مصادر تكشف تفاصيل حراك الخماسية….
خارج الحدود، لا صوت يعلو فوق صوت طبول حرب حامية الوطيس، وعلى الحدود مواجهات متصاعدة بين «حزب الله» وإسرائيل، وواشنطن تتهيّب هذا الخطر ونتائجه الكارثية، وتوجّه رسائل التحذير في كلّ الاتجاهات، مؤكّدة في الوقت نفسه، عزمها على منع انزلاق المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل الى حرب شاملة، وفي الداخل خوف من أن تكون كلّ الملفات الداخلية قد رُحّلت من رفّ انتظار جلاء الصّورة في غزة، إلى رفّ انتظار ما ستؤول اليه الأزمة المتصاعدة بين ايران واسرائيل. ما يعني أنّ الحديث عن انفراجات محتملة لا مكان له على أرض الواقع.
وسط هذه الصورة، تخوض «اللجنة الخماسيّة» مهمّة شديدة الصعوبة لإبقاء الملف الرئاسي في رأس قائمة المتابعات، وتمرير ما تعتبرها فرصة لإنهاء الأزمة الرئاسية، عبر مخرج توافقي يؤسس إلى اعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية. الّا انّها في حراكها المتجدّد خلال اليومين الماضيين، عادت الى الدوران حول نفسها في الحلقة المفرغة، عاجزة عن اجتياز حقل سياسي قاحل ثابت على اشتراطاته وتناقضاته، ثبت للقاصي والداني أنّه يستمد قوّته التعطيلية للملف الرئاسي بعدم امتلاك اللجنة قدرة خلع مغارة التعطيل وإلزام أطرافه بالتجاوب مع مسعاها، والانخراط في مسار حواري لإنضاج حل رئاسي.
معلومات «الجمهورية» من مصادر مواكبة لحراك سفراء اللجنة الخماسية خلال اليومين الماضيين، تؤكّد أنّ هذا الحراك ما زال يراوح مكانه، وتحت العنوان الأساس الذي تحركت فيه قبل استراحتها ما قبل الاعياد. فاللجنة وكما عبّر سفراؤها، تشدّ في اتجاه حوار يفضي إلى توافق على رئيس، بات اكثر الحاحاً من أي وقت مضى، ربطاً بالظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، لكن رغبتها هذه مصطدمة بذات الشروط والعوائق المانعة لها. حيث لا إجماع على الحوار. وهو أمر تبدي المصادر عينها «خشية صريحة من أنّ عدم تجاوب الأطراف مع مساعي اللجنة الخماسية قد يهدّد مهمّتها من اساسها، ويدفع باللجنة الى تعليقها».
وكشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، انّ الحراك المتجدد لسفراء الخماسية ما زال محصوراً في إطار الاسئلة الاستطلاعية حول حوار يعتبرونه المعبر الإلزامي والحتمي للحل الرئاسي، دون ان يتطرقوا إلى أيّ اسماء او خيارات رئاسية محدّدة، بل قالوا صراحة إنّ الخيار الرئاسي منوط اختياره باللبنانيين دون غيرهم، وعليهم ان يتحمّلوا مسؤولياتهم في هذه الظروف والتعجيل بحسم هذا الملف».
واشارت المصادر إلى انّ اللقاءات التي أجراها السفراء خلال اليومين الماضيين، أعادت تظهير التناقض بين الأطراف حول الملف الرئاسي، وقراءات متباينة حول هوية الرئيس ومواصفاته، بين من يريده سيادياً واستقلالياً، ومن يريده موثوقاً به من قِبل جميع الاطراف. تُضاف الى ذلك تساؤلات من قِبل البعض حول ماهية الحوار المقترح، هل الحوار الذي تدعو اليه اللجنة الخماسية، وأين سيجري هذا الحوار ومن يديره؟ او الحوار وفق ما تحدّده مبادرة كتلة «الاعتدال الوطني»، وعلى أي طاولة سيجري ومن يديره؟ او الحوار الذي ينادي به رئيس مجلس النواب نبيه بري؟ وكيف يمكن لحوار أن يحصل فيما هو من جهة، حوار مشروط من قبل «التيار الوطني الحر»، ومرفوض من قِبل بكركي وحزب «القوات اللبنانية»؟
ما جدوى الحوار؟
وفي هذا السياق، قالت مصادر معارضة لـ«الجمهورية»، إنّ لا جدوى من اي حوار، محكوم عليه بالفشل المسبق، كون «حزب الله» يحبط هذا الحوار ويمنع الحل الرئاسي بتمسكه بمرشح خلافي وإصراره على إخضاع لبنان لحكم الممانعة».
حراك بعد الحراك
مصادر نيابية شاركت في لقاء مع سفراء «الخماسية» أبلغت الى «الجمهورية» قولها: «اننا استمعنا الى عناوين عامة، ولمحة موجزة عن مهمّة اللجنة وسعيها الى مساعدة اللبنانيين على إتمام الاستحقاق الرئاسي، وتشجيعها للتوافق بينهم عبر حوار مسؤول، ولم يؤتَ على ذكر ما يسمّى الخيار الثالث او أي من أسماء المرشحين، ولكن في طيات الكلام الذي سمعناه عن رئيس يرضي كل اللبنانيين، ما جعلنا نستنتج وجود رغبة بالتوافق على خيار رئاسي ثالث».
وكشفت المصادر انّ سفراء اللجنة المحوا أنّهم بصدد اتباع حراكهم الحالي، بحراك جديد وخطة جديدة في المدى المنظور، مع احتمال قيامهم بزيارة وشيكة لرئيس مجلس النواب».
نظرة متشائمة
في موازاة ذلك، تبرز قراءة متشائمة أبداها مسؤول كبير بقوله: «أتمنى أن تتمكن اللجنة الخماسية من تحقيق خرق في الجدار الرئاسي، ولكنني أشكك بذلك، ووقائع اللقاءات التي أجراها سفراؤها، سواء السابقة او الآنية لا تشي بإيجابيات، بدليل انّ كل طرف متمترس خلف شروطه، وهو الامر الذي يحول دون تمكن الخماسية من أن تبني مساحة مشتركة في ما بينهم».
واعرب المسؤول عينه عن اعتقاده بأنّ «الحال في لبنان سيبقى معلقاً على ما هو عليه، ريثما تنجلي الصورة في المنطقة، وهنا لا مجال للحديث عن سقف زمني، فقد يكون اسابيع او اشهراً وربما سنة واكثر». وقال: «لنكن صريحين، ثمة إرادة أكيدة بترحيل الملف الرئاسي حتى إشعار آخر، حيث لا أحد يصدّق أنّ في الإمكان حسم الملف الرئاسي قبل جلاء الصورة سواءً على جبهة غزة، او على الجبهة الاسرائيلية- الايرانية. فكل الاطراف أدخلت نفسها في رهانات مباشرة على تطورات المنطقة وعلى اساس تلك التطورات تصاغ المطالبات والتنازلات. حيث انّ من سيعتبر نفسه منتصراً، هل يمكن ان يقبل بتقديم تنازلات؟ وانّ من يعتبر نفسه مهزوماً، هل سيستطيع ان يكمل مطالباته بما لا يمكن أن يحصل عليه؟».
لقاءات السفراء
وكان سفراء اللجنة الخماسية؛ الاميركية ليزا جونسون، والفرنسي هيرفي ماغرو، والقطري سعود بن عبد الرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني، والمصري علاء موسى، قد زاروا امس بنشعي، والتقوا رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، في حضور النائب طوني فرنجية والوزير السابق روني عريجي. كما زاروا بعد ذلك بكفيا حيث التقوا رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، ثم زاروا تكتل «الاعتدال الوطني». وغاب عن اللقاءات السفير السعودي وليد البخاري لدواعٍ صحية.
بعد اللقاء الذي دام لأكثر من ساعة في بنشعي، وصف فرنجية اللقاء بأنّه «كان منيح»، فيما قال السفير المصري: «تمّ تبادل الافكار. وانّ اللقاء شكّل فرصة جيدة للحوار والنقاش والتداول والإضاءة على مواضيع مهمّة». أضاف رداً على سؤال حول وجود «فيتو» على فرنجيه: «اللجنة الخماسية لا تتحدث حول اسماء المرشحين، ولا يوجد توجّه مع او ضدّ احد المرشحين، واللجنة الخماسية تتعامل مع الرئيس ووجوده طالما تمّ انتخابه من القوى اللبنانية المختلفة».
اضاف: «سمعنا من فرنجيه أفكاراً إيجابية كثيرة تحدث فيها بشكل صريح، وكان حريصاً على ألّا يخلط بين الامور، بل كان يتحدث عن هدفه الأساسي وهو وحدة هذه الدولة وانتماؤه لها، وهو على استعداد تام للتفاعل مع أية طروحات تتناسب مع تطلعاته ووحدة واستقرار هذا البلد، وفرنجيه لا يزال مرشحاً بحسب ما سمعنا منه».
وقال رداً على سؤال حول عمل اللجنة الخماسية: «من يشكّك بعمل اللجنة او غيرها لا يبحث عن مصلحة هذه الدولة. واي شخص يبحث عن مصلحة لبنان ووحدته واستقراره يجب ان يدعم اي جهد ولو كان بسيطاً».
وأفيد في هذا السياق بأنّ «سفراء اللجنة الخماسية استوضحوا فرنجية عن علاقته بـ«حزب الله»، فأكّد تأييده للمقاومة، قائلاً: إنّ «حزب الله» هو حزب لبنانيّ قويّ وفاعل»، وشدّد على أنّه «مع سلاحٍ واحدٍ وجيشٍ واحدٍ في لبنان، ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل الّا من خلال التوصّل إلى حلّ في المنطقة، وأنّ الخوض حاليًا في موضوع الاستراتيجيّة الدفاعيّة ليس في مكانه».
واما الجميل، فقال بعد اللقاء في بكفيا: «انّ الاجتماع مع السفراء كان مطولاً ومعمّقاً، تمت في خلاله مناقشة كل وجهات النظر، وحاولنا توضيح وجهة نظر «الكتائب» عن المرحلة التي نمر فيها وعن إشكالية الانتخابات الرئاسية في لبنان».
وقال: «نحن لن نقبل بأن يُفرض على لبنان من قبل «حزب الله» رئيس جديد مرّة أخرى، ولن نقبل بناطق رسمي باسم «حزب الله» لأنّ هذا يؤذي لبنان ويعزله عن محيطه ويحوّله الى دولة تابعة لإيران وجزء من محور ويجرّه مع دول المحور لأي صراع سياسي أو إقتصادي أو عسكري يمكن ان يحصل وهذا سيؤدي الى مزيد من التدمير للبنان».
بدوره، اعلن «تكتل الاعتدال» بعد لقاء سفراء الخماسية ضرورة التعاون والتجاوب لما فيه مصلحة البلد، لأنّها الفرصة شبه الأخيرة للخروج من المأزق الرئاسي.