تراكم جرائم بعض السوريين قد يؤدي إلى اضطرابات خطيرة: هل من قوانين محدّدة ترعى محاكمة السوري؟
لا يمكن تصنيف الناس بين مجرمين وصالحين بحسب جنسياتهم، لكن بما لا يقبل الشك فان الجرائم عموماً تزداد في لبنان، ولا سيما أنه يستضيف عدداً هائلاً من السوريين على أرضه، وهذا ما يؤدي إلى جرائم منوّعة وخطيرة يلعب فيها العامل الاقتصادي دوراً كبيراً. وما شهدته منطقة الأشرفية في بيروت منذ أقل من أسبوع كان دليلاً حسياً يعكس مشكلة قائمة، مع الاعتراف بأن الجرائم التي تُرتكب في لبنان لا خلفيّة مذهبية أو سياسية أو عقائدية لها، بل اقتصادية في الدرجة الأولى.
أما لغة الأرقام فتحدد بأن اللاجئين السوريين في لبنان مسؤولون عن 30 في المئة من نسبة الجرائم المتنوّعة والكبيرة، وتبيّن أن نسبة السوريّين من نزلاء السجون 30% في حين لم تتخطَّ نسبة الأجانب الآخرين الـ10%، بحسب آخر الأرقام، وعدد الأحداث السورييّن الموقوفين يبلغ، بحسب أرقام مديرية السجون في وزارة العدل، 68 من أصل 101، أي ما نسبته 67% من مجمل الأحداث الموقوفين – وهذه أرقام مرتفعة حتماً ومؤشراتها لا تُطمئن. ولمزيد من التفاصيل تشير أحدث أرقام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، الى أن الفئات العمرية التي تتراوح بين 15 و35 عاماً تتصدّر لائحة الجرائم المرتكبة من سوريّين خلال العامين الماضيين، كما ارتفاع نسبة الجرائم المرتكبة مِمَن هم دون سنّ الخامسة عشرة من 4.5% في العام 2022 إلى 9% في العام 2023.
وتتنوّع الجرائم التي يرتكبها مواطنون سوريّون على الأراضي اللبنانية لتشمل السرقة بالدرجة الأولى، يليها تعاطي المخدرات وحيازتها، الدخول خلسة إلى لبنان، الاعتداء بالضرب، السرقة، التحرّش الجنسي، الدعارة، كما الإضرار بأملاك الدولة والأفراد. مصدر قضائي داخل وزارة العدل يفيد بأن ما مِن قوانين محدّدة ترعى محاكمة السوري (أو الأجنبي) الذي يقترف جرماً على الأراضي اللبنانية، إذ إن أصول المحاكمات لا تميّز بين مرتكب وآخر.
بالتأكيد، ليس كلّ مجرم سوري، فهناك مجرمون لبنانيون أيضاً تأثروا بالأزمة الاقتصادية ما رفع من نسبة الجريمة. لكن تداعيات الجرائم التي يقترفها النازحون السوريون قد تشتدّ خطورة مع غياب دور الجهات الناظمة والدولة الرادعة. مصدر قانوني مطّلع يعترض على التركيز على نسب الجرائم المرتكَبة من النازحين السوريّين من دون التطرّق إلى ارتفاع تلك النسب في المجتمع اللبناني ككلّ. وذلك يعود، من بين أسباب أخرى، إلى الانهيار الاقتصادي وضرب العملة الوطنية وانخفاض القدرة الشرائية. فالجرائم تنتشر في المجتمعات الأكثر فقراً، وبالتالي كلما ركّزنا على اللاجئين السوريّين، وعطفنا على ذلك طريقة تعاطي المجتمع معهم ما يولّد لديهم حقداً ورغبة في الانتقام، تبيّن أن الجريمة تنتشر بينهم بنِسب أعلى.
ويستطرد المصدر أكثر في هذا الموضوع، مؤكداً أن “السلطات اللبنانية تحاول أن تحمّل النازح السوري عبء ارتفاع الجريمة في لبنان وقد نجحت في تشريب أجزاء كبيرة من المجتمع اللبناني هذه الذهنية، خصوصاً بعد جرائم حصلت في الفترة الأخيرة، كان منفذوها من الجنسية السورية، ما ساهم في انتشار أفكار تنميطية تعتبر أن أي سوري هو مشروع مجرم، فارتفع مستوى العنصرية والكراهية تجاه النازحين”.
