تحذيرات من جنون نتنياهو في أي لحظة: جنوب لبنان «صندوق رسائل»
تل أبيب أكدت لواشنطن حاجتها لإزالة تهديد «حزب الله»
إصرار إسرائيل على استهداف القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) ووحدات الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني، لم يكن عن طريق الخطأ وإنما عن سابق تصور وتصميم، كما يقول مصدر سياسي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط»؛ فإسرائيل تتوخى من خلال اعتداءاتها المتكررة تمرير رسالتين ناريّتين:
الأولى إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على خلفية استخدامه المادة 99 التي تقع من ضمن صلاحياته، وتحذيره من الخطر على السلم الأهلي انطلاقاً من التداعيات المترتبة على مواصلة إسرائيل حربها على قطاع غزة، وتمدُّد آثارها إلى تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر في ضوء منع السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي، أو تعود ملكيتها لرجال أعمال إسرائيليين من قبل الحوثيين، إضافة إلى القصف الذي يستهدف القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق.
I've just invoked Art.99 of the UN Charter – for the 1st time in my tenure as Secretary-General.
Facing a severe risk of collapse of the humanitarian system in Gaza, I urge the Council to help avert a humanitarian catastrophe & appeal for a humanitarian ceasefire to be declared. pic.twitter.com/pA0eRXZnFJ
— António Guterres (@antonioguterres) December 6, 2023
استهداف إسرائيل للقوات الدولية العاملة في جنوب الليطاني، التي تتولى مؤازرة وحدات الجيش اللبناني المنتشرة فيها لتطبيق القرار الدولي 1701، يأتي متلازماً مع الحملات الإسرائيلية ضد الأمين العام للأمم المتحدة بتهمة انحيازه إلى جانب حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية في تصدّيها للحرب التي تخوضها إسرائيل ضد قطاع غزة، خصوصاً أنها تتلازم مع تبدُّل المواقف الدولية التي كانت بمعظمها تقف إلى جانبها احتجاجاً على اجتياح «حماس» المستوطنات الواقعة في غلاف غزة لتعيد النظر في تعاطفها معها لما ألحقته إسرائيل من تدمير للحجر والبشر من دون مراعاتها القوانين الإنسانية الدولية.
On Saturday afternoon, a watchtower inside a UNIFIL position in the proximity of Ibel Qameh in southern Lebanon was hit by shelling causing damages to the structure.
Fortunately, no one was injured. The origin of the fire is under investigation.
— UNIFIL (@UNIFIL_) December 10, 2023
ويبقى تبدُّل الموقف الدولي في الأمم المتحدة حيال إسرائيل أكبر شاهد على تعطيلها الجهود الرامية إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ولم يبق معها حسب المصدر السياسي البارز، في الميدان سوى الولايات المتحدة الأميركية باستخدامها حق النقض الـ«فيتو» الذي حال دون صدور القرار، بينما أيّدته فرنسا، وامتنعت بريطانيا عن التصويت.
أما الرسالة الثانية فهي إلى قيادة الجيش اللبناني عبر استهدافها مراكزه، سواء أكانت صحية أم خدماتية أم عسكرية، ما أدى إلى استشهاد عريف وجرح 4 عسكريين، فرسائل إسرائيل هنا متعددة الأهداف، ولا تتعلق بتوجيه تهمة مزدوجة لوحدات الجيش بالتواطؤ مع «يونيفيل» بغض النظر عن قيام «حزب الله»، ومعه بعض الفصائل الفلسطينية المنتمية إلى محور الممانعة، بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في شمال فلسطين المحتلة على امتداد الحدود اللبنانية على مقربة من أماكن وجودهما وانتشارهما في جنوب الليطاني من دون أن يحركا ساكناً لمنع جميع هؤلاء من التلطي خلفهما أثناء قيامهم بإطلاق الصواريخ.
بتاريخ ٢٠٢٣/١٢/٨، تعرض المركز الاستشفائي التابع للجيش في بلدة عين إبل – الجنوب لقصف من قبل العدو الإسرائيلي ما أدى إلى أضرار مادية دون وقوع إصابات.#الجيش_اللبناني #LebaneseArmy pic.twitter.com/zlCJPmin5F
— الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) December 8, 2023
وإسرائيل، كما يقول المصدر اللبناني، تضغط من خلال استهدافها وحدات الجيش اللبناني لسحبها من جنوب الليطاني، تحسُّباً لقيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمغامرة عسكرية تبقى محصورة فيها لإخراج «حزب الله» منها، من دون أن تصطدم بهذه الوحدات لأنها ستضطر للدفاع عن النفس لمنعها من التمدد إلى هذه المنطقة، خصوصاً أن اشتباكها مع الجيش اللبناني سيكون له صداه على الصعيدين العربي والدولي.
