عصابات سرقة “ريغارات” الصرف الصحّي “تفرّخْ” “على عينك يا دولة”… والبيع بالفريش
منذ بداية الازمة الاقتصادية والمعيشية ارتفعت نسبة حوادث السرقة وتضاعف عدد السرقات؛ فجرائم السطو التي سجلتها إحصاءات قوى الامن الداخلي في السنتين الماضيتين تتزايد بشكل مخيف بمعدلات عمليات النهب وذلك بنحو 6 اضعاف تقريبا. فالأجهزة الأمنية تؤكد تفعيل عصابات اللصوصية لأعمالها لا بل كل فترة “تفرّخ”؛ ومختلسون جدد ينضمون الى هذا الكار لا سيما العاطلين من العمل ومدمني الكحول والمخدرات، ويتم النهب بطريقة منظمة ومدروسة من قبل جماعة ترتكب الاعمال الاجرامية. وتقسم جماعات الابتزاز بين من يتخصص في سرقة المحلات التجارية او المنازل ومن يمتهن فن النشل او سلب المارة بقوة السلاح. ويعزو المسؤولون الأمنيون ارتفاع نسبة حوادث السرقة و “التشليح” الى التفلت الأمني والوضع المادي الراهن والنزوح السوري الجديد.
واللافت ان مفهوم اللصوصية تطور ليتعدّى استلاب الدراجات النارية واعمدة الكهرباء ومقتنيات المنازل، وامتد الى الأملاك العامة فشمل هذه المرة اغطية الصرف الصحي، فالشوارع تحولت الى بؤر غائرة.
هل تراجعت السرقات؟
يكشف الباحث في الدولية للمعلومات السيد محمد شمس الدين لـ “الديار” عن أحدث التقارير والأرقام مفندا الأشهر ونسب جرائم السرقة على الشكل الاتي: “في شهر كانون الثاني 2023 تم تسجيل 400 سرقة، شباط 307، اذار 334، نيسان 328، أيار 232، حزيران 226، تموز 204، اب 233 وأيلول 202 ليكون مجموع السرقات 2466 سرقة بينما بلغ معدل السرقة في العام 2022 حوالى 3784 ومجموع السرقات حتى أيلول 2021 نحو 4301 سرقة”.
مقومات الطرقات الامنة انقرضت!
لا يخفى على أحد ان الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان أثّرت سلباً في السلامة العامة ومقومات الطرقات الامنة اختفت تدريجياً، بالإضافة الى عدم تجهيز وصيانة الطرقات سنويا من قبل وزارة الاشغال العامة والنقل، الى جانب سوء الإنارة ليلاً وانعدامها في الأنفاق، وتعطل إشارات المرور واقتلاع معظمها من قبل اللصوص. وفي هذا السياق، يبدي المراقبون خشيتهم من ارتفاع معدلات حوادث السير في الفترة المقبلة جراء قنوات الصرف الصحي المفتوحة وخطر الوقوع فيها. وهذا انعكس سلباً على التجهيزات والأعمال المتعلقة بالسلامة المرورية، لناحية صيانة الطرق وتنظيم حركة السير. بالإشارة الى أن تدهور القدرة الشرائية لدى المواطنين يدفع بالكثير منهم الى استخدام وسائل نقل أكثر خطورة من السيارات، مثل الدراجات النارية، أو عبور الاتوسترادات سيرا على الاقدام.
“قبع” و “نزع”
وفي الإطار، عاد موضوع سرقة قنوات الصرف الصحي الى الواجهة من جديد، بحيث استفحلت ظاهرة استئصال اغطية الريغارات على نطاق واسع في اغلبية المناطق اللبنانية وازدادت شكاوى المواطنين وهواجسهم لما يسببه غياب تلك الفتحات من حوادث خطرة بعضها قد يؤدي الى الموت او الإصابة بكسور ورضوض جراء الوقوع فيها كونها عميقة.
هذه الحالة آخذة بالتوسع نتيجة كثرة الحفر في الشوارع العامة التي باتت تعرف بـ “طرق الموت” بسبب بتر اغطية المنهل الدائري. إشارة الى ان هذا النوع من السرقات يحقق أرباحا مادية ضخمة كونه يباع بالكيلو لان هذه الاغطية مصنوعة من حديد خالص ويتم تقاضي الأموال مقابلها بالفريش دولار. أيضا انتعشت مؤخرا سرقة الاسلاك الكهربائية، وحديد البناء من الورش وصولا الى سرقة درابزين السواحل. هذا السيناريو مستمر في لبنان لكنه اضحى ظاهرة مخيفة وأصبح يشمل كل المواد الحديدية واللوحات الاعلانية وابواب المدافن والحدائق العامة ومنشآت الاتوسترادات.
السرقة تتطور!
تؤكد مصادر امنية لـ “الديار”، “انه تم توقيف بعض الأشخاص واغلبيتهم من النازحين السوريين، فالسرقة لم تعد تقتصر على اجتثاث “فتحة ريغار” من هنا او عمود كهرباء من هناك، بل تؤثر سلبا في البنية التحتية للدولة وهذا المال العام لا يجوز ان يمسه أحد لأي سبب من الاسباب”. أضاف، “أعمال اللصوصية توسعت لتشمل كل ما يمكن سرقته من مواد حديدية وتوابعها مثل مضخات المياه الخاصة بالمنازل. كما يقوم السارقون بخلع إشارات المرور ولمبات الانارة ومكبرات الاضاءة وتمديدات كهربائية وأنظمة الانارة الأرضية”.
وفي هذا السياق كشف وليد وهو صاحب محل لبيع الخردة والحديد لـ “الديار”، ” ان هذه المواد المسروقة يتم تذويبها مباشرة بعد شرائها من السارقين في بؤر مخصصة لهذه الغاية لتغيير شكلها واخفاء معالمها لطمس جريمة السرقة ليعاد بيعها بالفريش دولار”. إشارة الى ان “الديار” قد عاينت واحدة من هذه البؤر وتعود لشخص يدعى “ن. زعيتر” في منطقة برج حمود حيث تتم تجزئة هذه المواد وفصلها اما لإعادة بيعها او لصهرها للاستفادة منها في صناعات أخرى”. وقال: “يتراوح سعر كيلو الحديد بين 15 و20 دولارا أي ان نصف طن من الحديد الصلب يحقق مردودا ماديا كبيرا بالفريش دولار مشيرا الى ان سعر كيلو الحديد قبل سنتين كان يتأرجح ما بين الـ 5 و10 دولارات تقريبا”.
بالموازاة مصدر في بلدية بيروت قال لـ “الديار”: “يجب على البلديات ملاحقة كل من يحاول نزع غطاء “ريغار” او اقتلاع عمود كهرباء وذلك لحفظ امن نطاق مناطقنا من تكرار هذا النوع من اعمال السرقة”. واعتبر، “ان إعادة تأمين بدل هذه الاغطية تكبّد الشركة المكلفة من قبل الوزارة المعنية بتلزيم اغطية قنوات الصرف الصحي مبالغ مالية ضخمة، ناهيك بالاضرار الفنية التي تصيب شبكة الصرف الصحي إثر دخول المنصرفات الصلبة والنفايات فيها، ما يؤدي الى حدوث تكدسات كبيرة في الشبكة”. وختم قائلا: “لا تملك البلدية او حتى الأجهزة الأمنية ارقاما دقيقة حول اعداد الاغطية المنزوعة”.
ندى عبد الرزاق- الديار