكن حربه بالوكالة ضد إسرائيل لم تنته بعد”.
بينما بدت صحيفة “معاريف” غير حاسمة للمآلات، وذلك بعنوانها: “من سيستفيد أكثر من وفاة رئيسي؟”، وهنا، تحاول الصحيفة العبرية في مقالها التحليلي أن تفهم هوية المستفيدين داخل إيران وخارجها.

احتفاء.. وجدل
أما على صعيد الإسرائيليين العاديين، فقد وثق فيديو انتشر في السوشال ميديا، أظهر امرأة إسرائيلية وهي توزع الحلوى احتفاء بسقوط طائرة الرئيس الإيراني، وما تبعها من أنباء أولية حينها، عن وفاته ومَن كان بصحبته.

في حين، اعتبر الصحافي الإسرائيلي المثير للجدل، إيدي كوهين، في تغريدة كتبها في موقع “إكس” أنّ الواقعة هي “عقاب الرب لمن تطاول على إسرائيل وأطلق صواريخ على أراضينا المقدسة”.

لكن الحادثة تسببت أيضاً بمناكفة داخلية في إسرائيل، تمثلت في إثارة رئيس مجلس إدارة جامعة تل أبيب إيلي غيلمان، زوبعة إعلامية حينما كتب في تطبيق “واتس آب” إلى جانب نشره خبر تحطم مروحية الرئيس الإيراني: “يا للخسارة بأن نتنياهو لم يكن معه في المروحية. حادث واحد كان من الممكن أن يحل لنا وللعالم الكثير من المشاكل”.

وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، طلب أحد أعضاء المجموعة من غيلمان محو ما نشره من منطلق أنه “غير لائق”، رغم اختلافه مع نتنياهو، ولكن غيلمان رفض ذلك ورد قائلاً: “قياساً مع الأضرار التي تسبب بها نتنياهو للدولة طيلة 27 عاماً، ليس ما كتبته مبالغاً فيه ولا مغفرة”.

غير أن الإشكالية حصلت عندما انتشر ما كتبه غيلمان في وسائل الإعلام، الأمر الذي اضطره إلى حذفه، والاعتذار، ومحاولة تبرير قوله بأنه جاء في “لحظة غضب”، وأنه كتبه: “بحسن نية، وضمن مجموعة مغلقة في واتسآب”.

هجوم على جامعة تل أبيب
بيدَ أنّ ما كتبه غيلمان شكل فرصة لمجموعات اليمين الإسرائيلي كي تستنفر، وتوجه دعوات ورسائل “غاضبة” إلى إدارة جامعة تل أبيب، تحثها فيها على إقالة غيلمان من منصبه.

والحال أن هذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها تصريحات من موظفين ومحاضرين في جامعة تل أبيب، أثارت الجدل أخيراً.. فقد سبق وأن طالب رئيس قسم علوم الحاسوب، بعدم حضور الطلبة بملابس مكتوب عليها عبارة “معاً ننتصر”، أو عبارات تضامن مع المحتجزين الإسرائيليين في غزة.

كما كتبت المحاضرة الإسرائيلية من قسم الفلسفة بالجامعة نفسها، عنات متار، في فايسبوك، كلمات رثاء للأسير الفلسطيني وليد دقة بعد وفاته متأثراً بالمرض.

وفي الأسبوع الفائت، سمحت إدارة الجامعة بتنظيم مسيرة بيوم النكبة في الحرم الجامعي، حتى أن أوساطاً يمينية باتت تُشبّه جامعة تل أبيب بالجامعات الأميركية التي تشهد احتجاجات ضد إسرائيل على خلفية حربها على غزة.

المدن

مقالات ذات صلة