التسوّل يعود الى شوارع العاصمة… أعداد “الشحاذين” باتت مقلقة!
يشهد لبنان منذ قرابة الـ 4 سنوات ظاهرة انتشار تسول الأطفال على نطاق واسع، واللافت وجود هؤلاء امام بلدية بيروت بأعداد مخيفة، لكن الأكثر اشمئزازا هو تخفّي ذويهم بين السيارات المركونة الى جانب الطريق، بينما يركض الأولاد وجميعهم دون سن الثالثة باتجاه المارة طلبا للمال.
إشارة الى ان هذه القضية أضحت شائعة ومتفشية، وتؤثر بشكل كبير في القصّر. ويعد التسول من أهم المشكلات الاجتماعية، حيث يعاني الكثيرون من الفقر المدقع، وعدم القدرة على توفير لقمة العيش لأنفسهم وأطفالهم. لكن على المقلب الاخر، تتسبب هذه الظاهرة بتعريض الأطفال للخطر والعنف والاستغلال، وتشكل تهديدا لتطورهم النفسي والاجتماعي والتعليمي، بالإضافة إلى انعكاسها السلبي على المجتمع اللبناني بأكمله. وقد تعاظمت هذه الحالة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبحت تمثل قضية ملحة يجب التصدي لها بجدية.
عدد المتسولين وأعمارهم
في موازاة ذلك، قالت الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين لـ “الديار” ان “عدد المتسولين في لبنان بات متصاعدا ومقلقا، حيث يتجاوز الآلاف، ويشمل الأطفال من مختلف الأعمار، بدءا من سن الثالثة وحتى سن السادسة عشرة. ويشكل الأطفال دون سن العاشرة نسبة مهمة من المتسولين، مما يبرز حجم الأزمة وسطوتها على فئة عمرية صغيرة جدا، وقابلة للتأثر بشكل سلبي”. اضافت : “وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المتسولين السوريين من أصل اللاجئين مرتفعة، نتيجة للظروف القاسية التي يعيشونها والفقر الذي يعانون منه”.
التسول والنازحون!
من جهتها، قالت الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة مي مارون لـ “الديار” ان “التسول ليس فعلا جديدا، وهو منتشر منذ زمن طويل، ولكن كان يمارس ضمن نطاق ضيق، ويتجمهر الطالبون في المدن الكبرى، ويتخذ بعضهم من إشارات المرور الحمراء هدفا لممارسة هذا العمل، ويتجمعون بشكل خاص في المربعات المكتظة ذات الاتجاهات المتعددة”.
وأضافت: “يعتقد الرأي العام اللبناني ان معظم المتسولين هم من غير اللبنانيين، وهذا لا يعتبر مبررا لأنهم سواء كانوا مواطنين او من الناس الذين يطلق عليهم “النّور”، فهؤلاء يشكلون خطرا بحكم وجودهم على الأراضي اللبنانية. وعادة الحكومات في كل دول العالم تهتم بجميع الافراد المقيمين على أراضيها، وهذا جرى في لبنان أيضا ابان اللجوء السوري بعد الحرب، حيث سعت الحكومة الى ادخال أطفال النازحين الى المدارس”.
اشكال الطلب!
ولفتت الى “ان التسول بات يأخذ اشكالا أخرى، بحيث يتقصد المتسول في الصيف بيع المارة عبوات مياه بالقوة، في حين يبيع المحارم في الشتاء، ويلعب على الكلام من خلال اقناع المواطن ان البضاعة لبنانية الصنع. فوق ذلك، يتقاتل المستجدون على تقسيم الزوايا والمناطق، واعتقد ان هذه العملية منظمة ويديرها زعيم او قائد. لذلك على وزارة الشؤون الاهتمام بهذه القضية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية لمعالجة هذه المسالة”.
التأثيرات السلبية في الأطفال
واكدت “ان تأثير هذا السلوك لا يقتصر على الأطفال النازحين السوريين فحسب، بل يشمل أيضا الأطفال اللبنانيين الذين يعانون من تهديدات هذه المعضلة وخطورتها، حيث تؤدي هذه الحالة إلى تعطيل نموهم الصحي والفكري والاجتماعي، ويتعرض هؤلاء للخطر والاستغلال الجنسي والعنف الجسدي والنفسي. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الاستجداء عبئا ماليا على العائلات اللبنانية، إذ يدفع البعض الأموال للشحاذين، مما يؤثر بشكل سلبي في الحياة اليومية للمجتمع اللبناني”.
دور البلدية
وفي هذا المجال، قال مصدر في بلدية بيروت لـ “الديار” ان “مكافحة التسول في لبنان أمر ذو أهمية قصوى، نظرا للتأثير السلبي الذي يترتب على المجتمع، والآثار الناتجة منه والتي تتسبب بتفكك النسيج الاجتماعي وزيادة المشاكل الاقتصادية والسلبية في البلد. ولذلك، المطلوب من المعنيين التحرك لحماية المجتمع من هذه الظاهرة وتبني استراتيجيات شاملة وفاعلة، لوقف هذه الأنشطة غير المشروعة والمشاركة الفعالة من البلديات والجهات المعنية لتطبيق القوانين وتوعية الناس”.
وتابع”هناك العديد من الأفراد المتسولين الذين تدفعهم ظروف الحياة الصعبة إلى امتهان هذا النوع من العمل غير المشروع. فوق ذلك، يؤدي الاستعطاء إلى زيادة حالات الجريمة والتوتر الاجتماعي في المجتمع، مما يؤثر سلبا في الأمان والاستقرار”.
السياحة والاقتصاد
واكد “ان لبنان يحتاج إلى الحفاظ على صيته وسمعته السياحية، كوجهة جذب للسياح والمستثمرين. ومن أجل ذلك، من الضروري أن تكون البلديات في الصدارة عندما يتعلق الأمر بمكافحة التسول. إذ يجب على البلديات العمل على منع تفاقم هذا النشاط وتقييده، من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة وتطبيق القوانين المنصوص عليها. وبذلك، يمكن للبلديات بناء سمعة لبنان الإيجابية كوجهة آمنة ومزدهرة يمكن التعرف اليها عالميا”.
وشدد على “ان هذا التصرف يؤثر بشكل كبير في الاقتصاد المحلي، فعندما يشهد المجتمع مشاهد تسول متكررة، يتجنب السائحون زيارة المناطق التي تتعرض لهذه المشكلة، بحيث يقف المتسولون من كافة الاعمار رجالا ونساء، فتيانا وفتيات بشكل رئيسي امام المطاعم ومداخل أسواق بيروت وسط البلد، ولا اعرف لماذا لم تتحرك البلدية والمحافظ حتى الساعة. وهذا يؤدي إلى تراجع الإيرادات السياحية ويرتد ذلك سلبا على الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، قد ينجم عن هذا الواقع زيادة معدلات البطالة والفقر في المناطق المتأثرة، ما يأخذنا بعيدا عن تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي”.
الصحة النفسية أولوية!
في موازاة ذلك، قالت اختصاصية النفس غنوة يونس لـ “الديار” ان “عملية التسول تؤثر بشكل كبير في الصحة النفسية للأطفال، وذلك لعدة أسباب منها:
1- قلة الثقة بالنفس: يمكن أن يؤدي الاعتماد على التسول لتلبية الاحتياجات الأساسية إلى انخفاض الثقة بالنفس لدى الأطفال.
2- الشعور بالذنب والدونية: قد يشعر الأطفال المتسولون بالإثم أو العار بسبب الاتكال على الاستعطاء كوسيلة للحصول على المال.
3- الإحساس بالعجز والضعف: يمكن أن يتسبب التعويل على الاستجداء بشعور الأطفال بالإخفاق والفشل في مواجهة تحديات الحياة.
4- تقهقر النمو النفسي: قد يؤثر الشحذ في التطور النفسي للأطفال ويحد من قدراتهم على التفكير الإبداعي وتطوير مهاراتهم الاجتماعية.
5- زيادة مخاطر العنف والاستغلال: يتعرض الأطفال المحتاجين لتهديدات الفتك والبأس بشكل أكبر، مما يزيد من حدة الضغوطات النفسية التي يعانون منها.
وختمت “تعتبر الشحاذة عاملا سلبيا يمكن أن يؤثر في الصحة النفسية للأطفال بشكل كبير، لذلك من الضروري توفير الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لهم لمساعدتهم في تخطي تلك التحديات”.
ندى عبد الرزاق- الديار