لا يجوز التساهل مع أي مجرم، مهما كانت جنسيته، وفق المصدر القانوني، بل يجب التعامل معه بالحزم نفسه وبالمرجعية القانونية والأمنية نفسها كي لا ننزلق إلى الجانب العنصري، فلا يجوز أن يكون رد الفعل على السوري حامل السلاح أقوى منها على اللبناني حامل السلاح لأن العقوبات يجب أن تطبّق كما هي على كل من يخالف القانون.
ويرى المحامي نعمة الله موسى أن “انتشار الأسلحة زاد مؤخراً حتى بات بيد اللاجئين السوريين، ونسبة الجرائم التي يرتكبها سوريون ارتفع بصورة كبيرة جداً بسبب حيازتهم الأسلحة، وهذا ليس افتراء، فمعظمهم بات لا يتجول إلا وفي جيبه سلاح، وهي ظاهرة باتت تهدد المجتمع اللبناني بالانفجار في أي لحظة فقد أصبح لبنان غابة للأسلحة في ظل ضعف أجهزة الدولة”. كما يلفت إلى موضوع في غاية الأهمية وهو أن معظم اللاجئين ليست لديه بيانات وسجلّات لدى الدولة اللبنانية بسبب دخوله غير الشرعي إلى لبنان، ما يعوق إمكان ملاحقته وكشف جرائمه.
ويقول عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب رازي الحاج الذي يولي ملف اللاجئين السوريين أهمية كبيرة لـ”لبنان الكبير”: “ان المناخ اللبناني ناقم على استهتار الدولة في معالجة هذا الملف، والمناخ الذي أوجده هؤلاء اللاجئون السوريون لا يشبه المجتمع اللبناني بخلفيته وطريقة تعاطيه وانضباطه والتزامه بالقوانين، وبات معروفاً أن معظمهم يقيم على نحو غير شرعي في لبنان لأسباب اقتصادية، ما يُشكّل عبئاً كبيراً على البنية التحتية والاقتصاد والمنافسة في الأعمال والصحة والاستشفاء ورفع النفايات والصرف الصحي وما إلى هنالك من قطاعات. لذا المطلوب من البلديات، في ظل تقاعس الدولة، التشديد والتشدّد في تطبيق القانون، ويجب أن لا ننسى أن هناك حيزاً واسعاً أعطاه القانون اللبناني للبلديات ولا سيما في المادتين 74 و76 كحق إصدار تنظيم خاص لبلديات عدة ضمن نطاق جغرافي واحد، علماً أن أنها باتت تستوفي الرسوم وعادت لتلعب دورها”.
ويعتبر الحاج أن البلديات يمكنها تطبيق القوانين المرعية الاجراء على مستويات عدة كشروط السكن وإجازة العمل والالتزام بالقانون حرفياً. وعلى القوى الأمنية مؤازرة البلديات لتطبيق القوانين، وحتماً كل هذه الأمور ما كانت مطلوبة لو أخذت الحكومة المركزية قراراً بوضع سياسة عامة وصريحة لتنظيم اللجوء السوري، وبالتالي لا يجوز أن نستغرب إذا أخذ المجتمع الأهلي في بعض الأحيان زمام المبادرة في حماية نفسه بالتعاون مع البلديات في ظل غياب السلطة المركزية.
ويعترف الحاج بأن “حل المسألة لا يبدو قريباً في ظل اختلاف وجهة النظر الدولية في التعاطي مع هذا الموضوع لأنه يتعلّق بالوضع السياسي في سوريا ونظامها وطريقة تعاطيه مع المجتمع الدولي واستخدامه ورقة اللاجئين من أجل الابتزاز المالي والضغط لإعادة الإعمار في سوريا وسياسة الاعتراف بشرعيته. لذلك علينا كلبنانيين وضع استراتيجية محلية تخفّف من مخاطر هذا الملف”.
في المحصّلة، يُشكّل ملف اللاجئين السوريين في لبنان خطراً على الأمن ويزعزع ركائز الاستقرار الداخلي، وكل جريمة يكون مرتكبها سورياً، تثير غضب اللبنانيين بسبب شعورهم بأن مجتمعهم لم يعد يتسّع لهذا الكمّ الهائل من اللاجئين، ما يُنذر بعواقب وخيمة، بل يهدّد هوية لبنان وطابعه الديموغرافي التعددي.
جورج حايك- لبنان الكبير