لذلك، فإن استهداف إسرائيل للجيش اللبناني ومعه «يونيفيل» سيرتدّ عليها، ما داما لن يبدّلا في خريطة تموضعهما وانتشارهما في جنوب الليطاني، خصوصاً أنه ليس لدى الدول المشاركة في «يونيفيل» ومعها الجيش اللبناني نية للانسحاب من المنطقة أو تقليص عددها، مع أن الموفدين الأوروبيين إلى لبنان ينصحون بعدم الانزلاق نحو تمدُّد الحرب من غزة إلى الجبهة الشمالية، ويحذّرون من جنون نتنياهو في أي لحظة لاستدراج لبنان إلى حرب.
عاد قائد الجيش العماد جوزاف عون العسكريين الجرحى الذين أصيبوا نتيجة استهداف مركز للجيش في العديسة من قبل العدو الإسرائيلي بتاريخ ٥ / ١٢ / ٢٠٢٣، واطّلع على وضعهم الصحي مشيدًا باندفاعهم وتضحياتهم لأداء مهمتهم، ومتمنيًا لهم الشفاء العاجل.#الجيش_اللبنانيhttps://t.co/JjEjUruGIU pic.twitter.com/hOs9jaJoaO
— الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) December 8, 2023
تنعى قيادة الجيش – مديرية التوجيه، الرقيب عبد الكريم المقداد الذي استشهد جراء تعرض مركز عسكري تابع للجيش في جنوب لبنان للقصف من قبل العدو الإسرائيلي بتاريخ ٥ / ١٢ / ٢٠٢٣.#الجيش_اللبناني #LebaneseArmyhttps://t.co/qlgytzkYd0
— الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) December 5, 2023
وفي هذا السياق، يؤكد المصدر السياسي أن جميع هؤلاء الموفدين الذين يتنقلون ما بين بيروت وتل أبيب لا يحملون في جعبتهم تهديدات إسرائيلية للبنان، بمقدار ما أنهم ينصحون بضرورة ضبط النفس وأخذ الحيطة، استناداً إلى ما سمعوه من حكومة الحرب الإسرائيلية من تحذيرات هي أقرب إلى التهديد.
ويلفت إلى أن الموفدين لا يأتون، في لقاءاتهم مع أركان الدولة اللبنانية، وأحياناً بقيادة «حزب الله»، لا من قريب أو بعيد على ذكر ما يوحي بأنهم يقفون إلى جانب تعديل القرار 1701، لا بل يؤكدون ضرورة الالتزام بتطبيقه، وهم يلتقون في دعواتهم مع إصرار لبنان الرسمي على تطبيقه.
ويكشف المصدر السياسي أن إصرار جميع الموفدين على التقيُّد بكل مضامين القرار 1701 لا يعني من وجهة نظره أن الطريق سالكة سياسياً لتطبيقه مع تصاعد وتيرة المواجهة العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل على طول الجبهة الشمالية التي تدفع باتجاه خرق قواعد الاشتباك من دون أن تؤدي حتى اللحظة إلى تعديلها، ما دامت لم تخرج عن السيطرة.
ويرى أن الدخول الجدّي لوضع تطبيق القرار 1701 على نار حامية لم يحن أوانه حتى الساعة، لأن واشنطن تربط تنفيذه بانتهاء الحرب على جبهة غزة، وهذا ما يفسّر عدم قيام المستشار الرئاسي الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوغشتين بأي جهد يُذكر لإعادة تحريك تطبيقه، وهو ينتظر ما ستؤول إليه هذه الحرب ليقرر التدخُّل على نطاق واسع، رغم أنه كان قد أبدى استعداده في لقاءاته السابقة بكبار المسؤولين اللبنانيين للقيام بوساطة بين بيروت وتل أبيب استكمالاً لوساطته التي أدت إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، آخذاً في الاعتبار ضرورة تحديد الحدود اللبنانية الإسرائيلية بما يدفع باتجاه شق الطريق أمام وضع القرار 1701 موضع التنفيذ.
وعليه، فإن لبنان، وفق المصدر السياسي، علم بالرسالة النارية التي أوصلتها إسرائيل إليه، أسوة برسالتها إلى الأمم المتحدة، احتجاجاً على الدور الريادي لأمينها العام الذي كان وراء إحداث تغيير في الرأي العام العالمي ولدى غالبية الدول الغربية والأفريقية، وتعاطت معه تل أبيب على أنه كان وراء التحريض عليها، وأسهم في تأطير غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمصلحة الانحياز لتحقيق وقف شامل للنار في غزة لأسباب إنسانية، أرفقه باستخدامه المادة 99، محذّراً وللمرة الأولى من الخطر الذي يهدد السّلم العالمي.
محمد شقير- الشرق الاوسط