الطبيب أبو ستّة و”القتل الاستعراضيّ” والتفظيع بالمدنيين… والعالم يتقبّل فكرة الإبادة!

كثرت التصريحات والكتابات عن أنّ ما يجري في غزة مخطّط قديم لتهجير سكّانها إلى مصر، تمهيداً للتفرّغ للضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن وتصفية القضية. إلا أنّ الشهادة الأكثر بلاغة سياسياً لأهداف ما يجري في القطاع، جاءت على لسان الطبيب الجرّاح البريطاني، الفلسطيني الأصل، الدكتور غسان أبو ستّة، الذي استخلص النتائج السياسية من معايشته الواقع الإنساني والطبّي المأساوي في غزة، التي دخلها في 9 تشرين الأول، وغادرها قبل الجولة الثانية من الحرب، لفقدان المخدّر في مستشفى الشفا الذي انتقل إليه بعد تعطيل قدرة المستشفى المعمداني على إجراء العمليات الجراحية.

يستنتج أبو ستّة الذي التقى في مقرّ “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” في بيروت باحثين وكتّاباً وناشطين وصحافيين، من معايشته لمضاعفات الحملة العسكرية الإسرائيلية خلاصات عدّة أبرزها:

1- أنّ العنف كان “استعراضياً”، أي أنّ المطلوب كان أن يشاهد الغزّيّون، والفلسطينيون والعالم، كيف يتمّ التفظيع بالمدنيين بطريقة مجرّدة من المفاهيم الأخلاقية، ترويعاً للسكان لخلق كارثة لجوء كبرى ثانية، أي نكبة ثانية. فمع الوقت يتقبّل العالم فكرة الإبادة.

2- تذكّر أبو ستة مقالات للمؤرّخ الصهيوني بني موريس في صحيفة “هآرتس” التي قال فيها إنّ الفلسطينيين “سيتغلّبون علينا… وكان علينا طرد جميع الفلسطينيين في عام 48، وقتل العرب لبعضهم يُفرحني”. وما دفع أبو ستّة إلى العودة لمقالات بني موريس أنّه شاهد كيف أنّ القصف الإسرائيلي يؤدّي إلى اختفاء حيّ بكامله، وإلى إبادة عائلات بكاملها.

أطفال بلا أسماء…
3- أنّ عدد الأطفال الذين قُتلوا في الحرب هائل تصل نسبته إلى واحد في المئة من عدد السكان، فيما نسبة الجرحى تصل إلى 2 في المئة، منهم أكثر من 900 بُترت أطراف في أجسامهم.

4- أنّ أغلبية عدد الأطفال الناجين هم في سنّ أصغر من أن يستطيعوا قول أسمائهم، في وقت أبيدت عائلاتهم بالكامل. وبعضهم ممّن قضى دُفن من دون معرفة اسمه الحقيقي. وهذا ينطبق على العديد من الأطفال الخدّج. وهذا يشير إلى ضرب الهرمية السكانية.

5- حرب غزة كانت مسرحاً لتجربة أسلحة جديدة، إذ ظهرت قنابل حارقة غير الفوسفور الأبيض، تخلق لهباً يحرق ما حولها. أُلقيت على مخيّم الشاطئ بشدّة لأنّ الجيش الإسرائيلي واجه مقاومة شرسة عند تقدّمه نحوه. ومن الأسلحة أيضاً صاروخ من صنف “هيلفاير” يتشظّى بانفجاره إلى ما يشبه الصحون التي تبتر أطرافاً من الجسم. وهو الذي ظهر عند قصف المستشفى المعمداني (الذي كان أبو ستة يعمل فيه).

6- استكمال جعل غزة غير قابلة للسكن بعد وقف النار، باستهداف القطاع الصحّي وتدمير المستشفيات، بعد النجاح في إسكات العالم عن الاحتجاج إثر قصف المعمداني، وإيهام الرأي العامّ بأنّ صاروخاً فلسطينياً سقط فيه.

وليد شقير

مقالات ذات صلة