اضطرابات داخل النّظام: عمل داخلي إجرامي وراء مقتل رئيسي؟
“تضع وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي نهايةً لحقبة قصيرة لكنّها تحوّليّة في السياسة الإيرانية التي شهدت انزلاق البلاد في اتّجاه متشدّد وهدّدت بوضع الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية”، بحسب مجلّة “فورين بوليسي”. واستبعدت المجلّة أن “تتغيّر الاستراتيجية التي اتّبعها، بعدما تمّ ترسيخها بين المستويات العليا في القيادتين السياسية والدينية في إيران”.
يكتب جاك ديتش، مراسل المجلّة لشؤون الأمن القومي في وزارة الدفاع الأميركية، أنّ “هذا الفقيه الإسلامي الذي عُرف بعلاقته الوثيقة مع آية الله علي خامنئي وكان يعتبره العديد من المسؤولين والخبراء مرشّحاً محتملاً لخلافة المرشد الأعلى المسنّ، نقل السياسة الداخلية والاجتماعية في إيران في اتجاه أكثر تحفّظاً ودفع البلاد إلى دور الخصم الواضح للولايات المتحدة في المنطقة بعد سلفه حسن روحاني. فبعدما سعى أوّلاً إلى تحقيق بعض الانفراج مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني، عمل على تكثيف الهجمات بالوكالة، وشهدت فترة ولايته تسريع تخصيب اليورانيوم وإبطاء المفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي عهده دعمت إيران روسيا في حربها ضدّ أوكرانيا من خلال تصدير كمّيات كبيرة من طائرات “شاهد” الانتحارية بدون طيار والمدفعيّة. وتصاعدت الهجمات التي تشنّها الميليشيات الإقليمية الوكيلة ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) على إسرائيل. وقبل شهر واحد فقط من وفاته، شنّ هجوماً ضخماً بطائرات بدون طيار وصواريخ ضدّ إسرائيل”.
وفقاً للخبراء، أيّاً كان من سيحلّ مكان رئيسي، فمن غير المرجّح أن تتغيّر الاستراتيجية التي اتّبعها، بعدما تمّ ترسيخها بين المستويات العليا في القيادتين السياسية والدينية في إيران. وينقل مراسل المجلّة عن بهنام بن طالبلو، الباحثة في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” والمتخصّصة في الشؤون الإيرانية قولها: “مع رئيسي، وبدون رئيسي، النظام راضٍ تماماً عن الطريقة التي اتّبعها بعد 7 أكتوبر. لقد تمكّنت إيران من مواصلة استراتيجيتها التي تبلغ كلفتها أكثر من ألف قتيل، فأطلقت النار على الولايات المتحدة وإسرائيل بالوكالة، وحتى بشكل مباشر عدّة مرّات بالنيران الانتقامية التي رأيناها في نيسان، مع إعطاء الانطباع بأنّها فازت بالجولة”.
مجتبى يخلف والده خامنئي؟
بموجب الدستور الإيراني، سيتولّى النائب الأوّل للرئيس محمد مخبر منصب رئيس مجلس الوزراء خلال الخمسين يوماً الآتية حتّى يمكن الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية. وفقاً للمحلّلين، شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة نسبة إقبال منخفضة بشكل قياسي. إضافة إلى ذلك، بذل خامنئي وحلفاؤه جهوداً كبيرة لضمان فوز رئيسي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2021، وهو ما أدّى إلى استبعاد المنافسين المحتملين. لذلك يرجّحون أن “تؤدّي وفاة رئيسي إلى مزيد من الاضطرابات في المستقبل السياسي للبلاد تضاف إلى الاضطرابات الحالية في أوساط الطبقة الحاكمة في إيران. ومع وجود قلّة من الخلفاء المحتملين لخامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، باستثناء نجل رئيس الدولة، مجتبى خامنئي”.
لم يستبعد خبراء أن يستخدم الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الذي يسيطر على قطاعات كاملة من اقتصاد البلاد، هذه الاضطرابات لتعزيز قبضته.
اضطرابات داخل النّظام
ينقل مراسل “فورين بوليسي” عن ديفيد دي روش، الأستاذ في “مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأدنى وجنوب آسيا” في “جامعة الدفاع الوطني”، والعقيد المتقاعد بالجيش الأميركي، قوله الآتي: “ليس هناك وريث واضح لرئيسي. وسنرى ما إذا كان الحرس الثوري الإيراني سينفّذ انقلاباً بحركة بطيئة”. وقد استعاد ما كتبه أفشون أوستوفار، الأستاذ المساعد في كلّية الدراسات العليا البحرية والمتخصّص منذ فترة طويلة في إيران، على موقع X، من أنّ “وفاة رئيسي ووزير خارجيته ستهزّ السياسة الإيرانية.. وبغضّ النظر عن السبب، هناك تصوّرات عن عمل إجرامي ما داخل النظام. وقد تضغط العناصر الطموحة لتحقيق مكاسب، وهو ما يؤدّي إلى ردود فعل من أجزاء أخرى من النظام”.
وفقاً لمصادر مراسل المجلّة: “من غير المرجّح أن تظهر شخصية ليبرالية في الانتخابات المبكرة أو الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2025. غير أنّ وفاة رئيسي قد تترك نافذة صغيرة مفتوحة أمام حركات الاحتجاج الصاعدة التي استمرّت تحت السطح”. فهذه الحركات، تؤكّد بن طالبلو، “لم تمت. إنّهم يعملون من دون ضجيج، على الهامش. مثل إعلان الإضرابات، وتحرّكات النقابات العمّالية. يمكن أن يؤدّي ذلك إلى إثارة حالة وطنية. ويمكن ألّا يؤدّي إلى مكان. لكنّ تاريخ حركة الاحتجاج الإيرانية يشهد أنّ المسألة دائماً هي “متى” لا “إذا”.
اساس