المسارات السياسية مفتوحة على أبوابها الواسع: “تغيير” إسرائيل و”ولادة” فلسطين!

على وقع العمليات العسكرية المستمرة في قطاع غزة، وفي ظل قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود والمواجهة، ومنع جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه.. فإن المسارات السياسية مفتوحة على أبوابها الواسعة، بحثاً عن اتفاق حول وقف إطلاق النار.

وقد يكون من المبكر الحديث عن هذا الاتفاق، قبل الوصول إلى صيغة تتصل بإطلاق سراح الرهائن الأجانب، مقابل هدنة وإدخال مساعدات إنسانية ومحروقات إلى قطاع غزة، أولاً. وثانياً، الانتقال إلى إطلاق سراح المدنيين الإسرائيليين مقابل إفراج قوات الإحتلال عن 75 امرأة وألفي طفل فلسطيني من السجون. ويفترض بذلك أن يفتح المسار أكثر للبحث في وقف لإطلاق النار. ولكن الأسئلة الأكثر صعوبة المطروحة في هذه المرحلة، تتصل بنقطتين أساسيتين. الأولى، ما هو الاتفاق الذي سيؤدي إلى وقف إطلاق النار، وماذا سيليه سياسياً، في قطاع غزة. والثانية، كيف سينسحب هذا الاتفاق على وضع الجبهة مع لبنان، ووقف العمليات العسكرية، خصوصاً في ظل انعدام قدرة المستوطنين الإسرائيليين على العودة إلى منازلهم في المستوطنات الشمالية.

إعادة هيكلة
الأكيد أن لا الولايات المتحدة الأميركية ولا إسرائيل ولا إيران تريد تصعيد العمليات العسكرية لتتطور إلى حرب واسعة مع لبنان. ولكن ذلك يؤدي إلى انهيار كبير في منظومة الثقة الإسرائيلية بالجيش والمؤسسة السياسية، خصوصاً أن المستوطنين يتحدثون عن عدم العودة إلى منازلهم، في حال لم يتم إيجاد حل لقوة حزب الله العسكرية على الحدود. من هنا، تطرح أسئلة كثيرة حول مستقبل وأفق الحل السياسي لهذه الحرب.

فهناك أفكار كثيرة متداولة، أبرزها ما يطرحه الأميركيون من تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة ومستقبل حركة حماس والسلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق، فإن المطروح إعادة هيكلة شاملة لمنظمة التحرير، بالإضافة إلى بقاء حركة حماس كقوة سياسية أساسية، لأن من يملك الأرض يمتلك الفعالية السياسية والحضور الرسمي. ولكن هذا سيوجب على حماس إعادة هيكلة نفسها سياسياً، وربما بتشكيل قيادة جديدة.

لكن في موازاة إعادة الهيكلة المطروحة لمنظمة التحرير الفلسطينية أو القيادة الفلسطينية وتماهيها مع الشارع، بالإضافة إلى إعادة هيكلة حركة حماس، ستقابلها بالتأكيد إعادة هيكلة جذرية للعقيدة الإسرائيلية أو الصهيونية. هذه العقيدة التي قامت أساس “لا إعادة للهولوكست”، وعلى الثقة المطلقة بقوة الجيش. فهذه الثقة قد اهتزت بشكل نهائي، فيما لم يعد الإسرائيليون ينظرون إلى الجيش بأنه قادر على ضمان الأمن والاستقرار. وهو ما يمنع سكان المستوطنات من العودة إلى منازلهم، لا على الحدود مع لبنان ولا في غلاف غزة.

هذا لا ينفصل عن النتيجة المباشرة لكل ما جرى، وهو الإطاحة المؤكدة بحكومة نتنياهو اليمينية والذهاب إلى تشكيل حكومة “واقعية” في مقاربة التطورات والملفات الداهمة، خصوصاً أن الحرص لدى تل أبيب سيكون في توفير مقومات البقاء وانتزاع نوع من الاستقرار.

حل الدولتين؟!
لا شك أن هناك أزمة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، لا يمكن تجاوزها من دون تغير كامل في العقيدة التي قامت منذ 70 سنة، وأخذت بالاستفحال والاستشراس أكثر فاكثر، بالإضافة إلى الإيغال بالعنصرية والتعجرف واستجلاب اليمين المتطرف، الذي يقضي على أي مقوم من مقومات بقاء هذا الكيان أو هذه الدولة. والنتيجة الواضحة هو ما جرى في 7 تشرين. وهو سيكون قابلاً للتكرار في أي مرحلة لاحقة، في حال لم تتغير هذه العقيدة المستمدة من تلموديات ومن نظريات غربية استعمارية مؤيدة لإسرائيل، قائمة على صراع الحضارات، أو ما يشبهها.

كل الأفكار والمداولات المطروحة، تعود إلى استخدام صيغة حل الدولتين، فيما السؤال الأساسي الذي يُطرح إذا كان هناك إمكانية في العودة إلى مثل هذه الصيغة، وعلى أي أرض سيتم إنشاء الدولة الفلسطينية، بعد طروحات أميركية وإسرائيلية غير واقعية تتصل بجعل القدس عاصمة لإسرائيل من قبل إدارة دونالد ترامب، وصولاً إلى اقتراحات تتصل بنقل الفلسطينيين إلى جغرافيا جديدة. أي حل لا بد أن يبدأ من الإقلاع عن مثل هذه النظريات التي تتسم بكثير من الجنون. بينما تبرز الصعوبة في إنتاج الدولة الفلسطينية في ظل تآكل الأراضي بمشاريع الاستيطان.

في ظل موازين القوى الحالية، لن يكون بإمكان أي طرف تجاوز إنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين، فيما قد يكون الخيال جموحاً في الذهاب إلى فرض تفكيك مستوطنات على أراضي الـ 67، أو ربما العودة إلى نظرية تبادل الأراضي، مع التشديد على تفكيك المستوطنات في الأراضي “أ” و”ب”، لأنها أرض تابعة بشكل كامل للسلطة الفلسطينية وخاضعة لسيادتها، أما الأراضي “ج”، -وحسب الدراسات- هناك من يشير إلى وجود مخزونات نفطية في أعماقها، والتي سيتمسك بها الإسرائيلي إلى حدود بعيدة. أما ما سيكون مطروحاً بالأساس، فهو البحث عن صيغة حل لحقل غاز في سواحل غزة، وربما هو يفوق مخزونات حقول تامار وكاريش. كل ذلك يبقى ربما في إطار الأحلام، لا سيما في ظل كل المؤشرات التي تفيد بأن الصراع سيبقى مفتوحاً إلى فترة طويلة، من خلال إعادة تجديده وعدم إزالة أسباب انفجاره.

وهو ما سيكون عنصر تهديد لكل العرب كما كان الحال منذ العام 1948 إلى اليوم.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة