سعاد قاروط العشي لموقعنا ضمن فقرة “من اهل البيت”: “حفرت بالصخر وبدموع العين .. وغيابي جاء في الوقت المناسب”!
نحن لا ندّعي التكريم أو التبجيل في فقرتنا “من أهل البيت”.. بل نوجّه تحية وكلمة شكر لأهل مهنة المتاعب.. فننحني إجلالاً أمام قدير نتعلّم منه.. ونصفّق لزميل برع وأجاد ونجح.. ونحاول أن نسلّط الضوء على مغمور علنّا نكون باب عبور.. من صنّاع الخبر والرأي إلى الجمهور والقرّاء..
ننقل إليكم خبرات أجيال متنوّعة ونستقرئ آراءهم في واقعنا الإعلامي.. السياسي.. الفني.. أو الاجتماعي.. عارضين لواقع مهنة المتاعب بعدما أصبحت “صناعة الخبر” لا تحتاج لأكثر من هاتف.. بينما الخبر اليقين يناضل من أجله الصحافي الحقيقي.. واللقاء اليوم مع الإعلامية القديرة السيدة “سعاد قاروط العشي”…
* سعاد قاروط العشي: “حفرت بالصخر وبدموع العين لأترك بصمة فأحببت الشاشة والإذاعة… وأحباني
* قررت الإبتعاد في الوقت المناسب لإفساح المجال أمام الجيل الجديد
* إعلامنا اللبناني لا يزال رائداً ويتمتع بحرية غير موجودة في باقي الدول العربية
* للأشقاء العرب مطلق الحرية باختيار أساليب إعلامهم وليس علينا التدخّل بهم
* لا اظن أننا سنصل إلى يوم يحل فيه الذكاء الاصطناعي مكان الإنسان الحقيقي
* اتفاق الطائف ومجزرتا قانا والمنصوري… أبرز محطات مسيرتي المهنة”
هي قامة في الإعلام وقيمة في زمن ندرت فيه القيم.. تاريخ من الإعلام الراقي والمحترم.. إطلالات وحضور طاغٍ رغم الغياب.. وإسم كلّما ذُكر ارتبط بالتقدير والهيبة..
سيدة جمعت الجمال مع الأخلاق والعلم والثقافة والرقي والقرب من الناس.. لديها من التواضع أكمله ومن المضمون أتمّه.. حتى ليعرفها الناس من صفاتها دون ذكر اسمها..
هي الإعلام اللبناني مُجسّداً بشابة واعدة.. فإعلامية مخضرمة حفرت برموش العين مسيرة مليئة بالمحطات المُشرّفة.. وكانت خير سفيرة للإعلام اللبناني في حين قدّم سواها من أصحاب المناصب أسوأ نماذج عن لبنان..
صوت رخيم يفوح شعرا وإتقان سليم للعربية الفصحى مع ابتسامة راقية وطلة متألقة ورصينة.. جريئة بالحق ومسؤولة عن كل كلمة تنطق بها.. ورغم كل النجاحات اختارت الخروج من المشهد في الوقت المناسب مُفسحة المجال أمام جيل جديد..
ويبقى أننا مهما قلنا لن تتسع أسطرنا لاختصار تجربتها الغنية.. ودورها في إظهار قيمة الإعلام اللبناني.. إنّها وبكل فخر الإعلامية القديرة وسيدة زمن الإعلام الجميل سعاد قاروط العشي..
حاورتها رئيسة التحرير: إيمان أبو نكد
وفي ما يلي نص الحوار:
*رغم الابتعاد تبقى سعاد قاروط العشي أكثر الحاضرين.. فما هو سر النجاح والاستمرارية رغم الغياب؟!
– بأرقى وأرق الكلمات، جزمت سعاد قاروط العشي أنّ مَنْ يحفر برموش عينيه، ويقدّم إلى المهنة التي أحبّها واختارها، وتعب من أجلها، عُصارة حبّه وأفكاره وإخلاصه والتزامه وكل ما تستحقه يستمر ويبقى.
وربما أنا استطعت أنْ أترك بصمة، بعدما تقرّبتُ من الناس، فكان هذا هو سر الصدق من أجل الاستمرارية، فإما أنْ يُستقبل الإعلامي بترحاب وحب من الناس لعمله وعطائه أو ينفرون منه، ولله الحمد كنتُ من الأشخاص الذين تمتعوا بهذا القبول، لأنني أحببت الشاشة التي بادلتني نفس الحب، ما جعل الناس يستبقلونني في قلوبهم قبل بيوتهم، سواء في الإذاعة أو التلفزيون، ولأنني كنت أشعر بهذا القبول، أخلصت له وقدمت للمهنة والجمهور ما يستحقان.
*سعاد قاروط العشي نجمة في سماء الإعلام.. أين هي اليوم، هل اعتكفت أو اعتزلت الإعلام أو مُغيّبة عن الشاشات؟
– بالسؤال السابق وصفتموني بالحاضرة الغائبة، وأنا اليوم قد تخطيت الـ70 من العمر، وأعتبر أنّني قدمت رسالة مقّدسة، لأنّ الإعلام أولاً وأخيراً رسالة صادقة، فأحببتُ رسالتي وأخلصتُ لها بل وأوصلتها إلى الجمهور كما يجب.
أما بخصوص الغياب، فهو جاء في الوقت المناسب لإفساح المجال أمام الآخرين، لأن مجال الإعلام يحتاج إلى استقطاب الشباب والشابات المحبين والمخلصين للإعلام، ومتى شعرنا بأنّنا أدينا رسالتنا وقسطنا للعلى، بعد 50 عاماً في الإعلام، يجب الانسحاب من أجل حلول الجيل الجديد.
*إسم لامع لا يحتاج إلى التعريف.. لكن تبقى مجموعة من المحطات المميّزة في مسيرة سعاد قاروط العشي والأقرب إلى قلبها.. نتمنّى الاطلاع عليها!
– هناك العديد من المحطات المميّزة في مسيرتي المهنية، ولكن تبقى المحطة الأبرز هي مشاركتي في متابعة وتغطية “اتفاق الطائف” مع مجموعة كبيرة من الإعلاميين الشباب من العالم العربي أجمع، حيث كنت السيدة اللبنانية الوحيدة المشاركة في الحدث بصحبة النوّاب اللبنانيين، فشعرت حينها بالفخر والاعتزاز لأنّني بين العاملين على الوصول إلى إقرار ميثاق وطني جديد للبنان، وكانت مسؤولية كبيرة ملقاة على أكتافنا.
المحطة الثانية على عكس الأولى، كانت مؤلمة جداً، وهي “مجزرة قانا” نتيجة للعدوان الإسرائيلي، حيث كُنتُ على الهواء مباشرة في تلفزيون لبنان، وتصلني الصور المؤلمة بالتتابع، والتي كانت أولاها صورة الأب الذي يحمل بين ذراعيه أشلاء طفلته نتيجة استهداف سيارة إسعاف ببلدة المنصوري، فذرفت الدموع على الهواء مباشرة، ووضعت المجزرة والإرهاب برسم الأمم المتحدة.
*كيف تقيّم إعلامية مخضرمة العصر الإعلامي حالياً.. وهل ولّى الزمن الذهبي للإعلام الحقيقي وبدأنا عصر الانحدار؟
– نحن نعيش عصر انحدار، ليس إعلامياً فقط، بل على مستويات عديدة محلياً ودولياً، ولو أخذنا على سبيل المثال الفن، ففي مقارنة سريعة بين اليوم والأمس، نجد هوّة كبيرة بين ما كان يقدّم كبار وعمالقة الفن وبين ما يُقدم اليوم، ولكن لو أخذنا صعيدي الطب والتكنولوجيا فنجد العكس، هناك تطوّر وتقدّم.
أما على صعيد الإعلام، فوضعنا من الممكن أن نعتبره مقبولاً، لأنّنا نحاول أنْ نواكب كل جديد ومتطوّر، ولا يمكن أن نصف إعلامنا اللبناني بالمتراجع، لأنّه نتيجة الأوضاع الصعبة التي مررنا بها ومازلنا، إضافة إلى وجود “إسرائيل” كجارة لنا يتسبب بتأخّرنا عن مواكبة التطوّر الذي نسعى إليه، ورغم ذلك لبنان الرائد في تصدير الإعلام والفن، ولو اختلف كثيراً عن عصره الذهبي، لكنه مستمر.
*هل وصل الإعلام إلى مرحلة “الجمهور عايز كدة” وتحوّل إلى مادة للفتنة والسخافة وغابت الأخلاقيات والثقافة و”الثقل”؟
– إلى حد ما يعيش الإعلام حالة من البلبلة، لكن لا يزال إعلامنا رائداً ومتطوّراً، إلا أنّه للأسف في لبنان اليوم الإعلام أصبح تابعاً لجهات وشخصيات، سواء قنوات التلفزة أو الإذاعات التي لها جمهورها واتجاهاتها، وحتى انتماءاتها السياسية، أو ملكيتها التجارية.
ورغم كل ذلك إعلامنا يتمتع بجزء كبير من الحرية، كما لدينا عدد كبير من الإعلاميين المتمكنين والقادرين، ويتمتعون بحضور جيد، ويقدمون رسالتهم بكفاءة، وإلى جوارهم هناك بعض الطفيليات التي سرعان ما تغيب، ولكن للأسف بعدما كنا من السباقين، تقدّمت علينا بعض الدول المقتدرة مادياً، ولكننا حاضرون وبقوة.
*كيف تقيّم سعاد قاروط العشي إعلامنا العربي ما بين الحرية وقمع الرأي والرأي الآخر.. وهل نعيش زمن الفوضى الأقرب إلى حرية متفلّتة؟!
– لا يمكنني الحكم على الحرية الإعلامية في العالم العربي، ولكن يمكن القول بأن الحرية التي يتمتع بها الصحافي اللبناني من الصعب أن تتوفر في الدول العربية، ولكن هناك بعض القنوات الخليجية التي برعت في عالم الفن وابتعدت عن السياسة كشبكة قنوات mbc، التي أصبحت رائدة في تصدير الفن.
ولعل السبب في ذلك هو طبيعة الدول العربية الشقيقة، والتي نحرص على عدم توتير علاقاتنا بها، لا نقوم بانتقادها، ولكل بلد مطلق الحرية باتباع السياسة التي يريدها، وكل شعب هو الموكل بالكلام عن بلده .. ولا مكان لنا للتعليق على أمور الآخرين.
مع العلم أنّ قناتي “الجزيرة” و”العربية” أصبحتا رائدتين في مجال الإعلام العربي والعالمي، وتقدمان مادة إعلامية بالكثير من الحرفية والمهنية.
*من زمن الإعلام الجميل، إلى عصر الذكاء الاصطناعي.. هل بدأ الخوف على ذكاء الإنسان وبراعة الإعلامي الفذ؟!
– رغم خشية الكثيرين من سيطرة الآلة يوماً ما على الإنسان، حتى ولو كان هو ملقّنها الأساسي، ومزوّدها بالمعلومات، وفي ظل الخطر الذي يحذر منه أصحاب هذا التوجّه، بأن تكون الألة في طريقها للحلول مكان الإنسان في مجال العمل، إلا أنّني أشك في أنْ نصل إلى هذه المرحلة..
*في يومنا الحالي أي برامج تستهوي سعاد قاروط العشي؟ وأي نوع من الإعلام يلامس ذوقها فتتابعه؟!
– خضتُ كل مجالات وأنواع الإعلام، بداية من “استوديو الفن” و”حكاية كل بيروت”، ثم انتقلت إلى البرامج السياسية ونشرات الأخبار، وهي الملعب الذي نجحتُ فيه وتركتُ بصمة ولله الحمد، وحتى يومنا الحالي أفضلها على سواها، وأبتعد عن برامج لا تُقدّم أو تؤخر في غذائي الفكري.
فهناك برامج تركت ولا تزال ترسم بصمات متميّزة في الإعلام المحلي والعربي، إضافة إلى برامج وإعلاميين مرّوا مرور الكرام، وفشلوا في التأثير أو الاستمرارية، ولكن دون الخوض في أسماء وتفاصيل.
وبما أنّ الشاشة تعرض كل متنوّع ومختلف، فأختار البرامج الإخبارية والنقاشات السياسية، لأنّها برامج مهمة وتوفّر نوعاً من التنوير وتوعية الشعوب لما يجري حولهم، أو التنبّه إلى جهات خادعة تؤثر عليهم بشكل أو بآخر. ولكن للأسف على أهمية هذه البرامج إلا أنّها خطرة جداً، لأنّ كل قناة لبنانية تتبع جهة معينة، وتسعى من خلال برامجها إلى بث أفكارها وقناعاتها، وعلى المشاهد اللبناني الذي أصبح اليوم واعياً أن يُحسن الاختيار والتنبّه، ويبقى أن أتمنى التوفيق للجميع ولكل من يحب هذه المهنة أن يقدّم لها من كل قلبه لأنها ستعطيه كما يعطيها.
خاص Checklebanon
رئيسة التحرير: إيمان ابو نكد
مدير التحرير: مصطفى شريف