فضحية اغتصاب الأطفال: الدولة غارقة في التقصير… والملف مفتوح على كل الاحتمالات.. والفوضى!

تخفي “الإنجازات” القضائية والأمنية التي يتم الترويج لها في مجموعات “واتسآب” والمواقع الالكترونية، تقصيراً فاضحاً في إدارة الدولة ومؤسساتها لأزمة عصابة اغتصاب الأطفال والاتجار بهم، وتدخل في إطار الفوضى التي تبدأ من التسريبات، وغياب الرواية الرسمية، ولا تنتهي بالاعلان عن قرارات مرتجلة إتخذت على عجل.

منذ بداية الأزمة التي ظهرت على شكل تسريب في وسائل الإعلام، لم يصدر إلا بيان يتيم واحد لقوى الأمن الداخلي، تتحدث فيه عن إجراءاتها. الرواية الرسمية، غابت الى حدّ كبير، بما فتح الشهية الشعبية على تداول معلومات مغلوطة، وأخرى مضللة، فيما لم تصدر وزارتا الداخلية والعدل، المعنيتان بمتابعة الواقعة، أي بيان رسمي، ولم يدعُ وزير الداخلية الى مؤتمر صحافي للكشف عن ملابسات فضيحة من هذا الحجم.

استعاضت الدولة عن الرواية الرسمية، بتسريبات قضائية وأمنية. كان التسريب من اساسه خاطئاً، كونه، من ناحية أمنية، يتيح للمتورطين والمشتبه فيهم، الهروب. في المبدأ، لا يمكن أن يتم تسريب أي واقعة، قبل إنجاز التحقيقات والملاحقات والتوقيفات، وهو ما درجت عليه “شعبة المعلومات” في “قوى الأمن الداخلي” و”مديرية المخابرات” في الجيش، في أوقات سابقة، لدى تعقب الشبكات المتورطة في الأنشطة الإرهابية. لذلك، بدا التسريب غريباً، وهي الثغرة الأولى في الملف.

لا وثيقة
وغياب الرواية الرسمية، لم يضع أمام الجهات الدولية والمنظمات الحقوقية وثيقة يمكن البناء عليها، بالنظر الى أن التسريب المنسوب الى مصادر مجهولة، قابل للدحض، ولم يتيقن الناس بعد ما إذا كانت الروايات المنشورة دقيقة، ومن هم المتورطون فعلاً؟ وعليه، تصبح هناك أسئلة ملحة أخرى عن المشتبه فيهم: هل تم اقتيادهم كشهود؟ أم خضعوا للتوقيف بصفتهم مشتبهاً فيهم؟ وهل هم متورطون؟ وفي حال لم يكونوا كذلك، من يحميهم من تشويه السمعة؟ ومن يؤكد ما إذا كانوا متورطين أم لا؟ ومن يحمي آخرين قد يكونوا غير معنيين بالقضية بتاتاً، من فرضية التلفيقات؟

أمنياً أيضاً، تتحدث معلومات عن متابعة وملاحقة منذ 6 أشهر. في حال ثبت ذلك، وهو ما زال ضمن إطار التسريبات والمعلومات غير المحسومة، كيف يمكن للدولة أن تتابع لمدة 6 أشهر من دون إنجاز توقيفات للتوسع في التحقيق، وحماية الضحايا؟ وفي حال كانت المعلومات المتداولة غير صحيحة، لماذا لم يصدر أي نفي؟ وينسحب ذلك على معلومات أخرى تتحدث عن عدم استجابة أمنية وقضائية سريعة مع شكاوى…

ضبابية تقنية
والإشكالية الأمنية والإعلامية، ليست الثغرات الوحيدة في إدارة الأزمة. ثمة أسئلة عن الإجراءات التقنية، لم تؤخذ في الاعتبار، ولم يُكشف ما إذا كانت اتُخذت بالفعل أم لا. يشير مدير “برنامج الإعلام” في منظمة “سميكس” عبد قطايا، الى أن اللبنانيين “لم يعرفوا بعد ما إذا كانت الأجهزة الرسمية تواصلت مع شركة “تيك توك” أم لا”، لافتاً الى أن حسم هذا السؤال “يحتاج الى رواية رسمية تكشف إجابة الشركة، وما إذا كانت السلطات اللنبانية توصلت الى حسابات وهمية أم لا”.

