تكثيفُ الجهود الديبلوماسية: هوكشتاين “يضبط” وسيجورنيه “يستطلع”
يعكس تكثيفُ الجهود الديبلوماسية الغربية الرامية إلى احتواء المواجهاتِ على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية حراجةَ الوضع على جبهة الجنوب في ضوء ارتفاع مستوى «التوحّش» الذي تمارسه تل أبيب حيال شريطٍ من القرى الأمامية تَعتمد فيها سياسة «الدمار الشامل» مع توسيعٍ متدحرج لمدى استهدافاتها وعمْقها في سياق مطاردةِ قادةٍ وكوادر من «حزب الله» الذي «عدّل» سريعاً آليات التكيّف مع الارتقاء الاسرائيلي لتتناسب مع معادلة… «التوسعة بالتوسعة».
وفيما تشخص أنظارُ المنطقة على الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن لتل ابيب بعد غد والتي تأتي على وقع المحاولات المتجدّدة من القاهرة لإنجاح مقترحها لتبادل الأسرى بين إسرائيل و«حماس» والهدنة في قطاع غزة والذي يُخشى أن يكون إفشالُه الذريعة للضغط على «زناد» اجتياح رفح، فإن الديبلوماسيةَ «الفرعية» المرتبطة بالجبهاتِ الموازية خصوصاً في جنوب لبنان لا تقلّ أهميةً بعدما باتت محكومةً بمساريْن متقاطعيْن:
– الأول تَشابُكٌ عضوي مع «الحرب الأمّ» في ساحتها «الأصلية» التي اشتعلت مع «طوفان الأقصى» في ضوء عنوانٍ بالخط العريض يرفعه «حزب الله»: لا وقف لحرب المشاغَلة في الجنوب ما لم تتوقف حرب غزة.
– والثاني بـ «استقلاليةٍ» على صعيد ديناميةٍ عسكريةٍ صارتْ لها قواعدها الخاصة للاشتباك ولفكّه، وهي قواعد لم يعد ممكناً حصْرُها بمجريات ومآلات «أم المعارك» في غزة، بعدما أصبح لها «ناظِمُ» مختلف يرتبط بالـ «يوم التالي» لبنانياً الذي لن تسلّم تل أبيب بأن يكون على قاعدة العودة إلى ما قبل 8 أكتوبر في جنوب لبنان «وكأنّ شيئاً لم يكن». وفي المقابل يرفْض «حزب الله» أي تسليفٍ مسبَق «للعدو كما الوسيط» بأيّ أوراق و«نهائيات» تتصل برؤيته للوضع جنوباً فيما «الأرض لا تزال متحرّكة»، وسط اعتقادٍ لدى قريبين من محور الممانعة بأن ما جرى على مدى الأيام الـ 200 الماضية لا يجعل الحزب في أي شكلٍ بموقع مَن تُملى عليه الشروط أو التنازلاتٍ تحت شعار تطبيق القرار 1701 أو أي عنوان آخَر، بل على العكس كلما مرّ الوقت زادتْ متاعب اسرائيل التي يرفع تباعاً وتيرة المواجهة معها تبعاً لمقتضيات الميدان.
وهذان المساران يحكمان واقعياً الحِراك المتجدد، وهذه المرة المتزامن، الأميركي – الفرنسي بإزاء جبهة الجنوب، والذي يعبّر عنه وجود كبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين في إسرائيل، وزيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبيروت حيث يُجْري اليوم محادثات مع كبار المسؤولين قبل أن يكمل جولته التي تشمل أيضاً المملكة العربية السعودية واسرائيل.
وتشير معطياتٌ إلى أن هوكشتاين، الذي بات الوسيطَ المعتمَد بين لبنان واسرائيل منذ اتفاق الترسيم البحري (أُنجز خريف 2022)، يحاول في تل أبيب معاودةَ ضبْط المواجهاتِ مع «حزب الله» تحت سقفٍ قابِل للاحتواء في انتظار تبلور مَخْرَجٍ من النفق المظلم لحرب غزة والذي ما زال مدجَّجاً بألغام خطيرة، وذلك بعدما أوحتْ تطورات الأيام الماضية بأنّ هذه الجبهة باتت في منزلةِ بين:
– ما هو أقلّ من «أيام قتالية» غالباً ما جرى التلويحُ بها كتعويضٍ عن حرب شاملة «ممنوعة حتى إشعار آخر» أميركياً وكمدخلٍ لحلّ «على الحامي» باتت أطره شبه معروفة.
– وما هو أكثر من حرب محدودة، سواء من اسرائيل التي تتعمّق في الجغرافيا كما في مستوى الأهداف البشرية التي تطولها في جسم «حزب الله»، أو من الحزب الذي يرتقي في عملياته كمّاً ونوعاً.
وفي حين تضاربت المعلومات حيال إمكان أن يزور هوكشتاين بيروت في سياق مهمته التي بدت عاجلة في اسرائيل، فإنّ زيارة سيجورنيه التي كانت بيروت تنتظر وصوله أمس في ثاني محطة له لبنانياً منذ شباط الماضي، بدت وفق عارفين بمثابة «لزوم ما لا يلزم»، رغم أن وزير الخارجية الفرنسي سيرتكز في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على ورقة منقّحة عن المقترَح الذي سبق أن قدّمه وتتمحور حول 3 بنود تُنفَّذ على ثلاث مراحل: وقف الأعمال الحربية على الحدود في المدى القريب، إعادة تموضع كل الجماعات بما فيها حزب الله وغيره من المجموعات من دون تحديد المسافة الجغرافية، وتثبيت الحدود بما فيها النقاط المتنازَع عليها وانسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة وحلّ النزاع حول مزارع شبعا.
المصدر – الأنباء الكويتية