الجنوب… حروب لبنان الدائمة منذ 1973 وحتى اليوم

 

قبل العودة لـ”اتفاق القاهرة” وحيثياته والخطأ الرسمي اللبناني في قبوله والتوقيع عليه، ثمة غليان أمني وعسكري كانا قد بدآ عشية الحرب الأهلية اللبنانية، ويأتي في الطليعة استباحة إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية العاصمة بيروت في تصفية عدد من القياديين الفلسطينيين

لم تكن الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها في الـ13 من أبريل (نيسان) عام 1975 وليدة صدفة أو خطأ تقدير عند أطراف لبنانية انتقلت لاحقاً إلى المواجهة العسكرية بين مناطق العاصمة بيروت وأطرافها، إذ كانت الأجواء الأمنية التي بدأت تعم كافة المناطق، وفي طليعتها الجنوب والعاصمة تنذر بذلك، بفعل عاملين أساسيين ربما يعود إليهما السبب الأكبر في اندلاع هذه الحرب، تمثلا بالنشاط العسكري الملحوظ لما أطلق عليها في حينه “المقاومة الفلسطينية” في مواجهة إسرائيل، وإتاحة حمل السلاح لعناصرها بموجب “اتفاق القاهرة”، واستباحة إسرائيل الأراضي اللبنانية والعاصمة لتنفيذ عملياتها الانتقامية ضد الفلسطينيين.

قبل العودة لـ”اتفاق القاهرة” وحيثياته والخطأ الرسمي في قبوله والتوقيع عليه، ثمة غليان أمني وعسكري كانا قد بدآ عشية الحرب الأهلية، وتأتي في الطليعة استباحة إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية العاصمة بيروت في تصفية عدد من القياديين الفلسطينيين، بعد تدمير طائرات مطار بيروت الدولي عام 1968 وسلسلة من العمليات العسكرية والأمنية التي نفذتها في الجنوب، تماماً مثلما يحصل اليوم، بما يمكن تسميتها الحرب الإسرائيلية السادسة على لبنان.

قصف مطار بيروت

في الـ26 من ديسمبر (كانون الأول) 1968 سافر مسلحان فلسطينيان من بيروت إلى أثينا وهجما على رحلة الطيران 253 التابعة لشركة طيران “العال” الإسرائيلية، مما أدى إلى مقتل شخص واحد. ردت إسرائيل منتقمة بعد يومين حين استهدف جيشها مطار بيروت الدولي ودمر أسطول لبنان من الطائرات المدنية وبلغ 13 طائرة.

اغتيال كنفاني في الحازمية

في الثامن من يوليو (تموز) عام 1972 هز منطقة الحازمية في ضاحية بيروت الشرقية انفجار ضخم ليتبدى عن تفجير سيارة مفخخة تعود إلى الأديب والروائي والسياسي الفلسطيني غسان كنفاني المولود في عكا (شمال فلسطين) عام 1936 والمقيم في بيروت منذ عام 1961، مما أدى إلى مصرعه على الفور مع ابنة شقيقته لميس نجم. وكان كنفاني يشغل منصب عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” والناطق الرسمي باسمها.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2005 اعترفت إسرائيل للمرة الأولى وبصورة رسمية أن عملاء جهاز “الموساد” هم الذين اغتالوا كنفاني. وجاء هذا الاعتراف الإسرائيلي في تقرير أعده الصحافي إيتان هابر ونشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”.

اغتيال 3 قياديين من “فتح”

وبعد نحو 10 أشهر على اغتيال كنفاني، نفذ جهاز “الموساد” أضخم عملية “كوماندوس” في منطقة فردان في العاصمة بيروت. ففي 10 أبريل عام 1973 اغتالت اسرائيل القادة الفلسطينيين الثلاثة: محمد يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان، بتهمة التخطيط لعملية ميونيخ في الخامس من سبتمبر (أيلول) عام 1972.

ما يفرق عملية اغتيال كنفاني عن هذه العملية أنها كانت ضخمة وتمت بإنزال 19 زورقاً مطاطياً من ثماني بوارج، حملت أفراد القوة الإسرائيلية المنفذة للعملية عند شاطئ بيروت، بينهم 21 جندياً من “سرية هيئة الأركان العامة” و34 من الكوماندوس البحري و20 من سرية المظليين، من بينهم إيهود باراك (رئيس الوزراء الأسبق)، وقد تنكر قسم منهم بثياب نساء.

اغتيال علي حسن سلامة

أما العملية الإسرائيلية الثالثة التي جرت في وسط بيروت فاستهدفت أقوى الشخصيات الفلسطينية بعد ياسر عرفات، وهو القيادي علي حسن سلامة الذي وضعته إسرائيل في رأس قائمة الاغتيالات ونجحت بعد سبع سنوات من المطاردة باغتياله عام 1979.

في مارس (آذار) 2021 كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية للمرة الأولى عن كيفية اغتيال سلامة الذي كان مسؤولاً عن الجهاز الأمني لحركة “فتح”، والذي تتهمه الاستخبارات الإسرائيلية بأنه المخطط الرئيس لعملية “ميونيخ”. وجرى الاغتيال بواسطة سيارة مفخخة بـ100 كيلوغرام من المتفجرات، مركونة إلى جانب الطريق، على خط سيره اليومي من الصنوبرة (بيروت) نحو شارع “مدام كوري” بواسطة العميلة إريكا ماري تشامبرز التي نقلت بعد ضغطها على زر التفجير مباشرة من جونية إلى ميناء حيفا.

تأثير الحرب العربية – الإسرائيلية

في السادس من أكتوبر 1973 شنت مصر وسوريا هجوماً متزامناً ضد إسرائيل على جبهتين، سعياً إلى استعادة أراض خسرتاها خلال حرب يونيو (حزيران) 1967. لبنان حينها واجه عديداً من التحديات بدوره، إذ في مايو من العام نفسه شن الجيش اللبناني هجوماً ضد “الفدائيين” الفلسطينيين، مستخدماً الطائرات النفاثة والدبابات، في مواجهات دامت يومين.

كان السبب خلف هذه الأحداث الوضع الفريد للبنان باعتباره مقر منظمة التحرير، بعدما كان قد وقع على “اتفاق القاهرة” عام 1969، الذي سمح للمنظمة بالتسلح وفرض سلطتها داخل مخيمات اللاجئين، مما أدى بحكم الأمر الواقع إلى قيام دولة داخل الدولة اللبنانية.

وعلى رغم أن لبنان لم ينخرط في حرب 1973، فقد وقع أسير الديناميكيات الإقليمية التي أفرزتها الحرب. وكان ذلك يعزى بالدرجة الأولى إلى أن المناطق الجنوبية والشرقية في البلاد تحولت إلى ممرات استخدمها سلاح الجو الإسرائيلي لقصف دمشق ومدن سورية أخرى.

أما في الجنوب فقد غادر المواطنون بلداتهم بسبب الوضع الأمني الخطر، فيما تحملت البلدات الحدودية العبء الأكبر من الصراع، وسط احتدام المعارك بين الإسرائيليين والسوريين و”الفدائيين” الفلسطينيين، مما دفع منظمة التحرير إلى تنفيذ كثير من الهجمات ومحاولات التسلل نحو إسرائيل، التي كانت ترد بدورها عبر قصف القرى الجنوبية.

حرب “حملة الليطاني” 1978

كانت “حملة الليطاني” أو “عملية الليطاني” في مارس 1978، أولى حروب إسرائيل المباشرة بمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية.

وقعت قبل عملية الليطاني ما يعرف بعملية كمال عدوان في الـ11 من مارس 1978، حينها تسلل 11 عنصراً من حركة “فتح” بقيادة اللبنانية دلال المغربي من لبنان إلى إسرائيل في عملية فدائية وقتلهم سائحاً أميركياً على الشاطئ، ثم اختطاف حافلة قرب حيفا، واستولوا في الطريق إلى تل أبيب على حافلة ثانية، وبعد مطاردة طويلة، قتل 37 إسرائيلياً وجرح 76، وكان هو السبب المباشر المعلن للغزو الإسرائيلي بعد ثلاثة أيام.

استطاعت إسرائيل في هذه الحرب إزاحة قواعد ومواقع المقاتلين الفلسطينيين إلى شمال نهر الليطاني بعمق 10 كيلومترات، وإقامة ما سمي في حينه “منطقة آمنة” تحت إدارة “جيش لبنان الجنوبي” المؤلف والممول من الجيش الإسرائيلي.

استغرقت هذه الحرب سبعة أيام، ونجم عنها مقتل نحو 1160 من اللبنانيين والفلسطينيين، وتشريد عشرات آلاف اللبنانيين من قراهم وبلداتهم، في حين لقي 20 جندياً إسرائيلياً مصرعهم في هذه الحرب التي استخدمت تل أبيب فيها سلاح الطيران والمدفعية والصواريخ، وتجنبت عمليات الاشتباك المباشر.

غزو لبنان 1982

في الخامس من يونيو عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان، وكان الظن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون سيحتل بجيشه نحو 30 كيلومتراً من الجنوب لمنع وصول قذائف المقاومة الفلسطينية إلى مستوطناته. لكن الجميع فوجئ بغزو كبير للأراضي اللبنانية، إذ احتلت أكثر من 1000 دبابة وآلاف من الجنود الإسرائيليين المناطق الجنوبية الحدودية، من بنت جبيل إلى حاصبيا. وأحرقت قوات أرييل شارون مدينة صور، وحاصروا صيدا، وأمطروا مدن وقرى الشوف بالقذائف، كما وصلوا إلى مناطق في البقاع، وما إن بلغوا العاصمة بيروت حتى حاصروها محتلين الجزء الغربي منها، وصولاً إلى حدود طرابلس في الشمال.

حاصر الجيش الإسرائيلي بيروت ثلاثة أشهر متتالية، مع قصف جوي ومدفعي وبحري مستمر، مما اضطر قيادة منظمة التحرير للموافقة على عرض الخروج الآمن لقواتها في إطار صفقة رعتها الإدارة الأميركية وقتها. وقد نجم عن هذه الحرب مقتل نحو 14 ألفاً من اللبنانيين والفلسطينيين مقابل 400 من الإسرائيليين.

وفي أكتوبر من العام ذاته، انسحب الجيش الإسرائيلي من بيروت مبقياً على قواته في الجنوب وتحديداً عند نقطة نهر الليطاني أي بعمق 35 كيلومتراً في الداخل اللبناني. حتى كان الانسحاب الكلي في الـ25 من مايو عام 2000 من جنوب لبنان، أي بعد 18 عاماً.

اندبندنت

مقالات ذات صلة