ويقول قطايا لـ”المدن” إن سياسة الشركة المعلنة “تتيح داتا الحسابات للسلطات في حال طلبها خلال 90 يوماً من إغلاق الحساب”، وعليه فإن “التوسع في التحقيق والتوصل الى معلومات مهمة، مثل الموقع الجغرافي الذي كان الحساب يبث منه، والوصول الى الرسائل في الحسابات وغيرها، ستساعد في التحقيقات وإظهار الحقائق وكشف متورطين إضافيين”.

ويتحدث قطايا عن تقصير آخر “إثر ظهور تبريرات لبعض الأشخاص استناداً الى ما ورد في وسائل الإعلام من معطيات وتسريبات”، فضلاً عن “فوضى في تداول الأسماء والمعلومات”، إضافة الى “انتهاك سياسة الخصوصية للمستخدمين وخصوصاً القاصرين منهم” في اشارة الى صور أطفال ظهروا في بعض الصور، وتعرضوا لتعنيف اجتماعي، وربما يكونون ضحايا أو غير متورطين في الملف بأكمله. كما يشير الى الأدبيات الشائعة التي ظهرت في اليوم الأول (الأربعاء) لجهة المداولات في مواقع التواصل التي تلقي اللوم على الأهل والأولاد، من دون النظر في التأخر الحكومي في المتابعة، والكشف عن سياسات الشركة. ويؤكد أن حظر تطبيق “تيك توك”، لن يكون حلاً، طالما أن هناك بدائل مهمة موجودة في سياسة الخصوصية، منها ربط الحساب بحساب عائلي لحماية القاصر، والمتابعة القضائية مع الشركة.

ويؤكد في الوقت نفسه أن التواصل مع الشركات العالمية، لا يمكن أن يتم بالهاتف، بل يحتاج الى آلية تواصل رسمية، كي تستجيب لكل الأسئلة، ولن ترفض ذلك.

اجتهادات
والحال أن الملف، بتعقيداته والفوضى التي تعتري إدارته رسمياً، يفتح الباب أمام الاجتهاد من دون إيضاحات. بعد ظهر السبت، تناقلت مجموعات “واتسآب”، خبراً يفيد بأن القاضية الناظرة في قضايا الأحداث، جويل ابو حيدر، كلّفت مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، بحذف عدد من الحسابات في “تيك توك” وواحد في “انستغرام”، بعدما تبين أنّ أصحابها يقومون بإنزال فيديوهات مع قصّار حيث يتم الاستهزاء بما حصل مع القصّار الضحايا، وذلك عبر تصوير البعض من قبل مصففي الشعر وهم يرددون عبارة “بتشرب شي”؟ ومن ثم يقوم القصار بتمثيل مشاهد وكأنهم يهربون من الصالة.

كما كلفت القاضية أبو حيدر مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية الاستقصاء حول رقم هاتف تداول بالصورة المزورة العائدة لقوى الأمن الداخلي والمتضمنة صور القصّار الذين تعرضوا للاعتداء.

لم يحدد القرار آلية إغلاق الحسابات، وكيف سيتم التواصل مع الشركة لإغلاقها، لأنها، من دون إجبار محتجز على إغلاق حسابه بنفسه، أو الاتصال مباشرة بالشركة، لا يمكن لأي جهة أن تقوم بذلك. وحتى استكمال التحقيقات وصدور الرواية الرسمية، يبقى الملف مفتوحاً على الاحتمالات.. والفوضى!

نور الهاشم- المدن

مقالات ذات صلة