ايران تسد الفراغ العربي والحزب ينجح في تسجيل “خروقات” على الساحة السنية: ماذا عن المستقبل؟

كثيرة هي الملاحظات والمفارقات التي يمكن تسجيلها في أعقاب عملية طوفان الأقصى، ومواكبتها من قبل حزب الله في لبنان. غالبيتها تحتاج إلى الحديث عنها بلا أي قفازات. فالعملية التي شنتها حركة حماس أعادت القضية الفلسطينية بشكل كامل على طاولة الأمم والمجتمع الدولي بعد سُبات وظنون كثيرة بأنها أصبحت هامشية.

لكن تبقى العبرة في النتائج، خصوصاً أن العملية الإسرائيلية والتي ترتكز على تهجير فلسطينيي القطاع وتقسيمه، وضرب كل مقومات الحياة ومرتكزاتها فيه تندرج في سياق السعي الإسرائيلي الدائم لتطبيق ما يسمى “صفقة القرن” او تثبيت نظرية الأرض بلا شعب.

مستقبل غزة حماس والسلطة
من بين النقاشات الدائرة البحث في مستقبل قطاع غزة، مستقبل حركة حماس، ومستقبل السلطة الفلسطينية. لا أحد على المستوى الدولي أو العربي يمتلك رؤية جدية وواقعية حتى الآن، لا سيما في ظل مسلّمة أساسية هي استحالة انهاء حركة حماس او سحقها. سيكون البحث متركزاً في إطالة أمد الهدنة أو الذهاب إلى هدن متنقلة ومتقطعة، بانتظار بلورة الرؤية. مع الإشارة إلى استحالة إعادة تشكيل قيادة فلسطينية بدون انتخابات، وفي أي انتخابات يمكن لحماس أن تشكل انتصاراً كاسحاً وكبيراً.

أما في لبنان فهناك أفكار كثيرة أيضاً متداولة على المستوى الدولي حول كيفية تطبيق القرار 1701 وتثبيت الإستقرار، في ظل انعدام أي قدرة لضرب حزب الله أو إضعافه، وبالتالي لا بد من التفاوض معه. وفي أي تفاوض حول حل سياسي في المنطقة لا بد لإيران أن تكون حاضرة بقوة وشريكة ومؤثرة.

الفراغ العربي تسده إيران
على المقلب الآخر، فإن فراغات كثيرة برزت عربياً عملت إيران على سدّها، وعملت حركة حماس على التقدم من خلالها وتصدر المشهد، فيما سعت الدول العربية لإطلاق حملة سياسية وديبلوماسية في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار وإعادة البحث في مسار حل للقضية الفلسطينية. كما أن الدول العربية ركزت في عملها على ارسال المساعدات الإغاثية والإنسانية، وهو ما تشدد عليه مطالبات الشعب الفلسطيني على قاعدة واضحة، إيران ترسل السلاح والمال في سبيل القتال، والدول العربية تكون ملزمة بالمساعدات الإغاثية واعادة الإعمار.

بعض قيادات حماس تقدم الشكر لإيران، وتنتقد الموقف العربي. وقيادات أخرى تستند إلى الدور العربي سياسياً وديبلوماسياً. لكن ذلك كله يقود إلى خلاصة واحدة بأنه لا يمكن “الانعزال” عن القضية الفلسيطينية، ولا يمكن الإرتكاز إلى سياسة تقديم المساعدات الإغاثية بدون وضع رؤية سياسية ومشروع سياسي.

الإنعتاق عن القضية ومحاولة “عزل النفس” عنها، يسهم في خلق فراغات كثيرة تكون بحاجة إلى من يعبئها، فيما لاقت حماس حماسة عربية هائلة في مصر، والأردن والشارع العربي ككل، إلى حدّ وجدت مصر نفسها تحت ضغط شعبي وسياسي كبير، في مقابل الضغط الدولي الذي تتعرض له، لاسيما الأميركي والإسرائيلي. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن والذي سيكون مهدداً من اتجاهات متعددة، من الإسرائيليين للقبول بصفقة القرن، ومن الآخرين لدعم المقاومة الفلسطينية أكثر.

و…فراغ لبنان يسده حزب الله
ما ينطبق على الدول العربية يسري على لبنان أيضاً، الذي يتعايش مع فراغ سياسي هائل، لا احد قادر على سدّه سوى حزب الله. وهو الذي نجح في استمالة شرائح واسعة من اللبنانيين، من السنّة خصوصاً، وهم الذين يجدون أنفسهم متعاطفين مع حركة حماس، وبحاجة إلى دعم الحزب لهذه الحركة. راكم الحزب على هذا الموقف ما كان يسعى إليه منذ فترة طويلة، بتسجيل المزيد من الخروقات على الساحة السنية، منذ ارسال المساعدات كالمحروقات والمواد الغذائية إلى صيدا، عكار، طرابلس، الضنية، وغيرها من المناطق. راكم الحزب فوق مكتسباته، بجعل الجماعة الإسلامية جزءاً من محور المقاومة وإطلاق الصواريخ، وكذلك بالإلتحام الكامل مع كتائب القسام وسرايا القدس. فعمل على تجاوز “الفتنة السنية الشيعية”، كما استعاد موقفاً مسيحياً متعاطفاً معه ويسلّفه سياسياً وهو ما يبرز من مواقف التيار الوطني الحرّ.

إعادة تكوين رأي عام سني
يسجل الحزب كل هذه المكاسب، في ظل غياب أي رؤية لدى أي طرف آخر، وصولاً إلى حدّ ذهاب شخصيات سلفية من طرابلس إلى الجنوب والإستشهاد هناك برفقة نائب قائد كتائب القسام في لبنان. وهو أمر يعيد تكوين رأي عام سنّي عموماً، وطرابلسي خصوصاً يبحث عن دور وعن مشاركة في ما يجري، بعد غياب طويل. علماً أن هؤلاء الذين قضوا في الجنوب، أو من يؤيدونهم، أو من يلتفون من حولهم في طرابلس جميعهم كانوا على تناقض مع حزب الله خصوصاً في أعقاب الثورة السورية، وهو التناقض نفسه الذي كان قائماً بين الحزب وحركة حماس.

أمام هذه الوقائع، ثمة من يعود إلى مقولة تسري كثيراً في هذه المرحلة، مفادها أن حركة حماس لم تجد حضناً أو رعاية عربية، فاحتضنتها إيران واستثمرت فيها، وعززت من خلالها موقعها ونفوذها. وهي نظرية ستسري طويلاً على لبنان أيضاً من خلال استشعار الكثير من الفئات “المهمشة والمهشمة” غياب الدور والتأثير، والبحث عن حضن، فيلوذون بحزب الله لعدم توفر البديل، ولانعدام قيام أي مشروع سياسي قابل على استيعابهم وإرفاد تطلعاتهم، خصوصاً أنه في حالات الإنهيار، وغياب الإنماء يغيب الإنتماء، فلا يتوفر استقرار، ولا تتوفر مشاريع استثمارية، فهذه لا يمكنها أن تنجح بدون مشاريع سياسية واضحة قادرة على تحصين المجتمعات والدول.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة